الانتقال إلى منزل الأحلام… وحقيقة الكابوس الذي لم ينتهِ بعد : الجزء الأول
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخول
انا سارة وهذه قصتي انا وعائلتي معا المنزل المسكون كل الاحداث والوقائع التي سأسردها لكم حقيقية اكن معا تغيير اسماء الشخصيات والاماكن للحفاظ على الخصوصية هيا انبدأ :
في صباح يوم مشمس من أيام الربيع، استيقظنا على صوت العصافير تغني خارج نوافذ شقتنا الصغيرة. كنا نعيش في قلب الرباط، حيث الضجيج لا يهدأ والحياة لا تتوقف. لكن ذلك اليوم لم يكن كأي يوم عادي. كان يوم انتقالنا إلى منزلنا الجديد، في ضواحي مدينة الدار البيضاء.
منذ اللحظة التي قررنا فيها الانتقال، كنا نشعر بفرحة غامرة. لم يكن هذا مجرد انتقال، بل كان بداية حياة جديدة في مكان طالما حلمنا به. عندما وصلنا إلى المنزل لأول مرة، كان المشهد أشبه بلوحة فنية. المنزل يتوسط حديقة غناء، مليئة بالأشجار المثمرة والورود الملونة. من بعيد، كان البحر يلوح لنا بخط أزرق هادئ يلامس الأفق.
كان المنزل مثالياً بكل المقاييس. تصميمه يجمع بين الطابع المغربي التقليدي والعصرية، بسقف منقوش يدويًا وزخارف رخامية تضفي عليه جمالاً خاصًا. الغرف واسعة، تغمرها أشعة الشمس من النوافذ الكبيرة المطلة على الحديقة. المطبخ كان حلمًا لكل عاشق للطهي، بسطحه الرخامي الأبيض وتجهيزاته الحديثة. أما الفناء الخلفي، فكان مثاليًا للجلسات العائلية، مع ركن للشواء وطاولة خشبية تحت شجرة زيتون عتيقة.
مع كل خطوة كنا نتجول بها في المنزل، كانت الحماسة تزداد. الأطفال كانوا يركضون بين الغرف وهم يتخيلون كيف سيزينونها، وأنا وزوجي تبادلنا النظرات المليئة بالسعادة والامتنان.
في أول ليلة لنا في المنزل، اجتمعنا في الفناء تحت السماء المرصعة بالنجوم. جلسنا نتحدث ونضحك ونتناول الشاي المغربي بالنعناع. كانت لحظة مثالية، مثل المنزل نفسه. شعرنا وكأننا وجدنا أخيرًا المكان الذي ننتمي إليه، بعيدًا عن صخب المدينة وقريبًا من هدوء الطبيعة وجمالها.
منذ ذلك اليوم، أصبح منزلنا في ضواحي الدار البيضاء ليس مجرد مكان نعيش فيه، بل ملاذًا نعيد فيه شحن طاقتنا ونعيش أجمل لحظات حياتنا.
في البداية، بدت الأمور عادية. مرت الأيام الأولى ونحن نستكشف المكان ونرتب أغراضنا. الأطفال كانوا يضحكون ويلعبون في الحديقة، وكنا نقضي ليالي ممتعة تحت السماء المرصعة بالنجوم. لكن بعد أسبوعين تقريبًا، بدأت أشياء غير مألوفة تحدث.
في إحدى الليالي، استيقظت على صوت خافت يشبه الهمس قادمًا من الممر. ظننت في البداية أنني كنت أحلم، لكن الصوت كان حقيقيًا. نزلت من السرير بحذر، واتجهت نحو مصدر الصوت، لكنه توقف فجأة، تاركًا الصمت يغمر المكان.
في اليوم التالي، لاحظت أن بعض الأشياء في المنزل لم تكن في مكانها. الكتب التي رتبتها بعناية على الرفوف كانت متناثرة، والأبواب التي تركناها مغلقة كانت مفتوحة. زوجي حاول تهدئتي قائلاً إنه ربما الهواء هو السبب أو الأطفال كانوا يعبثون. لكن الأمر لم يكن كذلك.
تكرر الأمر مرة أخرى، لكن هذه المرة شعرت بشيء مختلف. في إحدى الليالي، بينما كنت أجلس في غرفة المعيشة، شعرت بتيار بارد يمر بجانبي، رغم أن جميع النوافذ كانت مغلقة. ثم سمعت صوت خطوات خفيفة قادمة من الطابق العلوي. عندما صعدت لأتفقد، لم أجد أحدًا.
