الإنصات الفعال: القوة الخفية لتحقيق التفاهم والتعاطف مع الآخر
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخوللقد قمت بجلسة إنصات لأحد التلاميذ ذات يوم، وكان من المتعثرين دراسيا، فلما انتهيت من الجلسة الأولى معه، قال لي : " إن إنصاتك يا أستاذة لهو شيء رائع بالنسبة لي، و أنا سعيد لذلك" ، كنت مندهشة من الطريقة التي تحدث بها، ففيها ثقة ورضا كبيرين، رغم أنه تلميذ خجول ولا يتحدث إلا قليلا، فلما رأيت فيه هذه الثقة والرضا أدركت أنني استطعت أن أجعله يحس ولو نسبيا بقيمته، وأدركت حينها أهمية الإنصات الفعال ودوره، وهنا سنفتح باب التساؤل عن أهمية الإنصات ودوره، والقيمة التي يضيفها للمنصت إليه، و سنذكر أهم شروط الإنصات الفعال التي تخص الزمان والمكان؟

ما المقصود بعملية الإنصات؟
ربما يتبادر لذهننا أن الإنصات عملية بسيطة وسهلة، فكل شخص لديه القدرة على السمع فهو منصت، لكن هل فعلا يكفي أن تملك القدرة على السمع لتسمى منصتا؟
إن الإنصات عملية تركز أساسا على الاستماع دون التفكير في الإجابة في نفس الوقت، وأغلب الناس عندما ينصتون لشخص ما، فهم في نفس الوقت يفكرون فيما سيقولونه، وهنا الفرق بين المستمع البسيط والمنصت الفعال، إلى جانب ذلك فإن الناس يحبون أن ينصت إليهم، لكن يجدون أشخاصا مثلهم تماما يحبون من ينصت إليهم، فمثلا عندما تبدأ في الحديث عن أمور تتعلق بك، يقفز الشخص الآخر ليتحدث عن أموره أيضا، كأنه يقول من حقك أن تنصت إلي أيضا، وهنا لا يحقق الإنصات هدفه الأكبر وهو الإنصات من أجل الإنصات لا من أجل المقارنات و مقابلة كلام بكلام آخر.
والمنصت الفعال يركز على الإنصات كعملية في حد ذاتها، وليس لكي يتحدث عن نفسه، فهو يعطي كل الفرصة للطرف المنصت إليه لينصت إليه دون انقطاع ولا تشويش، وإن انعدام أو قلة الإنصات من المصادر الرئيسية لعدم التفاهم وللنزاعات بين مختلف فاعلي المجتمع، ويكون بذلك الإنصات الفعال تقنية عملية تسعى إلى تحسين جودة الاستماع وتمكن المتحدث من الإحساس بقيمته وبأنه تم فهمه.
ما هي شروط الإنصات الفعال؟
كيفما كانت قدرات المنصت ففعالية عمله تبقى رهينة بشروط تخص الزمن والمكان، وسنعرض أهمها فيما يأتي:

-الفضاءESPACE
يمكن إجراء عملية الإنصات في فضاءات مختلفة، وقد يكون الفضاء المناسب بناءا على رغبة المنصت إليه، ويفضل أن يكون واسع وفيه أشياء تريح النفس والعين، وليس مكان فيه صور وألوان مختلفة وإشارات متعددة، تشتت المنصت إليه وينصب تركيزه في اكتشاف المكان، بدلا من التركيز في عالمه الداخلي ويعبر عن آلامه وجروحاته.
إلى جانب أن يكون المنصت إليه جالسا بشكل مريح، ولا تقل المسافة الفاصلة بين المنصت والمنصت إليه 0.80م وأن لا تتجاوز1.50م حتى لا يحس أحد الطرفين بالضيق من الآخر، ولا ننسى أن مسألة القرب والمسافة الفاصلة بين شخصين تختلف باختلاف الثقافات.
-الوقتLE temps
من البديهي، أن الوقت المناسب للمنصت إليه ليس ذلك الوقت الذي يكون فيه متعبا، وليس كذلك الذي يلي مباشرة الحدث، وتبقى المدة متغيرة، ويتعين اجتناب إرهاق الطرف، وعلينا ألا نتسرع وننهي عملية الإنصات حينما نكون قريبين من البوح بعناصر مهمة، وتجدر الإشارة أن عملية الإنصات ترتكز بشكل كبير على الإحساس والحدس.
-وضعيات الجسدLes attitudes corporelles
تعتبر وضعية الجسم المنصت إليه جد حاسمة في عملية جودة الإنصات، فهي تسهل أو تعرقل التواصل.
يحافظ المنصت على وضعية يكون فيها الوجه والجسد منفتحين (وجه بشوش غير عنيف/صارم، يدان غير متشابكتين الخ).
قيام المستمع بانحناء خفيف إلى الوراء يشعر المستمع إليه بأنه غير مقتحم ويمكنه أن يفرغ همومه، وفي حالة الإحساس بانقطاع التواصل معه يمكن الانحناء إلى الأمام والتقرب منه، يجب أن تكون طبيعيا خلال عملية الإنصات مع الوعي بما يمكن أن ينتج عن وضعيات الجسد من زرع للثقة أو عدمه.
-تعابير وحركات الوجه Les expressions et positions
du visage
تكون لتعابير الوجه دلالات مشجعة أو محبطة للمنصت إليه، ومن الأنسب معرفة الوجه الذي نلقى به الآخرين، بمعنى هل ينظر إلينا كأشخاص صارمين أو عبوسين أو بشوشين أو متشنجين أو ودودين؟
في هذه النقطة علينا ألا ننظر بعيون المحقق للمنصت إليه، بل النظر كل مرة بشكل عادي وصرف النظر أحيانا مع طأطأة الرأس كدلالة على أننا نركز معه وإن لم ننظر إليه.
-الأحكام القبلية والآراء المسبقةLes à- priori et préjugés
تؤثر الأحكام القبلية والآراء المسبقة على مواقفنا اتجاه الآخرين، فمثلا التعاطف الذي يبديه المنصت اتجاه المنصت إليه، أو المشاعر المعبر عنها إزاء تلميذ تربطك به علاقة او تعامل سابق، أو الهيأة التي يبدو عليها التلميذ (هندامه، مواقفه…) تؤثر إيجابا أو سلبا على جودة الإنصات.
-تفهم الآخر/التعاطفL’empathie
يتطلب القدرة على استيعاب أحاسيس وانفعالات الآخر دون أن تؤثر على حيادك، فهو إذن استقبال المنصت إليه بانفعالاته وأحاسيسه وطلباته كيفما كانت وتفهمه دون الحكم عليه أو اتهامه كما لا يجب نصحه إلا إذا طلب ذلك، ونحن في الاستشارات نرشد ولا ننصح.
" التلميذ الذي يعيش تجارب يطبعها التفهم يصير اجتماعيا ولا يطور سلوكيات عدوانية" Dr Guéguen
ومن الناحية الرمزية فتفهم الآخر شبيه باحتضان الأم لطفلها المهموم، ويجب أن نبقى في حدود رمزية هذا الفعل مع التأكيد على ضرورة احترام مبدأ إيصال الآخر إلى التحكم في أمره بنفسه، وهذا شبيه بالمبدأ الذي يطبق لولوج المدرسة للمرة الأولى: إذا سارت المدرسة تأخذ في حضنها الطفل كل يوم، لن يعتاد ولوج المدرسة باستقلالية.

" لا يمكن الوصول لإنصات احترافي إلا إذا كنا في حالة تفهم للآخر"
عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة ،أن أنصت يعني أن أكون منفتحا على جميع المواضيع، والآراء بدون تأويل أو إصدار أحكام، لذا يجب إعطاء الوقت الكافي للمتحدث وتركه في فضاء لائق لكي يجد الجواب بنفسه.
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.
تصفح صفحة الكاتب