للمصريين سيكولوجية عجيبة في اختيار الأسماء قديمًا..
وتلخيصًا لهذا الموضوع، سوف نقسم أسماء المصريين إلى عدة أقسام:
القسم الأول: الأسماء الجغرافية
وهي الأسماء التي تُنسب إلى المدن والمناطق والأقطار، وأحيانًا إلى التضاريس.
فمثلًا تجد أن هذا النوع من الأسماء يبدأ من الانتساب إلى القرى الصغيرة حتى يصل إلى القارات.
فهناك من يكون اسمه على اسم مدينة مثل المنصوري أو الزقازيقي،
وهذه الأسماء يشتهر بها فئة الحرفيين وأصحاب الورش والمشاغل.
وهناك من يحمل اسم محافظة مثل المنياوي، الدمياطي، الأسيوطي،
وهذه الأسماء تنتشر بين تجار الفاكهة والخضار وتجار الجملة.
ثم يصبح الأمر أكثر شمولًا، فتنتسب الأسماء إلى بلدان وأقطار،
فتجد مثلًا: السعودي، المصري، الشامي، المغربي...
بل إن الأمر قد يصل إلى الدول الإسكندنافية فتجد السويدي،
وهذه الأسماء في الغالب لأصحاب رؤوس الأموال أو معارض السيارات.
وقد يختار البعض أجزاء من الطبيعة والتضاريس مثل الجبل والبحر والحجر،
ولكن عند اختيار هذه التضاريس تجد أغلبهم يُكَنَّونَ بها؛
فمثلًا: أبو جبل، أبو حجر، أبو الغار...
ولا أدري صراحة سبب الكنية في هذه الحالات،
لكن هذه الأسماء تشعرك أن صاحبها إما وزير أو سفير، وإما تاجر مخدرات
كما أن هناك من يخرج من حدود الكرة الأرضية ويختار أسماء مثل شمس وقمر وزهرة،
وهذا يبين أن للأسماء الجغرافية أهمية كبرى في حياة المصريين.
القسم الثاني: أسماء الحيوانات
ولحساسية هذا النوع من الأسماء، يكفينا التنويه إلى أنها تنتشر بين الزعماء العرب قديمًا وحديثًا،
ونستثني منهم الفنان عادل الفار ولاعب كرة القدم أحمد تمساح وغيرهم .
القسم الثالث: أسماء الأكل
اختيار المصريين لأسماء الأكل يُعَد من التصرفات الغريبة التي لا تظهر في الشعوب الأخرى،
خاصة أنهم يختارون أكلات مصرية أصيلة.
فلا تجد في السعودية عائلة الكبسة،
ولا في تونس عائلة الكسكسي،
لكن في مصر ستجد عائلة الكشري، والسمنة، والزبدة، والجبنة، والكمون،
وأحيانًا تظهر الفاكهة مثل المانجة وهناك من يميل إلى النباتات مثل النخلة والحشيش والزيتون
والغريب أن هذه الأسماء تنتشر بين لاعبي كرة القدم،
حتى أن كل الأمثلة السابقة موجودة بالفعل بين لاعبين معروفين في الكرة المصرية.
القسم الرابع: أسماء الملابس
وهنا يُكنّى البعض بقطع من الملابس:
أبو جبة، أبو طاقية، أبو قفطان، أبو قمصان... أو حتى قمصان فقط بدون كنية.
وتظهر هذه الأسماء غالبًا بين العلماء والمتخصصين في الطب والفلك... وأحيانًا في الدجل أيضًا
القسم الخامس: أعضاء الجسم
وهنا يظهر اعتزاز المصريين بأجسادهم وتفاخرهم بها،
فكانوا يُكَنّون أنفسهم بأجزاء من الجسم مثل: أبو العنين، أبو كف، أبو دراع، أبو سنة.
وكان للشعر نصيب كبير من هذه الأسماء: شعراوي، أبو شنب، أبو شقرة، الأشقر...
