
لماذا نكره؟
لعله سؤالٌ ساذج، لكن هل فكرتَ سابقاً بالإجابة عنه؟ هل راودك هذا السؤال سابقاً؟ أعتقد أن الكثير منا لم يخطر بباله أن يسأل هذا السؤال. ولم يدُر بخاطرهِ الإجابة عنه. ولعل البعض يستغربُ ويستهجنُ هذا التساؤل. لأن الكراهيةَ مثلها مثلَ الحبِّ مثلَ الغيرة، مثل التفاؤلِ والتشاؤمِ والغضبِ والسعادةِ... هي مشاعرُ وأحاسيسُ طبيعيةٌ نشأت معنا ونشعرُ بها دون أن نفكِّر بماهيتها.

شعور أم موقف؟
وهنا لا أريدُ أن أدخلَ في التحليلِ النفسيِّ والنظريات العلميةِ التي تناولت هذهِ المواضيع. وإنما أحاولُ أن أجيبَ عن السؤالِ بشكلٍ مبَّسطٍ له علاقةٌ بحياتنا اليوميةِ وسلوكنا البشريِّ الإنسانيِّ. كم مرة قلت: أنا أكرهُ فلاناً، أو اكرهُ هذا الشخص، أو اكرهُ هذا التصرف؟ ولماذا؟ وجدير بالذكر ان العلماء لم يجمعوا حول أصل الكراهية، ولكن صُنفت كثيرًا أنها شعور، وقد تكون موقفًا أو شعورًا
لعلَّ ما اكتبهُ يعتبرهُ البعضُ ترفاً فكرياً أو فلسفةً لا لزومَ لها. ولكن صدقوني إن الإجابةَ على هذا التساؤلِ ربما سيكونُ لها دورٌ في حلِّ العديدِ من المشاكلِ الإنسانيةِ والاجتماعيةِ وربَّما أبعد من ذلك. إذا عرفنا لماذا نكره وما هو الَّسبب الذي يجعلنا نكره. لرَّبما تجعُلنا نفكَّرُ قليلاً بهذا الشأن.
إن كراهيةَ الِإنسان للإِنسانِ هيَ السَّببُ الرئيسيُّ لكلِّ ما عانتهُ وتعانيهِ البشرية من صراعاتٍ وويلاتٍ وحروب. فلو تخيلنا أنَّ الكراهيةَ لم يكن لها وجودٌ في هذا العالمِ. فكيفَ سيكونُ شكلُ الحياة؟ وكيف سيكونُ تعاملُ الناسِ معَ بعضهم البعض؟ وأكثرُ من ذلك، كيفَ سيؤثرُ ذلك على العلاقةِ بينَ الشُّعوبِ والدولِ والكيانات الموجودة؟ وهنا استذكرُ الآيةَ الكريمة: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنّا خَلَقناكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثى وَجَعَلناكُم شُعوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفوا إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبير). رَبُّ الكونِ وخالقُ الإنسانِ والذي هو أُعلم بمكوِّناتهِ ومكنوناته، يُخبرنا أنَّهُ خَلَقَ النّاسَ مِن أَجلِ التَّعارفِ لا من أَجلِ القتالِ والحروبِ والكراهية.
وَحتّى نكونَ موضوعيينَ في طرحِنا، ولا نسرحُ في عالمِ المثاليّة، يجبُ أن نعترفَ أنَّ الحياةَ تتضمنُ بمجرياتِها أحداثاً وتصرفاتٍ تُلقي بظلالها على النفسِ البشريةِ وتخلقُ لدينا ردةَ فعلٍ. فإذا ما واجهنا موقفاً جيداً وإيجابياً من أيّ شخصٍ سيكونُ لهذا التصرُّفِ ردُّ فعلٍ شبيهٍ به. وفي حالِ العكسِ فهنا تختلفُ ردود الأفعالِ من شخصٍ لآخر. غالبيةُ الناسِ لا يمكنها السيطرةُ على مشاعرها وسلوكها- وهوَ أمرٌ طبيعيٌ- إذ لا يمكنُ أن يتعرضَ الإنسانُ لإساءةٍ ويقابلُ المسيءَ بالمحبةِ. وهنا أودُّ أن أشيَر أنَّ ما اقصدهُ بعدم الكراهيةِ ليسَ ردةُ الفعلِ اللحظية أو الوقتية، وإنما أتحدثُ حول تبعاتِ هذه المواقفِ وما يستقرُّ في القلبِ من مشاعرَ بعد حدوثها بفترة.
أعتقدُ أن العاملَ الرئيسيَّ الذي يمكنُ أن يقلِّلَ أو يخفِّفَ من كراهيتنا، هو عاملُ التفهمِ وطرحُ سؤال: لماذا فعلَ هذا الشخصُ ما فعلهُ؟ وما هو الدافعُ الذي جعلَ هذا الشخصَ يتصرَّفُ بإساءةٍ تجاهي؟ وأنا أزعمُ هنا أنَّهُ بمجردِ أن أتفهَّمَ الحالةَ التي جَعلت الشخصَ المقابلَ يسيءُ، ستعملُ على تقليلِ ردَّةِ الفعلِ تجاهه. عندما أضعُ نفسي مكاَن الشَّخصِ المقابلِ وأتفهَّمُ الحالةَ النفسيَّةَ والعصبيةَ والاجتماعيةَ التي يعيشُها تجعلُني أتفهَّمُ إلى حدٍ كبيرٍ سببَ تصرفِّهِ. وأغلبُنا يتعرَّضونَ لمواقفَ مشابهةٍ عندما يعيشونَ فتراتٍ عصيبة. وأكثرُنا ندمَ على لحظاتٍ قامَ خلالَها بتصرفٍ مسيءٍ للآخر. وفي قرارةِ نفسهِ قامَ بلومِ نفسهِ على هذا التصرفِ فإن كان يمتلكُ الشجاعةَ وحسنَ السريرةِ يقومُ بالاعتذارِ وإن لم يمتلكها وأصرَّ على موقفهِ يدفعهُ ذلك إلى مزيدٍ منَ التعنُّتِ والإصرارِ على خطئِهِ وهوَ يعلمُ في لحظةِ مراجعةٍ ذاتية أنَّه مخطئ. وإصرارهُ يخلقُ ردةَ فعلٍ لدى المقابل، وتتوالى ردودُ الأفعالِ والتعنُّتِ من الجهتين إلى أن تصلَ إلى حدود كبيرة يصعب معالجتها.
ماذا لو بحث الناس عن أسباب وقوع سواهم في الخطأ أو مخالفتهم لهم، في طبيعة بعض البشر بما جبلوا عليه من نقص، لا بسبب إرادة الشر لديهم لو ملكوا حرية الاختيار؟ ماذا لو أخذ الناس بالقول المنسوب إلى عمر رضي الله عنه "أعقل الناس أعذرهم للناس" ؟
