بقلم: سارة خماش الزهراني

لكل زمان لغته في التعبير عن الحب
في زمن تتسارع فيه أنماط الحياة وتتغير مفاهيم الرعاية والاهتمام، تظهر بين الحين والآخر تحديات ومشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي تُعيد طرح تساؤلات حول معنى “الامتياز” في الطفولة، وحدود الرعاية الأبوية، ولغة الحب بين الأجيال.
استوقفني مؤخرًا أحد هذه الترندات بعنوان: “تقدّم خطوة للأمام”، حيث يُطلب من المشاركين أن يخطوا خطوة إن كانت لهم غرفة خاصة للألعاب في طفولتهم، أو كان والداهم يتابعان دراستهم، أو يرافقانهم في طريق الذهاب والإياب من المدرسة. -عادة ً مايكون المشاركين الأب وأبنائه، أو الأم وأبنائها- كانت ردود الأفعال متباينة، ولكنها كشفت عن أمرٍ عميق: مدى وعي الأبناء بنعمٍ عاشوها دون أن يستشعروها يومًا، ومدى امتنانهم لأبويهم بقدر ما أدركوا حجم ما قُدِّم لهم.
غير أن السؤال الأهم الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا عن آباء هؤلاء الأباء المشاركين؟
هل كانوا أقل حبًا أو اهتمامًا بأبنائهم؟ قطعًا لا. فالأب والأم في كل زمان يسعيان، بما تيسّر لهما من وسائل وظروف، إلى التعبير عن حبهما ورعايتهما، ولو اختلفت الوسائل بين الأمس واليوم. فليس في الأمر تقصير، بل اختلاف في لغة التعبير عن العاطفة، تلك اللغة التي تصوغها ضرورات الحياة وتحدياتها وأولوياتها.
“ليس في الأمر تقصير، بل اختلاف في لغة التعبير عن العاطفة التي تصوغها ضرورات الحياة.”
أتذكر قصة جدتي لأبي، حين كانت في ليالي الشتاء القارس تُدخل طفلها والرضيعين اليتيمين من أبناء القرية، الذين تبنّتهم بفطرة الأم بعد وفاة والديهما، في ثوبها الواسع لتدفئتهم بجسدها وحنانها، وجدي لأبي الذي استمات في محاولات عديدة لتتم الموافقة على افتتاح مدرسة في القرية وكان له ذلك بعد عناء، تلك المشاهد البسيطة تلخص معنى الحب الصافي الذي لا يحتاج مظاهر ولا إمكانات، بل يفيض من قلبٍ يعرف العطاء بالفطرة.
إن اختلاف الأجيال لا يعني اختلاف المشاعر، بل تغيّر أشكالها فقط. فالحب الذي كان يُترجم قديمًا في صورة تعبٍ وصبر وتضحية، يُترجم اليوم بوسائل أخرى، أكثر حداثة ولكن ليست أعمق بالضرورة. المهم ألا نحاكم مشاعر الأمس بمعايير اليوم، ومحاولة صهر مفهوم الرعاية الأبوية في قالب واحد وأن لا نقيس الدفء الإنساني بمقاييس مادية.
وفي الختام،
يبقى جوهر الحب ثابتًا، وإن تغيّرت لغاته. فالأبوة والأمومة ليستا رفاهية في الإمكانات، بل صدقًا في العطاء، وحنانًا يسكن التفاصيل الصغيرة التي تصنع ذاكرة الأمان الأولى في حياة الإنسان.
المراجع
عن الكاتب
Sarah Alzahrani
أدبية
سر من رأى
