أن تقرأ اللفياثان في السياق العربي: وجهة نظر

ندى ملكاني
دكتوراة في العلوم السياسية
آخر تحديث:
وقت القراءة: دقائق
لا توجد تعليقات

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق

تسجيل الدخول

أن تقرأ اللفياثان في السياق العربي: وجهة نظر

"أنا والخوف توأمان"، كانت هذه العبارة والمشاعر التي صاحبت قائلها توماس هوبز السبب الرئيس لكتابة "اللفياثان" في العام 1651.عاصر هوبز في بلده بريطانيا الثورات والحروب في القرن السابع عشر.

يرى العالم الفرنسي غاستون بوتول في كتابه هذه هي الحرب أن ما أخر ظهور علم اجتماعي للحرب يبغي دراستها دراسة علمية هو أن الحرب عادة نفسية ألفناها، كما يرى أن الحرب هي التي أنجبت التاريخ. لكن يمكن القول وبناء على فلسفة هوبز في الحرب أن النزوع إلى السلم وتأسيس عقد اجتماعي جديد هو أيضا نزوع متأصل لدى البشر وظاهرة فطرية لحفظ الحياة من الموت.

يعد هوبز أبرز فلاسفة نظرية العقد الاجتماعي التي ولدت لإجهاض الحق الإلهي للملوك في السلطة وإيجاد تفسير مدني. إن الخوف من شبح الموت هو الذي سيطر على فكر هوبز وتحليله لطبيعة السلطة وعلاقتها بالأفراد، فكانت الدولة التنين التي مهما استبدت فهي أفضل إذا ما قورنت بحالة الفوضى في ظل غيابها.

كيف نفسر اللوفياثان في المجتمعات العربية؟ وهل نحن بحاجة إلى عقد اجتماعي يعيد ترتيب العلاقة بين السلطة والمجتمع؟ هل العقد الاجتماعي ستكون ولادته لإجهاض الحق المطلق في التفرد بالسلطة أم نحن بحاجة إلى لوفياثان جديد أقل تفردا بالسلطة بديل لحالة الفوضى مع التمكين المتبادل بين المجتمع والدولة ؟

بداية تجدر الإشارة أن اللوفياثان في فكر هوبز هو مرادف للسلطة، للدولة، للمجتمع المدني، المجتمع السياسي في مواجهة مجتمع الطبيعة حيث حرب الجميع ضد الجميع. لا نجد فصلا بين مفهوم السلطة ومفهوم الدولة، بين مفهوم المجتمع ومفهوم الدولة. كل ما حلله توماس هوبز كان يندرج في إطار عالمين: عالم الحرب حيث الفوضى وعالم المدنية حيث توجد سلطة معززة بقوة الحاكم.

نشأت الدولة (السلطة، المجتمع السياسي، المجتمع المدني) بالفكر الهوبزي نتيجة رغبة مبنية على المصلحة الخاصة مدفوعة بغريزة البقاء ما دفع الأفراد إلى إيجاد صيغة ما يتخلصون بموجبها من حالة الطبيعة وينتقلون إلى المجتمع المنظم سياسيا أي الدولة. وكان ذلك بخيارهم دون إكراه أو إجبار أي أن العقد لم يكن مفروضا من أحد. فبالإضافة إلى دافع غريزي هناك موجه عقلاني فالعقل السليم دفع أيضا الأفراد للتفكير بوسيلة يتعاونون فيها لإنتاج رجل مصطنع يحكمهم. ولذلك اتفقوا فيما بينهم على التنازل عن كل حقوقهم وكل حرياتهم الممارسة بشكل فوضوي مما خلق حياة لا قيم فيها ولا تمييز بين الظلم والعدل، اتفقوا على التنازل عنها جميعا لصالح السلطان السيد الذي يصبح أمره هو القانون المدني.

في التحليل يمكن أن نستنبط من رؤية هوبز أمرين أساسيين :

أول: القول إنه كما أن الحرب ظاهرة متأصلة في طبيعة المجتمعات بل هي حقيقة عبر كل العصور، فإن الأمل بالسلم هو متأصل أيضا. وإلا ما لذي دفع هؤلاء الأفراد إلى التضحية بكل حقوقهم للتخلص من الفوضى؟ إنهم تخلوا عن تلك الحقوق ليتخلصوا من حياتهم في مجتمع الطبيعة وليصلوا إلى حالة السلم.

ثانيا: العقد الاجتماعي هو عقد اختياري ليس مفروضا من خارج المجتمع: بل إن تنصيب الحاكم الفرد أو الرجل المصطنع كان بإرادة الفرد وليس شيئا فوقيا خارج عن رغبتهم.

كيف نقرأ اللفياثان في السياق العربي؟

يرى آدم فيرغسون أن نشأة المجتمع المدني في أوروبا كانت نشأة تلقائية أي انسيابية تاريخيا تعكس درجة ذاتية من التطور الداخلي، في حين نجد أن حركة المجتمع المدني (وهنا أستخدمه للإشارة إلى دولة نفي مجتمع الطبيعة والحرب) في الوطن العربي كان وفق ظروف اضطرارية مصطنعة منذ ما يزيد على مئة سنة، كانت الأمة العربية فيها تحت الاحتلال المباشر من القوى الاستعمارية. فالدساتير التي تعكس رغبة المستعمر على مجتمعات تم احتلالها لا تمثل إرادة الشعب أو مجموعة الأفراد الذين كانوا في حالة المجتمع الطبيعي.