وتشتهر هذه الأسماء في طبقة أصحاب المحلات والمطاعم الكبرى.
وهناك أجزاء أخرى كثيرة لا يسعني ذكرها هنا.
القسم السادس: أسماء المهن
وتشترك أسماء المهن مع الأسماء الجغرافية في الانتشار الواسع،
فتقريبًا كل المهن زينت أسماء المصريين: الحداد، السقّا، المنجد، النجار، الإسكافي...
وهذا يعكس حب المصريين للعمل والحرف القديمة.
وتنتشر هذه الأسماء بين المخترعين والمبتكرين والمهندسين... وأحيانًا المحتالين
القسم السادس: الأسماء التَخْلِيدِيَّة
في هذا القسم من الأسماء، نجد سيكولوجية المصريين تميل إلى إطلاق أسماءٍ معينة على أبنائهم تخليدًا لحدثٍ أو موقفٍ أو مكانٍ أو شخصٍ ترك في وجدانهم أثرًا.
ويظهر ذلك جليًا في بعض المدن المصرية التي تحمل طابعًا روحيًا أو تاريخيًا مميزًا.
ففي مدينة طنطا مثلًا، ينتشر اسم بدوي تخليدًا للسيد أحمد البدوي،
وفي مدينة دسوق أو محافظة كفر الشيخ عمومًا، ستجد أن اسم دسوقي أو الدسوقي أو إبراهيم هو الأشهر،
تخليدًا لإبراهيم الدسوقي.
أما في محافظة قنا، فيشتهر اسم القناوي، نسبةً إلى عبد الرحيم القناوي الذي سُمِّيت المحافظة باسمه.
وفي محافظة السويس، ستجد أن اسم غريب ينتشر فيها بكثرة،
نسبةً إلى عبد الله الغريب أحد أقطاب الصوفية، شأنه شأن إخوانه من الأولياء في طنطا وقنا وكفر الشيخ.
أما بورسعيد، فتشتهر بلقب العربي،
وإن صادفت شخصًا يحمل اسم "العربي"، فابحث عن جذوره غالبًا ستجدها من بورسعيد.
ما زلنا في تخليد الأسماء، ولن نتطرق كثيرًا إلى تخليد أسماء الآباء والأمهات والأجداد،
فذلك أمر واسع ومتجذّر في ثقافة المصريين،
ويكفي أن ترى طفلًا يُدعى الزنكلوني أو طفلة اسمها أم السعد
لتعلم أن برّ الوالدين قد دُفع ثمنه بهذا الاسم العجيب
وقد ابتدع المصريون أيضًا أسلوبًا جديدًا في تخليد الزعماء الخالدين.
ففي عام 1952، كان كل مولود ذكر يُسمّى محمد نجيب اسمًا مركبًا،
وفي عصر الزعيم الخالد ، ستجد أن أغلب مواليد تلك الفترة سُمّوا جمال.
ولم يتوقف وفاء المصريين لأبناء بلدهم عند القادة والزعماء فقط،
بل امتد إلى كل شخصٍ اشتهر في منطقته — خاصةً لو كانت ريفية —
فتجد أن أغلب مواليد القرية يحملون اسم هذا الشخص المشهور تخليدًا له.
ولأن عاطفة المصريين فاقت حدود التخيّل والتوقّع،
فقد تجاوزوا حدود الوطن في اختياراتهم للأسماء،
وأطلقوا على أبنائهم أسماء زعماء ومشاهير عالميين مثل:
هتلر، مارادونا، بوشكاش وغيرهم من الشخصيات الدولية التي ملأت الدنيا ضجيجًا في زمانها.
حقيقةً، لم أرَ شعبًا في العالم يتعامل مع الأسماء بهذه السيكولوجية الفريدة إلا في مصرنا الحبيبة
كان هذا تحليلًا بسيطًا لسيكولوجية المصريين في الأسماء،
وإلى اللقاء قريبًا في الجزء الثاني