بدأت هذه الأحداث تزداد يومًا بعد يوم. الأطفال أصبحوا يخافون النوم بمفردهم، وكانوا يقولون إنهم يرون “ظلالًا” تتحرك في الغرف. زوجي بدأ يلاحظ هو الآخر أصواتًا غريبة، مثل ضربات خفيفة على الجدران أو أصوات أقدام تتحرك في الممرات عندما نكون جميعًا في الطابق السفلي.
في إحدى الليالي، حدث الأمر الأكثر رعبًا. كنا جميعًا في غرفة المعيشة، وفجأة، انطفأت الأنوار دون سبب واضح. بينما كنا نحاول تشغيل المصابيح، رأينا باب الحديقة يُفتح ببطء، رغم أنه كان مقفلاً. وقفنا مجمدين في أماكننا، والهواء البارد يملأ الغرفة.
لم يعد هذا المنزل يبدو كمنزل الأحلام الذي حلمنا به. أصبحنا نعيش في حالة ترقب وقلق دائمين، نتساءل ما الذي يحدث، وهل كنا مخطئين في اختيارنا لهذا المكان؟
مرت الأيام، وبدأت الأمور تصبح أكثر غرابة. لكن ما حدث بعد ذلك كان أشبه بكابوس لم نستطع الهروب منه. كان رشيد، ابننا الأصغر، دائم الحركة والضحك، لكنه بدأ يتغير. في البداية، لاحظنا أنه أصبح أكثر انعزالاً. كان يجلس وحيدًا في زاوية غرفته، يتحدث همسًا وكأنه يخاطب شخصًا لا نراه.
“رشيد، من تتحدث إليه؟” سألته ذات يوم بلطف. التفت إلي ببراءة وقال:
“إنه صديقي الجديد. يقول إن اسمه عمر، وهو يعيش هنا منذ وقت طويل.”
أشعرني كلامه بالقشعريرة، لكنني حاولت أن أطمئن نفسي بأنه مجرد خيال طفل. إلا أن الأمور تصاعدت.
في إحدى الليالي، استيقظ رشيد صارخًا من غرفته. هرعنا إليه، ووجدناه جالسًا على سريره، عيونه مليئة بالدموع ووجهه شاحب. قال لنا وهو يرتجف:
“عمر غاضب مني… يقول إننا أخذنا منزله.”
حاولنا تهدئته، وأخبرناه أن كل شيء بخير، لكنه ظل يشير إلى زاوية الغرفة ويقول: “إنه هناك… ينظر إلي!”
مع مرور الأيام، أصبح رشيد يعاني من كوابيس متكررة، وفي بعض الأحيان كنا نسمع أصواته وهو يتحدث أثناء نومه بكلمات غير مفهومة. في إحدى الليالي، عندما اقتربت منه لأطمئن عليه، رأيت آثار خدوش صغيرة على ذراعه. عندما سألته عنها، قال بصوت خافت:
“عمر لا يريدني هنا.”
شعرنا بالعجز والخوف. حاول زوجي تفسير ما يحدث بطرق منطقية، قائلاً إن رشيد ربما يتوهم بسبب قصص الأشباح التي يسمعها من زملائه أو بسبب الانتقال إلى بيئة جديدة. لكنني شعرت أن الأمر أعمق من ذلك.
في الليلة التي لم أنسها أبدًا، حدث شيء غير متوقع. بينما كنا جميعًا نائمين، سمعنا صوت ضجيج قادم من غرفة رشيد. عندما ركضنا إلى هناك، وجدنا سريره قد انتقل إلى وسط الغرفة، ورشيد كان واقفًا بجواره، وعيناه مغمضتان تمامًا، لكنه كان يضحك بصوت مخيف لم أسمعه منه من قبل.
صرخ زوجي باسمه وهزّه بقوة حتى استيقظ. فتح رشيد عينيه ببطء ونظر إلينا باستغراب قائلاً:
“ماذا حدث؟ لماذا أنتم هنا؟”
لكننا كنا نعلم أن ما رأيناه لم يكن مجرد حلم.
بدأنا ندرك أن المنزل يخفي سرًا مظلمًا. رشيد كان مستهدفًا من شيء لم نفهمه، وكنا عاجزين عن معرفة كيف نواجهه. بدأنا نبحث في تاريخ المنزل، نحاول فهم ما يحدث، ولكن كلما تقدمنا خطوة، بدا وكأننا نقترب أكثر من الحقيقة المرعبة التي قد تغيّر حياتنا إلى الأبد.
