الامتنان: الجوهرة المنسية في زمن السرعة والانشغالات
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخوللقد سمعت ذات يوم مثل فارسي يقول: " كنت أبكي لأنني لا أملك حذاء، حتى قابلت رجلا ليس لديه قدمان"، التأمل في هذا المثل يدفع بالشخص إلى النظر للطريقة التي يتعامل بها مع النعم، والتي وهبت له كعطايا دون أن يطلبها، بدلا من أن يكون نظره كله منصبا على تركيزه فيما ينقصه ويملكه الآخرون، وهنا سأقف وقفة تساؤل حول: ماهي درجة امتنانك وتقديرك لما تملك، إلى جانب مدى رضاك وصبرك على ما لا تملك؟

سبحان من بدأ فاتحة الكتاب بآية الحمد، فقال " الحمد لله رب العالمين" فليست هناك طمأنينة ولا رضا في غياب الحمد، فكل شيء قد صمم للخلق، وبني الكون بدقة عجيبة، وسخر ما في الأرض، ليعيش الإنسان ويتمتع بخيرات الوجود، أولا يستحق بذلك الخالق وقفة يومية للشكر والتسبيح لعظمة خلقه سبحانه.
كم من شخص، بل مئات، بل ملايين من الأشخاص يتمنون شيئا مما تملك، ربما لا يصرحون بذلك، ويخفونه في أنفسهم لكنهم يتمنون بينهم وبين أنفسهم امتلاك هذا الشيء، فعليك أن تكون متيقظا لما أنعم الله عليك، فأبسط الأشياء التي تراها عادية هي في نظر شخص لا يملكها تعتبر بمثابة حلمه وأمنيته، لكن الإنسان لا يدرك قيمة الشيء إلا عندما يفقده، وعندما يفقده يختصر كل حياته في محاولة استرجاع ما فقده، فلا تنتظر من الأشياء أن ترحل لتدرك قيمتها، أدرك قيمة الأشياء وكن شاكرا ممتنا للواهب، فتصور معي شخصا يعطيك هدية في كل مرة، ثم لا تقابله بالشكر، هل تعتقد أنه سيفكر في أن يعطيك هدية أخرى في المرة القادمة؟ ولله المثل الأعلى، ومن جانب آخر فلقد عرفت الكثير من الناس، ممن يمتلكون أفضل الأشياء، ويطبخون ألذ الأطباق، ويشترون كل ما يرغبون، إلى جانب أنهم يتفاخرون بما يملكون، ويتكبرون على من لا يملك شيئا مما يملكون، لكن ما وقع أنه بين ليلة وضحاها، رجعوا لنقطة الصفر، ولم يعودوا يستطيعون العيش كما كانوا من قبل، فكرهوا أنفسهم، واختاروا العزلة بمنازلهم، فلم يعودوا يمتلكون ما كانوا يتفاخرون به أمام الناس، والعجب أنهم نسوا شكر ما كان عندهم، يأكلون بدون بسملة، وينتهون من الأكل بدون حمد، إلى أين تريدون الوصول والشكر والامتنان غاب عن حياتكم، ألا تعلمون أن الزيادة مع الشكر" لإن شكرتم لأزيدنكم"، فكل نعمة نمتلكها مهددة بالزوال مالم نشكر الله عليها، ونعطي منها، ونتواضع في امتلاكها.
ما المقصود بالامتنان؟
الامتنان هو حالة إيجابية من المشاعر التي تغذي الشيء الذي تملكه وتزيده في حياتك، وهو استحضار النعم من حولك وإرسال مشاعر حب وتقدير لها.
ولقد صنف الامتنان بأنه قوة التغيير التي من المفروض البدء بها، للوصول لتغييرات إيجابية في الحياة، ولفتح الأبواب المغلقة، فالذي لا يدرك قيمة ما يملك، ستتوقف خيرات الحياة عنه، وستفتح في الوقت الذي يعقد فيه نية إيجابية حقيقية بالامتنان، والاعتراف بالتقصير الذي كان منه بصدق ووضوح.
يمكن قياس أهمية الامتنان في اللحظة، فاختر أن تشكر الله على نعمة أنك تستطيع قراءة هذه الكلمات بسلاسة، في الوقت الذي يتمنى فيه شخص أن يتعلم الحروف فلم يجد الفرصة، جرب الآن وقس داخليا شعورك، وأنت تردد " الحمد لله" من قلبك، " سبحان من أوجدني".

