الاستمتاع بالحياة: في ظل تحديات الزمان وظروف العيش

آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

أبي شخص ملتزم بعمله، ويصرف الكثير من وقته للعمل، لدرجة أن يوم الأحد أيضا هو يوم العمل، وبحكم طبيعة عمله، كبائع خضار فإنه من الضروري (حسب قوله) أن يأتي بالبضاعة في كل أسبوع، لأن الخضار من المستهلكات اليومية والضرورية عند الناس في الأماكن الجبلية التي يذهب إليها، وكنتيجة لذلك فإنه لا يمتلك وقتا يصرفه في السفر، والتجوال، والذهاب للبحر، وزيارة أماكن جديدة…

وهنا بادر لذهني سؤال أين أنت يا أبي من الاستمتاع بالحياة؟ هل ستسخر حياتك كلها للعمل؟ أولا تستحق روحك أن تمتعها بخيرات الكون، وبجمال ما خلق الله؟ هل من العدل أن تختصر الحياة وعمرك كله في العمل فقط؟

أكتب هذه الكلمات وأنا أشعر بمشاعر الابنة اتجاه أبيها، وأتأسف على روح ولدت ومضت حياتها كلها، وهي تعمل دون أن تكون لها نصيب من لحظات تشم فيها نسيم الحياة، ورحيق اللحظات الدافئة، وفي الوقت الذي تشرق الشمس بضوءها الساطع، وتضيء الدروب في الصباح الباكر، وتتسارع الأمواج في البحار، وتتساقط الأمطار، وتسمع تغاريد العصافير، و في لحظات الدفء العائلي، وحديث الأحباب، وحنان أم، وابتسامة ابن، وأنس ابنة، تجد روحا قد سخرت حياتها لأجل عمل روتيني، له دوره المهم، لكن بتجاهل الحياة وجوانب جمالها، فإن الأمر هنا أشبه بجريمة تقترف في حق الروح.

فلتمشي لتبصر جمال الشمس وهي تشرق بكل قوةفلتمشي لتبصر جمال الشمس وهي تشرق بكل قوة

إن مصطلح الاستمتاع بالحياة يوجد له اسم في لغتنا فيقول الشخص " فجيج هلي" ومعناها بالعربية، استمتع فقط، لكن ورغم وجود وتكرار هذا التعبير، إلا أنني لا أرى معالم الاستمتاع بالحياة في منطقتنا، فإذا خرجت في الصباح فستلتقي بأشخاص أثقلتهم الحياة، وغابت ملامح السعادة في وجوههم، وهم يمشون بثقل، وإذا كنت حساسا للطاقة، فستصلك طاقتهم المنخفضة، لكن في المقابل هناك أشخاص مفعمون بالطاقة، ويتمتعون بحس المرح لكن كالعادة هم قليلون جدا.

لقد عشت ذات يوم تحديات صعبة، وفي نفس السياق، التقيت بعبارة في إحدى المقالات التي قرأتها تقول " إن هدف الحياة المنشود هو الاستمتاع بالحياة " فابتسمت بسخرية، وقلت كيف يمكن الحديث عن استمتاع في حياة توجد فيها صعوبات وتحديات، لكن اكتشفت مع الوقت أن كل ما هو موجود وتراه غير عادل هو من صنع الإنسان، وأن خالق الحياة أوجد الكون وصممه لكي يخدم مصلحة الكائنات الأرضية بمختلف أشكالها، فانظر للصعوبات التي تعيشها، ما السبب من ورائها، وما مصدرها، وهذا موضوع آخر، لكن ما ينبغي عليك معرفته، هو إياك أن ترى الحياة من خلال خطط الناس والأنظمة التي أوجدوها، فهم سبب الحروب ، وهم من يتولى حكم توزيع الثروات، وهم من يصنعون الأنظمة لتخدم مصالح فئة دون فئة أخرى، هم من صمموا بلدانهم لتصبح بهذا الشكل، هم من وضعوا الحدود في الخرائط والتراب... انظر للحياة من زاوية مستقلة لتراها بعمق.

