
في قديم الزمان، وعلى سفح جبلٍ مقدسٍ يُدعى "فوجي"، كان هناك قرية صغيرة يعيش أهلها في رخاء وسلام. وكان في هذه القرية عين ماءٍ عذبةٍ تتفجر من بين الصخور، يسمونها "نبع الحكمة"، وكانوا يعتقدون أن من يشرب من مائها بتدبرٍ وإجلال، يمنحه الله تعالى قطرة من الحكمة.
كان في القرية فتىً في ريعان الشباب يدعى "تارو"، اشتهر بقوة بدنه ولكن قلبه كان مضطربًا وعقله مشتتًا. كان "تارو" يرى زملاءه يتقدمون في الحياة ويتخذون القرارات الحكيمة، بينما كان هو يتعثر في دروبها. فقرر ذات يوم أن يصعد إلى "نبع الحكمة" لعل قطرة من مائه تهديه سبيل الرشد.
وبينما هو في طريقه إلى النبع، لمح ورقةً من شجرة "القيقب" تتساقط ببطء، فتأملها وقال في نفسه: "أتراها تحزن لأنها فارقت الغصن؟". ثم سمع عصفورًا يغرد، فتساءل: "أيغرد فرحًا أم حزنًا؟". كان عقله يعج بالأسئلة التي لا جواب لها.
عندما وصل إلى النبع، رأى شيخًا وقورًا جالسًا على صخرةٍ قربيه، يبدو عليه أنه ينتظر أحدًا. اقترب "تارو" وسلّم عليه بأدب، فقال له الشيخ: "أرى في عينيك سحابة حيرة، يا بُني. أتريد أن تشرب من النبع؟".
أجاب "تارو": "نعم، أيها الشيخ الجليل. فقلبي كالسفينة في ليلٍ عاصف، أبحث عن منارة تهديني".
فأشار الشيخ إلى بقعة خلف النبع وقال: "انظر، هناك وردة واحدة فقط تنمو في هذا المكان. إنها جميلة وعطرة، ولكنها وحيدة. اذهب واجلبها لي، ولكن بشرط واحد: لا تكسر ساقها، ولا تجرح أوراقها، ولا تلمس الأشواك التي تحيط بها".
نظر "تارو" إلى الوردة، ورأى كم هي محاطة بالأشواك الكثيفة الحادة. حاول أن يمتد بيده ليقطفها فشِل. حاول أن يحني الغصن فخشي أن يكسرها. جرب من زاوية أخرى فلم يستطع. وبعد محاولاتٍ عديدة، أدار ظهره للوردة حائرًا، وعاد إلى الشيخ خالي الوفاض.
"لم أستطع، يا شيخي. لقد حمتها الأشواك مني تمامًا"، قال "تارو" بخيبة أمل.
ابتسم الشيخ وقال: "هاهي الحكمة التي تبحث عنها! لقد تعلمت اليوم درسًا عظيمًا دون أن تشرب من النبع".
نظر "تارو" إلى الشيخ مندهشًا، فقال الشيخ موضحًا: **"إن الجمال الحقيقي، والقيم النبيلة، والأهداف السامية، تشبه تلك الوردة الوحيدة. إنها توجد دائمًا، ولكنها محاطة بصعاب الحياة وأشواك التحديات. لا يمكنك الوصول إليها بالقوة والعجلة فقط، بل بالصبر، والحكمة، والتأني في اختيار الطريق. من يريد قطف ثمرة الحياة، عليه أولاً أن يتعلم كيف يتعامل مع أشواكها".**
فهم "تارو" المغزى. لم تكن الرحلة من أجل الوصول إلى النبع، بل كانت الدروس التي تعلمها في الطريق هي الماء العذب الذي روّى عقله وقلبه. شكر "تارو" الشيخ وعاد إلى قريته، وقد أشرقت في نفسه أنوار الفهم، وعلم أن الحكمة ليست في الوصول إلى الإجابة، بل في معرفة السؤال الصحيح أولاً، والصبر على طلب الجواب.
ومنذ ذلك اليوم، وعندما يواجه "تارو" تحديًا في حياته، يتذكر الوردة الوحيدة والأشواك التي تحميها، فيتأنى ويصبر، حتى يجد الطريق الآمن إلى قلبها.
عن الكاتب
kholoud Alyones
كاتب
ويحمينا الله بطرق لا نفهمها
