الانسان بين الاهتمام بالذات والاهتمام بالآخرين:خيارات أم ضرورات؟
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخوللقد ولدت بقرية يعرف فيها الناس بعضهم البعض، ويتدخلون في خصوصية بعضهم البعض، لدرجة أنهم إذا التقوا بي يسألونني الى أين ذاهبة، وماذا تفعل أمك، وهل أبوك حاضر، وأخبار أخواتك، وإذا كنت صغيرا بالعمر فسيسألونك أسئلة محرجة، الى جانب أن تركيزهم وحديثهم كله ينصب في مناقشة أخبار الآخرين، والحكم عليهم، وفي هذه الأجواء، بادر لذهني سؤال حول أي اتجاه يسلكه هؤلاء الناس وتركيزهم كله ينصب في الحديث على الآخرين والحكم عليهم، بدلا من التركيز على ذواتهم واكتشاف امكانياتهم؟

ان التواجد في مثل هذه البيئة، لا شك أنه سيشكل عند الفرد بنية ذهنية مركزة على الآخرين، من خلال توجيه التركيز نحو ما يملكونه، وما يفعلونه، وما يخططون لفعله، وتقليدهم، بدلا من امتلاك ذهنية متفردة مستقلة تسعى لاكتشاف قدراتها وتوجيهها.
ان مشكل التركيز على الآخرين يدفع بالشخص لتسخير حياته من أجل الآخرين، واستنفاذ طاقته من أجلهم، ومناقشة قضاياهم، بدلا من عيش الحياة وتسخيرها لنفسه، لتحقيق أهدافه واكتشاف امكانياته، وفي أغلب الأحيان تجد شخصا يكره شخصا آخر فيتحدث عنه بسوء كل الوقت، ظنا منه أن ذلك يضره، لكن في الحقيقة مادام أنه يتحدث عنه فانه قد أخذ من وقته وطاقته وقتا وجهدا لو صرفها في تطوير ذاته لانبهر من إنجازاته وقدراته،و تصور معي لو أن كل شخص اهتم بالاستثمار في ذاته، وتطوير قدراته، كيف سيصبح مجتمعنا، سننبهر بكمية الإنجازات، والابتكارات، والصناعات، واللوحات الفنية والمنحوتات، والعلوم والبحوث، سيتم بناء حضارة على أسس قوية أساسها الانشغال بالتطوير الشخصي، بدلا من الانشغال بالآخرين.
العواقب السلبية للتركيز على الآخرين:
1-فقدان الهوية: فالتركيز على الآخرين يحرم الشخص من هويته الشخصية، ويتبع آراء الأشخاص وأفكارهم دون تقييم شخصي.
2-الاعتماد على الآخرين: من خلال انتظار الأشخاص الآخرين باتخاذ قرارات حياته بدلا من اتخاذها بإرادته ووعيه.
3-الاستنزاف النفسي: ويتحدد من خلال محاولاته المستمرة في ارضاء الآخرين بدلا من إرضاء ذاته واحترامها.
4-التوتر والقلق: ويحدث ذلك من خلال محاولة تلبيته لتوقعات الناس وتحقيق احتياجاتهم.
5-المقارنة الدائمة: التركيز على مقارنة تفاصيل حياته بنتائج حياة الآخرين، فيشعر بالدونية والنقص، وبالتالي تدني الثقة بالنفس وتقدير الذات عنده.
ان الشيء الوحيد الذي يندم عليه الانسان وهو في فراش الموت، هو أنه عاش حياته من أجل الآخرين ومن أجل ارضائهم، بدلا من يعيش حياته برؤيته الخاصة ورغباته الشخصية.
إنك لن تندم عندما تتخذ قراراتك بنفسك وان فشلت، لكنك ستحتقر ذاتك كثيرا لأنك سمحت للآخرين بالتصرف في حياتك وتوجيهها، فأنت لم تختار تخصصك الدراسي، ولم تتزوج الشخص الذي تشعر اتجاهه بالانتماء، ولم تعش بالبلد الذي تحب، وتسكن بمكان لا تحبه، وتعمل بعمل اختاره لك الآخرين، أين أنت من قصة حياتك؟
النقاط التي يجب التركيز عليها للاهتمام بالذات وتحقيقها:
ان التركيز على الذات يؤدي الى تحقيق الذات والوصول لنسخة أكثر قوة واتزانا، وذلك من خلال الوعي الذاتي بإدراكك للنقاط التالية:

-مبادئك -قيمك -نقاط قوتك
-مهاراتك -دوافعك -نقاط ضعفك
-اهتماماتك -مخاوفك الداخلية -قناعاتك
فمن السهل جدا معرفة عيوب الآخرين، لكن عندما توجه بوصلة بحثك لذاتك، فسيصعب عليك اكتشاف عيوبك ونقاط ضعفك، ونفس الشيء بالنسبة لنقاط قوتك ودوافعك.
ان الشخصيات الناجحة بالعالم، هي شخصيات أعطت كل طاقتها وتركيزها للذات، فاختاروا العزلة والجلوس مع ذواتهم، التي هي بئر الابداع والالهام، فمضى عمرهم وهو مركزين على تطوير ذواتهم، فما تركوه اليوم هو ما يعيش به الجيل الجديد، فالفضل كله لهم، ولقد ذكرت هنا العزلة وهي شيء طبيعي، لابد منه لكي يعيد الانسان اللقاء مع ذاته، والابتعاد عن ضجيج العالم، بشرط أن تكون عزلة بوعي وحضور، وفي هذا الصدد سأسألك سؤالا، إذا لم تحب الجلوس مع ذاتك، فمن سيحب الجلوس معك؟
أهم الشخصيات التي ركزت على ذاتها فحققت نجاحا باهرا:
1-محمد علي: ركز على تطوير مهاراته في الملاكمة وأصبح بطلا عالميا
2-نجيب محفوظ: ركز على تطوير مهاراته الأدبية وحصل على جائزة نوبل في الأدب
3-إسحاق نيوتن: ركز على أبحاثه الفيزيائية واكتشف القوانين الثلاثة للحركة
4-ألبيرت اينشتاين: ركز على نظرياته الفيزيائية وطور النظرية النسبية
5-ليوناردو دا فينتشي: ركز على تطوير مهاراته الفنية وابتكر أعمال فنية عظيمة
6-نادية مراد: ركزت على تطوير مهاراتها الرياضية، وأصبحت من أفضل لاعبات كرة السلة في آسيا
7- كريستيانو رونالدو: ركز على تطوير مهاراته في الكرة وأصبح من أفضل لاعبي الكرة في العالم
8- هذا أنت أيها القارئ/ة: عندما تركز اهتمامك في تطوير مهاراتك، بدلا من التركيز على الآخرين.
عندما تكون مشتت فأنت تظلم نفسك بعدم عيش الحياة التي ولدت لتعيشها، الفرق الأكبر بينك وبين الناجحين أعلاه هو نقطة التركيز، فليس لديهم الوقت للحديث على الآخرين والحكم عليهم، ومقارنة أنفسهم بهم بشكل سلبي، لكن من جهة أخرى، لديهم الوقت للإنصات لصوتهم الداخلي، واكتشاف امكانياتهم، ومهاراتهم والعمل على تطويرها.
ان التركيز على نفسك بتطويرها هو مفتاح النجاح في جميع مجالات الحياة، فمن خلاله تمتلك القدرة على توجيه انتباهك نحو هدف معين، ونحو تحقيق أحلامك وطموحاتك، والتخطيط لحياتك، وتجنب الالهاء بالمشتتات الخارجية والداخلية.

عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، لكل انسان الخيار والقدرة على اتخاذ القرارات، فكلماتي اختيار وأنت تملك الإرادة للعمل بها أو تجاهلها، فكل واحد مسؤول عن نتائج حياته في نهاية المطاف، لكن أعد النظر في اهتمامك بالآخرين أكثر من نفسك، والحديث عنهم بدلا من معرفة ذاتك، والكشف عن ما هو مخزن فيها من إمكانات عظيمة، فنفسك مثل البحر في الظاهر ساكن لكن بعمقه عوالم عظيمة، إذا لم تغص بداخله لن تستطيع أن ترها.
ان النفس ملكوت مذهل فابدأ رحلتك لاكتشافها
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.
تصفح صفحة الكاتب