بعد كل ما مررنا به، أدركنا أن علينا طلب المساعدة. لم يكن من السهل العيش في ظل الخوف الذي خيم على منزلنا، خاصة بعدما أصبح رشيد مستهدفًا بشكل متكرر. نصحنا أحد الجيران باللجوء إلى شيخ معروف بخبرته في التعامل مع الأمور الغريبة.
عندما وصل الشيخ، شعرنا ببعض الأمل. كان رجلاً وقورًا، يحمل ملامح الطمأنينة والثقة. بعد أن استمع إلى كل ما حدث، بدأ يتجول في المنزل، يقرأ آيات من القرآن بصوت عالٍ. في البداية، بدا وكأن كل شيء هادئ، لكن سرعان ما تغيرت الأجواء.
بدأت الأبواب تغلق وتفتح بقوة، وسمعنا صوت خطوات ثقيلة على الأرضية الخشبية. وقف الشيخ بثبات رغم ذلك، وأخذ يتلو آيات أقوى، ولكن بدا وكأن القوى الموجودة في المنزل تقاوم بشدة. قال لنا بعد ساعات من المحاولات:
“هذه ليست أرواحًا عادية. إنها قوى مرسلة وموجهة. هناك من يريد لكم الأذى.”
شعرنا بالرعب. لم نكن نتخيل أن ما يحدث كان مقصودًا. استمر الشيخ في العودة إلى منزلنا لعدة أيام، يحاول فك الطلاسم المحيطة به. في كل مرة كان يجد مقاومة شديدة، وكأن الكائنات التي تهاجمنا كانت مصممة على البقاء.
وفي إحدى الليالي، استطاع الشيخ أخيرًا كسر الحاجز الذي كان يمنع هذه الكائنات من التحدث. جلسنا جميعًا في صمت بينما بدأ يوجه لهم الأسئلة بصوت حازم:
“لماذا أنتم هنا؟ ومن أرسلكم؟”
في البداية، لم يكن هناك أي رد. لكن فجأة، شعرنا بتيار هواء بارد يملأ الغرفة، وسمعنا صوتًا غريبًا، كأنه يأتي من مكان بعيد، يقول:
“أُرسلنا لإفساد حياتهم وتفريق شملهم.”
ارتعدنا جميعًا. سأل الشيخ مرة أخرى: “من أرسلكم؟”
رد الصوت بعد تردد: “أُرسلنا من قِبل مشعوذ في منطقة سوس… بناءً على طلب امرأة تكرهها.”
حينها، وجه الشيخ سؤاله مباشرة: “من هي هذه المرأة؟”
وبعد صمت قصير، جاء الجواب الذي لم أكن أتوقعه: “أخت زوجها. تكرهها وتحسدها، تريد أن تفرق بينكم.”
شعرت بصدمة تعصف بقلبي. لم أكن أتصور يومًا أن أخت زوجي تحمل لي هذا الكم من الكراهية. كانت دائمًا تظهر المودة والاحترام أمام الجميع، لكن ما حدث كشف لي الوجه الحقيقي الذي كانت تخفيه.
قال الشيخ لنا إن الحقد والغيرة يمكن أن يدفعا البعض إلى أفعال لا يتصورها العقل، خاصة إذا لجأوا إلى السحر الأسود. لكنه أكد لنا أن هذا العمل يمكن إبطاله، لكنه يتطلب وقتًا وصبرًا.
بدأ الشيخ في أداء جلسات الرقية يوميًا. كان يقرأ آيات القرآن ويتلو الأدعية التي تبطل السحر. استمرت الجلسات لأسابيع، وخلال هذه الفترة، بدأت الظواهر الغريبة تخف تدريجيًا. أصبح رشيد ينام بهدوء، ولم تعد الأبواب تُغلق من تلقاء نفسها.
بعد فترة، أخبرنا الشيخ أن السحر قد فُك تمامًا، وأنه علينا أن نحافظ على قراءة القرآن والأذكار لحماية منزلنا. لكنني شعرت أن هناك شيئًا آخر عليّ مواجهته… أخت زوجي.
بعد أن هدأت الأوضاع، واجهت زوجي بما علمته. كان مصدومًا لكنه لم يشكك للحظة في كلام الشيخ. قرر أن يواجه شقيقته بالحقيقة. عندما ذهبنا إليها وأخبرناها بكل شيء، أنكرَت في البداية، لكنها عندما شعرت أن كل الأدلة ضدها، انهارت واعترفت. قالت إنها كانت تشعر بالغيرة لأن حياتنا كانت تبدو مثالية، بينما كانت حياتها مليئة بالمشاكل.
انتهت المواجهة بقرار قطع العلاقة معها نهائيًا. لم يكن الأمر سهلًا، لكنها كانت خطوة ضرورية لحماية أسرتنا.