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي انتشرت موجة تحول ديمقراطي ظن بموجبها أن الوطن العربي نأى عنها، فاتخذت الحكومات العربية خطوات لتساير الموجة العالمية. لجأت الأنظمة السياسية حينها إلى اللبرلة الاقتصادية مع خطوات إصلاحية سياسية خجولة، فولد ذلك نظما هجينة لم تعر الحريات السياسية مكانا يذكر. حيث نمت طبقات اقتصادية طفيلية ابتلعت أو قلصت الطبقات الوسطى لقد أسفرت السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الدولة القطرية العربية خلال تسعينيات القرن العشرين إلى زيادة عدد الفقراء، ومما زاد من حدة تأثير الإصلاحات الهيكلية مع انسحاب الدولة من توفير الخدمات الأساسية هو أنها لم تترافق مع تحقيق العدالة الاجتماعية، ما يعني أن مستوى النمو الاقتصادي لم يترافق بزيادته مع العدالة في توزيع الدخل، ما يشير إلى أن الهوة بين الفقراء والأغنياء في اتساع، وأن الفئات التي تقع في المنتصف لم ترفع حصتها من الثروات في بلادها، حيث أدت الإصلاحات إلى وجود أنظمة اقتصادية "مرقعة"، فلا هي أسواق حرة ولا هي تحت سيطرة الدولة. ما يعني عدم إيلاء العدالة الاجتماعية أي اهتمام يذكر.

عن الاستقرار، المعضلة الخطيرة التي تواجه المجتمع العربي. لقد تفجر العنف المسلح الذي يجب أن يكون وفقا للفهم الفيبري حكرا على الدولة، ولم توجد دولة تتمتع بالمسؤولية الشرعية وغرقت المجتمعات العربية في الفوضى . والسبب الأساسي لذلك يرجع إلى البنية الاجتماعية للمجتمعات العربية وهي بنية تقليدية قوامها الانتماءات الأولية والجماعات العصبوية. في أوروبا ومنذ القرن الثامن عشر كان هناك تجاوز للبنى التقليدية لصالح الولاء للدولة، فأصبح هناك دولة قوية ومجتمع مدني قوي. لكن التطور التاريخي للدولة العربية لم ينتج بيئة مناسبة لنشوء مجتمع مدني قوي.

فضلا عن ذلك، لا يمكن أن ننسى الصراع العربي الصهيوني، والبيئة الأمنية غير المستقرة التي تعيشها البلدان العربية ما يعني تأجيل مستمر لقضية الديمقراطية.

الأمن والاستقرار، العدالة الاجتماعية، الحرية، وإيجاد توليفة بين معضلة الأمن والاستقرار ومعضلة الديمقراطية هي من متطلبات العقد الاجتماعي الجديد التي تحتاجه الدولة العربية للخروج من المأزق.

يجب البحث في الخصوصية العربية لتقصي ملامح وأطراف العقد الاجتماعي الجديد وليس اعتباره نظرية معطاة. إن العقد الاجتماعي الجديد ينبثق من نزعة الأفراد الغريزية للشعور بالأمن والاستقرار واعتبار الحرب عادة نفسية أمر خطير، فالحرب وإن كانت قد أنتجت تاريخ الشعوب حسب غاستون بوتول وبغض النظر عن الآراء العديدة لتحليل هذه الظاهرة النفسية الاجتماعية، يبقى العقل السليم مع الرغبة الغريزية بالبقاء حافزا لتوقيع هذا العقد بالمعنى الهوبزي.

وبتحليل الواقع العربي، نجد أن تاريخ الدول العربية هو تاريخ القادة الملهمين، لذلك ليس من السهولة بمكان نسف دور القائد الفرد بل إعادة تنظيم دوره في العقد بحيث يفسح مجالا لتجنيد قادة رأي ومفكرين، وهذه المهمة ليست سهلة ما لم يعاد الاعتبار أو يعطي الاعتبار بالأصح لقيمة الحرية.

ما نفهمه من نظرية العقد الاجتماعي التي وضع ملامحها هوبز هو أن مجتمع دون دولة ليس مدنيا مقابل مجتمع التوحش بل ينهار إلى جماعات. وبما أن الواقع العربي يشير إلى غياب الدولة بالمعنى الحديث فلا يمكن بأي مكان أن نلغي دور الفرد القائد لكن أن نعطي حرية أكبر للأفراد، وأن يكون هناك إرادة سياسية حقيقية لتحقيق العدالة الاجتماعية. كما أن هناك تحديا يواجه الأنظمة العربية وهو إيجاد توليفة بين معضلة الاستقرار وقضية الديمقراطية. لأن القول بإن الدول العربية ليست مؤهلة للديمقراطية بسبب بناها الاجتماعية ليس دقيقا، فالهند مثلا نجحت في تجربة ديمقراطية بالرغم من تخلف العلاقات الاجتماعية السائدة فيها. لكن ما تحتاجه الدول العربية هو عقد اجتماعي جديد تكون فيه أوامر القانون هي موجه لإرادة الجميع، أي إعادة قراءة اللوفياثان : شراكة متبادلة في معادلة دولة قوية ستبني مجتمعا قويا، لا يبتلع أحدهما الآخر بل يعيشان في تواز مع بعضهما، وإن كانت الغلبة أولا لقوة الدولة تحت لواء القانون، فإذا كان القانون هو إرادة الحكام حسب هوبز، فالقراءة الجديدة للفياثان تفترض أن تقيد هذه الإرادة في إطار من الشراكة وحكم القانون.

ندى ملكاني

ندى ملكاني

دكتوراة في العلوم السياسية

أعمل في التدريس في كلية العلوم السياسية لدي الكثير من المقالات في مجلة الحوار المتمدن ....لدي بحثان محكمان خارجيا باللغة العربية والانكليزية....ومقالة عن المرأة في مركز حمورابي للدراسات الاستراتيجية/ العراق ومقالة عن الاغتراب السياسية في مركز مداد

تصفح صفحة الكاتب

اقرأ ايضاّ