بناءا على عبارة " أن هدف الحياة المنشود هو الاستمتاع " دعونا نسلط الضور على الكون وما فيه من موارد لعلنا نجد ما يبرر مصطلح الاستمتاع في الحياة الأرضية، ما الحكمة في نظرك في وجود الأزهار، الريحان، والورود، والياسمين، والحبق، والأوركيد، والزهرة القمرية، والزهرة الشمسية...، ما الحكمة من وجود البحر والأسماك، والنباتات البحرية، والثدييات البحرية أمثال الحيتان، والدلافين، والفقمات، والتي تجعلك في كل لحظة تردد سبحان الله،

ما الحكمة من وجود جبال إفرست، وجبال الأبلاش، وجبال التبت، وجبال الروكي، وما معنى وجود الذهب، والنحاس، والزنك، والحديد، والفضة، وما معنى وجود الأحجار الكريمة النفيسة، كالألماس، والزمرد، واللؤلؤ، والياقوت الأزرق، والياقوت الأحمر، والعقيق، والكريستال، والأميثيست البنفسجي، والعين النجمية…

الأماثيستالأماثيست

لا أعرف إن كانت الإجابة واضحة أم أضيف المزيد، ما الحكمة من وجود النجوم والكواكب، والشمس، والقمر، والمجرات، والمجموعة الشمسية، والشلالات، والسباحة في البحيرات، والضحك، والابتسامة، وجمال الخلق، والتناسق بين أجزاء الوجه والجسد.

ما الحكمة من استمتاع الطفل باللحظة الحالية، وشعوره بالفرح والسرور بسهولة، واللعب والاستكشاف بلا حدود، والتعبير عن مشاعرهم بحرية، والقدرة على النسيان السريع لتوترات، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين، والشعور بالفضول والقدرة على التعلم بسرعة…

هل في نظرك وجد كل هذا كي يعاني الإنسان، كي يدخل الإنسان ويختصر نفسه في عمل روتيني، كي يختصر الإنسان وجوده في إعادة السيناريوهات القديمة التي عاش بها الأجداد، بالله عليك مع وجود هذا الكم الهائل من الخيرات والثروات بالكون، هل وجد الإنسان ليعاني؟

هل الصورة اتضحت لك، فالذي يمنعك من استمتاعك بالحياة هو بعدك عن الرؤية والتبصر بوعي وحكمة، ومعرفة حقيقة الكون وقيمتك الوجودية فيه، دعني أسألك من الذي جعلك تنسى كل هذا، ما هو مصدر أفكارك، من أين اشتريتها، ومن البائع، وهل هناك من يستفيد من جهلك، وسرقة عقلك وانتباهك، أنت مهم لدرجة أن تركيزك وطاقتك تتغذى عليها بعض الكائنات الأرضية…

غروب الشمس في الشتاءغروب الشمس في الشتاء

بعض النصائح للاستمتاع بالوقت:

-الوعي بأهمية الاستمتاع: كن واعيا بضرورة إعطاء لروحك الفرصة لتحيا من جديد.

-تخصيص الوقت للترفيه: من خلال تخصيص وقت للترفيه، والاستمتاع بالأنشطة المفضلة.

-قضاء الوقت مع الطبيعة: لتحسين المزاج والشعور بالطمأنينة الداخلية.

-النشاطات الخارجية: من خلال المشاركة في النشاطات الخارجية مثل الرياضة والهوايات لتحسين الصحة والاستمتاع بالوقت

-العلاقات الاجتماعية: بناء علاقات قوية مع العائلة والأصدقاء، فذلك يساعد على الشعور بالانتماء والاستمتاع بالوقت.

التأمل والاسترخاء: لتقليل التوتر والقلق والعيش مع النفس الداخلية بعمق وهدوء.

-التفكير الإيجابي: من خلال التدريب على النظر للحياة نظرة حقيقية وعادلة.

وأنت لديك طريقتك في الاستمتاع بوقتك، وتعرف كيف تكون مبتهجا، فلا تحرم على روحك عيش هذه اللحظات فهي الحياة بذاتها.

إن هدف الحياة هو أن تجعلك تستمتع، فلا تقول سأستمتع عندما أحقق كذا وكذا، لكن كن مستمتعا أولا ليأتيك ما ترغب في أبهى حلة، فلا تجعل لحظاتك تمضي حتى تحقق شيئا، فلا ربما لن يصل ذلك الوقت، وربما لن يكون ما حققته هو ما تحب حقا، لذلك استمتع فوجودك يكفي، فأنت ضيف الكون، وهو مستعد لاحتضانك.

KELTOUM AGOURRAME

KELTOUM AGOURRAME

كاتبة

كلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