حين تنتهى حياة شاعر في الرابعة والعشرين، ويكون اسمه وفنه وسمعته قد تجاوزت حدود مصر إلى سائر أنحاء الوطن العربي، واعترف له الكبار بالسبق، وصادق الأدباء على أصالته، يصبح هذا الشاعر ظاهرة تستحق التوقف عندها والبحث فيها.

المراجع
النشأة والتكوين:
وُلد الشاعر سيِّد بن جامع بن هاشم الرفاعي في بلدة أنشاص بمحافظة الشرقيَّة بمصر عام 1935م، واشتهر باسم جدِّه هاشم، نشأ في بيئة إسلاميَّة، وتربَّى على قيم الخير والفضيلة، حَفِظَ القرآن في سنٍّ مبكِّرة، تلقَّى مبادئ اللغة والدين في بلده، وحَفِظَ كثيرًا من القصائد. التحق بمعهد الزقازيق الديني سنة 1947م.وبعد دراسته في المعهد حتى المرحلة الثانوية، توجَّه إلى القاهرة وانتسب إلى كلِّيَّة دار العلوم ولكنه لم يتم الدراسة بها، حيث تُوفي مقتولاً قبل التخرج، وكان ذلك يوم الأربعاء الموافق الأول من شهر يوليو 1959م وهو في سن الرابعة والعشرين.
عمر قصير وشعر غزير:
وُلِد هاشم كبيرًا ، كبيرًا في شعره، كبيرًا في مواقفه، لم يلجأ -وهو الشاب الغض- إلى التحليق في رومانسيات ساذجة بل نجد شعره مصبوغا بقضايا الوطن وهموم الأمة، واتسم شعره بالبساطة والصدق والمزج بين الأصالة والمعاصرة، ولموسيقى شعره خصائص عامة وخاصة؛ فالخصائص العامة هي التي يشترك فيها مع غيره من الشعراء الذين ينتهجون نهجه، وهي تأليف القصيدة على نظام الوحدات الموسيقية "الأبيات"وفيها يلتزم الشاعر وزنا واحدا يرتبط بنغماته وألحانه في القصيدة كلها أما الخصائص الخاصة التي شكلت موسيقى شعر هاشم الرفاعى فهى تقوم على طريقته في تأليف المفردات في الجملة الشعرية وبعض الألوات البديعية وبعض الأنساق الصوتية التى كان لها أعظم الأثر في إشاعة الجو الموسيقي، يقودنا الحديث عن طبيعة الموسيقى الشعرية عند هاشم الرفاعى إلى الأوزان الشعرية التي استخدمها، حيث اعتمد هاشم الرفاعى في بناء قصائده على النمط الموروث (الخليلي) ومن ذلك قصيدته الشهيرة " شباب الإسلام " التي يقول في مطلعها:
مَلَكْنَا هذه الدنيا قرونَا وأخضعها جدودٌ خالدونَا
وَسَطَّرْنَا صحائفَ من ضياءٍ فما نَسِيَ الزمانُ ولا نَسِينَا
حملْنَاها سيوفًا لامعاتٍ غداةَ الرَّوْع تأبى أنْ تَلِينَا
إذا خَرَجَتْ من الأغماد يومًا رأيتَ الهول والفتحَ المبينَا
وكنا حين يأخذُنَا وَلِيٌّ بطغيانٍ ندوسُ لهُ الجبينَا
تفيضُ قلوبنا بالهديِ بأسًا فما نُغضي عَنِ الظُّلْمِ الجفونَ
والمتأمل في شعر هاشم الرفاعي يستخلص نتيجة عامة مفادها أن الرفاعي يميل إلى البحور الشائغة المشهورة المتداولة بين الشعراء ويتضاءل ميله بصورة كبيرة تجاه البحور قليلة الشيوع ولذلك نجد أن البحور: الخفيف، والكامل، والطويل، والبسيط، والرمل،والوافر تمثل النسبة الأكبر من قصائد الديوان، ولعل من أبدع قصائده قصيدة:"رسالة في ليلة التنفيذ"التى جاء نظمها على وزن البحر الكامل والتي يقول فيها:
أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني ......والحبلُ والجلادُ ينتظراني هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ ......مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها ......وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في ......هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ ......والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي ......في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ ......دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ إ ......لاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ
كما نرى، فإن الشاعر قد جعل لقصيدته بحرًا إيقاعيا ألا وهو بحر الكامل ؛ ليتناسب ذلك البحر مع الموضوع الذى أنشأ من أجله القصيدة ، حيث يمنح هذا البحر الشاعر إمكانات التعبير الواسعة عن انفعلاته ، وهو من أغنى بحور الشعر العربي قوة وأكثرها أضربا وأغلبها حركة.
إن الشاعر يتحدث منفعلا عن الثورة ويطلب الحرية ولم يجد أفضل من ثورية البحر الكامل لكى يعبر عن انفعالاته وأحاسيسه ،كما نجد الشاعر قد جعل قافيته حرف(النون) الذي يتسم بقدرته على الانطلاق من دون تعثر فهو سهل النطق ،كما أن حرف (النون) من الحروف ذات الجرس العالى التى تعبر عن الإيقاع النفسي الحزين للشاعر الذي ينشد الحرية ويرفض الظلم ويشعر بالظلم والقهر. إن الرفاعي لم يكن مجرد صوت شعر،لكنه كان صوتا متفردًا، وربما يكون هذا التفرد ، هو الذي دفع زكي المهندس عميد دار العلوم الأسبق إلى القول:"إنه لو قدر لهاشم الرفاعي البقاء، لكان أشعر أهل زمانه". وللحديث بقية.
الكاتب: د. عبد الرحمن معوض كاتب وأكاديمي مصري بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية(unishams)-ماليزيا.
عن الكاتب
عبد الرحمن معوض
أكاديمي
كاتب وأكاديمي مصري بجامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية(unishams)-ماليزيا.