عم عيد وعم سعيد شخصان قابلتهم في حياتي، عاشوا في نفس الوقت ونفس المنطقة ولكن لكلًا منهما منهج حياة مختلف تمامًا عن الآخر، كانا في نفس العمر تقريبًا تخطوا الستين، ونفس الحدث موت الزوجة بعد جواز استمر حوالي أربعين عامًا.
عم سعيد في اليوم الثالث للجنازة وفى أثناء ما كنت متواجدة لإلقاء واجب العزاء عليه طلب مني طلب غريب جدًا أن أبحث له عن عروسه ، بعد الأربعين بيوم كان قد تزوج بسيدة في الأربعينات من العمر لها نفس ظروفه ،منذ أيام كنا نعزيه في زوجته السابقة و اليوم قدم لنا عروسه السعيدة.
أما عم عيد فحكايته مختلفة تمامًا بحكم صلتي وقربي منهم استطيع أن أقول أنه رجل مختلف كليًا، مختلف في كل شيء عن القصة الأولى ، حيث مرضت زوجته في آخر آيامها وحُجزت شهرًا في المشفى، أقسم أنه ولا يوم مر دون أن يذهب إليها في ميعاد الزيارة كنت آراه يمر من أمام الصيدلية ظهرًا قبل ميعاد الزيارة بساعتين على الأقل لأنه كان بطئ الخطى كطفل صغير مثقل بالهموم ومتعثر بخوف الفقد.
أحيانًا كان يعبر إليّ ليلقي التحية فأسأله عن حالة زوجته فينخرط في البكاء كان كل حديثه عنها ، يُخبرني بآخر مستجدات صحتها، وآخر كلمات قالتها ، وآخر وأول وكل المواقف التي بينهم وينخرط في بكاء لا ينتهى كطفل بعمر السنتين أضاع أمه. وأنا أكثر شيء يكسرني هو بكاء كبار السن ولا أعلم ماذا أفعل سوى أن أملاء خزائن التفاؤل عنده و أحمل جيوبه المثقوبة بالأمل و ندعوا سويًا أن تعود سالمه ذات يوم ،ولكن السماء لم تستجيب.
بعد رحيل الزوجة ساءت حالته الصحية أكثر وأكثر لم أعد آراه نهائيًا في الشارع ولا يأتي إلى الصيدلية أبدًا ،أسأل عنه تليفونيًا بين الحين والآخر وأتحاشى في كل مرة أن أنقب صناديق الماضي حتى لا نتطرق إلى موضوع زوجته الراحلة و حتى لا أفتح الجراح ،بالأمس مر بي ليصرف علاجه الشهري ومعه صور قديمة جدًا لزوجته الراحلة والباقي طبعًا متوقع.
لا أدري أي المناهج في الحياة صحيح ولا أؤمن أصلًا بفكرة الصح المطلق أو الخطأ المطلق ، هما منهاجان مختلفان في الحياة لأشخاص مختلفة ، اختار كل واحد فيهما ما يتناسب مع حياته وظروفه والأهم ما يناسب قلبه ،لسنا بصدد الحكم على أيًا منهما فقط أعرض غرابة البشر وتفاوت الطباع والدروب المختلفة للحياة.
وأنت أي المناهج ستكون؟
بقلمي
#سرالهاربة
عن الكاتب
د.مريم فرجالله
صيدلانية وكاتبة على التوازي