الإسلام والغرب
منذ تشكّل الوعي الغربي الحديث، ظلّت العلاقة مع الإسلام محكومةً بهاجس الصدام لا التكافؤ، وبنزعة الهيمنة لا التفاعل، إذ لم يستطع الغرب في أيّ مرحلةٍ من مراحله أن يستوعب حقيقة منظومةٍ حضاريةٍ متكاملةٍ، حكمت مشارق الأرض ومغاربها بشريعةٍ واحدةٍ ودستورٍ جامعٍ ومبدأٍ صارمٍ يحرّم منطق “الافتراس الإنساني” القائم على أن القويَّ يأكل الضعيف. فالفكر الإسلامي، في جوهره، نسقٌ أخلاقيٌّ كونيٌّ قائمٌ على توازن السلطتين: سلطة الروح وسلطة العدل، بينما ارتكز المشروع الغربي الحديث على ماديةٍ متوحّشةٍ ترى في الهيمنة غايةً وفي التفوّق المادّي معيارًا للحضارة. ومن هنا تشكّل العداء المبطَّن، الذي لم يزل يجدّد نفسه كلّما لاحت في الأفق نهضةٌ إسلاميةٌ تُذكّره بأنّ هناك نظامًا قيميًّا لا يخضع لقوانينه. عبر التاريخ الحديث، ترسّخت هذه المعاداة في السياسات الاستعمارية التي مزّقت العالم الإسلامي واستنزفت موارده، ثم تحوّلت في القرون الأخيرة إلى منظومةٍ من الحروب والإبادات الممنهجة، من فلسطين التي نُكبت ظلماً وعدواناً، إلى مذابح البوسنة والهرسك التي ارتُكبت تحت سمع العالم وبصره، مرورًا بالاجتياحات الدموية في العراق وسوريا والسودان، وصولًا إلى المأساة الإنسانية في تركستان الشرقية، حيث يُساق الإيغور المسلمون إلى معسكراتٍ تجرّدهم من هوّيتهم ودينهم وثقافتهم. هذه الوقائع ليست استثناءاتٍ في مسارٍ متسامحٍ كما يُروَّج، بل حلقاتٌ في سلسلةٍ من التناقضات البنيوية داخل الفكر الغربي نفسه، الذي يرفع لواء الحرية والعقلانية والتنوير، بينما يمارس، في واقعه السياسي، كلّ أشكال القهر والاستئصال ضدّ المختلف دينيًّا وثقافيًّا. إنه انشطارٌ فلسفيٌّ بين خطابٍ إنسانيٍّ معلنٍ وسلوكٍ إمبرياليٍّ مضمرٍ، بين ما يُقال في الكتب وما يُرتكب في الميدان.

جرائم عبر التاريخ
وفي امتداد هذا المسار التاريخي المأزوم، يعرف الواقع الأوروبي المعاصر تصاعدًا محموماً في موجات التحريض والتطرّف، تقودها التيارات الشعبوية واليمين المتطرّف تحت شعاراتٍ خادعةٍ كـ“Defend Europe” و“Britain First”، وهي مشاريع أيديولوجية مموّهة تهدف، في جوهرها، إلى إقصاء المسلمين وتجريم وجودهم الرمزي والمادي داخل الفضاء الغربي. هذه الحملات، التي تستند إلى خطاب “الخطر الإسلامي”، أسهمت في إنتاج بيئةٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ تغذّي العنف وتُشرعن الكراهية باسم الدفاع عن الهوية. من هنا جاءت مبادرة السييمبري بالوما في رفع شعارها «DEFEND MUSLIMS IN EUROPE» كفعلٍ مقاومٍ للانقلاب المفاهيمي ذاته، إذ قلبت المعادلة: فالمسلمون، لا أوروبا، هم الذين يحتاجون إلى الحماية من خطابٍ متوحّشٍ يُمارس الإقصاء باسم الدفاع. أمّا الرسالة الثانية «STOP ISLAMOPHOBIA WORLDWIDE»،فهي حلقةٌ فكريةٌ في سلسلةٍ متواصلةٍ من مواقف المجموعة منذ سنة 2015، عقب الهستيريا الإعلامية التي رافقت حادثة شارلي إيبدو، حين أطلقت رسالتها الأولى «STOP ISLAMOPHOBIA» لتعود اليوم وتوسّع الأفق إلى “WORLDWIDE”، إشارةً إلى أنّ الخطر تجاوز حدود القارّة العجوز. فالظاهرة أصبحت كونية: في الصين تتجلّى في سياساتٍ ممنهجةٍ للاعتقال القسريّ والمسح الثقافيّ؛ وفي الهند ومحيطها في صعود القومية الهندوسية التي تشرعن الاعتداء على المسلمين؛ وفي الغرب ذاته في تزايد جرائم الكراهية ضدّ المساجد والجاليات، كما في كندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. هذا التمدّد العالميّ للإسلاموفوبيا ليس معزولًا عن منظومةٍ فكريةٍ واحدةٍ تنظر إلى الإسلام كتهديدٍ بنيويٍّ للحداثة الغربية، لا كدينٍ مساهمٍ في الحضارة الإنسانية.

خاتمة
بهذا المعنى، لا تُقرأ رسائل السييمبري بالوما كأفعالٍ عابرةٍ أو شعاراتٍ ظرفية، بل كتجسيدٍ واعٍ لرؤيةٍ فكريةٍ وأخلاقيةٍ متجذّرةٍ في مبادئها، ترى في قضايا الدين والأمة جوهرَ رسالتها الوجودية. فالثبات على هذه المواقف ليس انفعالًا عاطفيًّا، بل إعلانٌ عن هويةٍ جماعيةٍ لا تنفصل عن تاريخها ولا عن وعيها الحضاري. ولعلّ قول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ يظلّ ترجمةً لمبدأٍ راسخٍ يُلزم المسلمين بالتماسك في وجه موجات العداء والتفرقة، ويذكّر بأنّ الحق لا يُقاس بقوة أصحابه، بل بثباتهم عليه. ومن هذا المنطلق، تبقى مواقف المجموعة استمرارًا لذلك الوعي الجماعي الرافض للخضوع لهيمنة الخطاب الغربي المزدوج، ودفاعًا رمزيًّا عن قضايا الكرامة والعدالة، في عالمٍ يحاول أن يجعل من القوة قانونًا، ومن الظلم واقعًا، ومن الصمتِ رضا.
المراجع

Islamophobia in the West: Measuring and Explaining Individual Attitudes
Since the late 1980s, growing migration from countries with a Muslim cultural background, and increasing Islamic fundamentalism related to terrorist attacks in Western Europe and the US, have created a new research field investigating the way states and ordinary citizens react to these new phenomena. However, whilst we already know much about how Islam finds its place in Western Europe and North America, and how states react to Muslim migration, we know surprisingly little about the attitudes of