إن مشكلة عدم تقدير النعم يأتي من أن الإنسان إذا اعتاد على شيء، أصبح عاديا، كأن وجوده لابد منه، فتلهيه انشغالات الحياة، فينسى أن عليه واجب شكر النعم وتقديرها، وعندما يفقدها يدخل في حالة اندهاش، وتتوقف عجلة تفكيره ليدرك أنه كان يملك الكثير، فغاب عن بصره إدراك لذة امتلاك الشيء وتقديره أهميته.
ما هي التأثيرات الإيجابية للامتنان؟
من جميل ما كتب في أدب العافية والشكر على النعم، مقالا للأديب البشري عندما مرض، فقال " مالكم يا أهل العافية لا تطربون ولا تمرحون ولا تطولون الجبال الشامخة من تتايه ومراح؟ إنه ليخيل إلى أنكم تجاهدون في كظم أفراحكم أشد الجهاد، فلو خلعتم علي شيئا مما تجدون من العافية، إذن لرأيتم أنه لا يتسع لمراحي كل ما بين الأرض والسماء"، الصحة وحدها فيها كل عرض غنى، ما عزبت عن الإنسان نعمة من نعم الدنيا إلا اقتصر حسه على ألم فقدانها والحرمان منها، وسنحدد تأثيرات الامتنان على المستوى النفسي، والاجتماعي كما يلي:
1-زيادة الشعور بالسعادة والرضا
2-التخلص من التوتر والقلق
3-تحسين تقدير الذات
4-تحسين العلاقات الاجتماعية
5-زيادة الشعور بالتعاطف والتفهم
6-تحسين الصحة النفسية
7-امتلاك منظور إيجابي اتجاه الحياة
ما هي بعض تمارين المساعدة على الامتنان؟
1-تدوين الامتنان: حاول أن تكتب ثلاثة أشياء أنت ممتن لها كل يوم مثلا:
-أنا ممتن لله لأني بصحة وعافية
-أنا ممتنة لوجود عائلتي بجانبي
-أنا ممتن على منزلي الذي يأويني
-أنا ممتن لبقائي حيا في هذه اللحظة
2-التعبير عن الشكر: حاول أن تعبر عن شكرك لشخص أنت ممتن لوجوده بجانبك، هكذا تتدرب على جعل الشكر ثقافة وأسلوب بحياتك.
3-الامتنان للصغيرات: حاول أن تكون ممتن لأصغر الأشياء كي تكسب حس الإحساس بصغائر النعم.
4-الامتنان للتحديات: عليك أن تمتن للتحديات، فهي فرصة للنمو، وهي جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فلو عشت في مكان لا توجد فيه التحديات لمللت منه، لأن العقل آلة تحدي بطبعه، ويستمتع في وجود التحديات.

عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، إن الامتنان للأشياء مهما صغرت يجلب البهجة إلى قلوبنا، ويجعلنا نحب الناس والحياة، وإذا رضينا عن كل شيء في حياتنا، فإن الله سيمنحنا جوهرة الامتنان، وهي الحالة التي يبحث عنها الإنسان في الخارج ليكون سعيدا، وهي حالة السكون والسلام الصافي الذي يغمر القلب بالرضا فيفيض على محيانا بالجلال والنور، وكلما زاد الشعور بالامتنان زاد الخير الذي ستحصل عليه، والخير هنا ليس المقصود به الأشياء المادية فقط، بل يشمل كل شيء من الأشخاص والأماكن والتجارب الجميلة والظروف السعيدة الجيدة والفرص المتميزة.
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.
تصفح صفحة الكاتب