اليوم، بعد كل ما حدث، عدنا إلى منزلنا الذي أصبح مكانًا هادئًا ومليئًا بالسكينة من جديد. لكن التجربة علمتنا أن الحقد يمكن أن يختبئ في أقرب الأشخاص إلينا، وأن الإيمان والثقة بالله هما حصننا الأقوى في مواجهة أي شر.
ظننا أن الكابوس قد انتهى بعد أن فك الشيخ السحر وأعاد لمنزلنا الهدوء الذي فقدناه. ولكن ما لم نكن نعلمه أن الثمن الذي دفعناه كان أكبر مما توقعنا.
بعد أيام قليلة من انتهاء جلسات الرقية، بدأت حالة رشيد تتدهور بشكل غير مفهوم. أصبح يعاني من نوبات خوف شديدة، وبدأ ينعزل أكثر فأكثر. كان يرفض تناول الطعام، ويبكي لساعات طويلة دون أن يشرح لنا ما يحدث. أخذناه إلى الأطباء، الذين أكدوا لنا أن صحته الجسدية جيدة، لكن حالته النفسية كانت تتدهور بفعل الصدمات المتتالية.
في إحدى الليالي، استيقظنا على صوته وهو يصرخ بشكل مرعب. عندما هرعنا إلى غرفته، وجدناه في زاوية السرير، يمسك رأسه ويردد كلمات غير مفهومة. حاولنا تهدئته، لكنه ظل يرتجف وكأن شيئًا ما يطارده.
في اليوم التالي، ازدادت حالته سوءًا. بدا وكأنه لا يرانا، وكأن روحه كانت في مكان آخر. نقلناه إلى المستشفى على الفور، لكن الأطباء قالوا إن حالته تدهورت بسرعة كبيرة نتيجة الصدمات النفسية التي تعرض لها، ولم يستطيعوا فعل شيء لإنقاذه.
وفي تلك الليلة، فقدنا رشيد. غادرنا وهو في عمر الزهور، تاركًا وراءه فراغًا لا يمكن لأي شيء أن يملأه.
القرار بالرحيل
كانت وفاته بمثابة الضربة القاضية لنا. لم يعد بإمكاننا البقاء في ذلك المنزل، الذي تحول من منزل أحلامنا إلى مكان يحمل ذكرى فقدان أغلى ما لدينا. جمعنا أمتعتنا ورحلنا إلى منزل آخر، في مدينة بعيدة، حيث حاولنا أن نبدأ من جديد.
لكن حتى بعد الانتقال، لم نستطع الهروب من الذكريات. كل ركن في المنزل الجديد كان يعيدنا إلى رشيد، إلى ضحكاته التي كانت تملأ البيت، وإلى صرخاته التي أنهت كل شيء.
مواجهة الحقيقة
بدأت أبحث عن أجوبة لما حدث. ذهبت إلى الشيخ مرة أخرى، وسألته إن كان السحر قد انتهى حقًا، وإن كان من الممكن أن تكون هناك آثار أخرى لم نتخلص منها. قال لي إن السحر قد يكون فُك بالفعل، لكن الأثر النفسي الذي تركه علينا وعلى رشيد كان أعمق مما يمكن أن نتصور.
ثم أضاف بشيء من الحذر:
“أحيانًا، عندما يترك السحر أثرًا طويلًا، قد تكون هناك قوى أخرى، ليست من البشر، تتغذى على الألم والحزن. رحيلكم عن ذلك المنزل كان خطوة جيدة، لكن عليكم أن تبقوا قريبين من الله، وأن تحافظوا على إيمانكم.”
بداية جديدة، ولكن…
حاولنا أن نبدأ من جديد، أن نعيد بناء حياتنا بعيدًا عن الألم والخوف. لكن الجرح الذي تركته هذه التجربة في قلوبنا لن يلتئم بسهولة.
في كل ليلة، عندما أغمض عيني، أسمع ضحكات رشيد وأشعر بوجوده حولي. أحيانًا، أستيقظ وأنا أشعر بلمسة صغيرة على كتفي، وكأن روحه لم تغادرنا بعد.
لا أعرف إذا كنا سنتمكن يومًا من تجاوز ما حدث، لكن ما أعرفه هو أننا تعلمنا درسًا قاسيًا عن الحقد والغيرة، وعن قوة الإيمان. ورغم كل شيء، سأظل أحكي قصة رشيد، لعلها تكون درسًا للآخرين، ولكي تبقى ذكراه حية في قلوبنا.
يتبع…