التطوير الذاتي ليس مجرد كلمة بل ثقافة
كاتب مقالات في التنمية الإدارية
التطوير الذاتي ليس مجرد كلمة بل ثقافة
"المدير الفعال لا يُعطي الأولوية للقرارات، بل للمساهمات. إنه يسأل، ما الذي يمكنني أن أفعله للمساعدة؟ هذه هي المسؤولية الحقيقية". بيتر دراكر الاب الروحي للإدارة الحديثة

المقدمة:
تعتبر رحلة التطوير الذاتي رحلة لا تنتهي، بل هي مسار دائم يتجدد مع كل صباح وفي سياق المؤسسات يتضاعف هذا المسار أهمية إذ يصبح استثماراً استراتيجياً يضمن ديمومة المؤسسة ونجاحها، فالتطوير الذاتي لا يقتصر على كونه مجرد رفاهية شخصية بل هو شريان الحياة الذي يغذي المؤسسة بأكملها، فعندما يتقدم المديرون والموظفون خطوات نحو الأمام في رحلتهم الشخصية فإنهم يدفعون بالمؤسسة إلى آفاق جديدة.كما ويُعد التطوير الذاتي مسيرة حياة دافعة ومحفزة، وهو أساس النجاح سواء على الصعيد الشخصي أو المهني لكن عندما يتعلق الأمر بالمؤسسات فإن هذه الرحلة تكتسب أهمية مضاعفة فالتطوير الذاتي للمديرين والموظفين ضرورة من الضروريات وأساس لا غنى عنه فتراكم الخبرة والمعرفة لا يتأتى إلا من خلال التدريب والتطوير والمشاركة مع الآخرين والتعرف على مسيرة حياتهم وتجاربهم، كما يعتبر التطوير الذاتي استثمار استراتيجي يضمن نمو المؤسسة واستدامتها، فعندما يطور الأفراد أنفسهم فإنهم يطورون المؤسسة بأكملها حيث يقول بيل جيتس: "إن تحقيق النجاح هو مسؤولية كبيرة. كلما زادت قوتك، زادت مسؤوليتك في استخدامها بشكل صحيح".إن التطوير الذاتي هو الماء والغذاء الذي يجعل كل شجرة قوية ومثمرة، ويُمكن تشبيه المؤسسة بحديقة كبيرة وكل موظف ومدير فيها هو عبارة عن شجرة لكي تزدهر الحديقة وتثمر يجب أن تُسقى ويُعتنى بكل شجرة فيها على حدة، فعندما يلتزم الأفراد بهذا المسار فإنهم لا يطورون أنفسهم فقط بل يساهمون في بناء ثقافة مؤسسية قوامها التحسين المستمر والابتكار والتجديد والمسؤولية المشتركة حيث يقول أوبرا وينفري: "أعتقد أن أحد أعظم أشكال المسؤولية هو أن تكون مسؤولاً عن نفسك. أن تكون سيد مصيرك".
أولاً: التطوير الذاتي يُعطي حيوية وديمومة للمؤسسة ويؤسس للنجاح:
يقول بيل غيتس (مؤسس شركة مايكروسوفت): "إننا نستثمر في موظفينا أكثر مما نستثمر في أي شيء آخر، لأنهم أهم أصولنا"، فالتطوير الذاتي يُعطي حيوية وديمومة للمؤسسة وذلك من عدة نواحي:1. زيادة الإنتاجية والابتكار: الموظف الذي يطور مهاراته يكون أكثر كفاءة وإنتاجية كما أن المدير الذي يكتسب مهارات قيادية جديدة يصبح قادراً على تحفيز فريقه بشكل أفضل مما يؤدي إلى بيئة عمل مبتكرة ومجددة.2. تحسين جودة العمل: مع اكتساب الأفراد لمعارف ومهارات جديدة تتحسن وتتطور جودة المنتجات أو الخدمات التي تقدمها المؤسسة بشكل دائم.3. تعزيز ولاء الموظفين: المؤسسات التي تستثمر في تطوير موظفيها تظهر اهتماماً حقيقياً وواضحاً بهم مما يعزز شعورهم بالتقدير والولاء ويقلل من معدل دوران الموظفين وتحتفظ المؤسسة بالكفاءات والقدرات الإبداعية.4. القدرة على التكيف مع التغيرات: في عالم سريع التغير فإن المؤسسات التي لديها أفراد يطورون أنفسهم باستمرار تكون أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع التحديات الجديدة وسرعة في التعامل معها بشكل يتناسب مع المؤسسة وحجمها وتطلعاتها واستراتيجيتها.5. بناء ثقافة إيجابية: عندما يكون الجميع ملتزماً بالتعلم والتطور تتشكل ثقافة مؤسسية إيجابية تقوم على التحسين المستمر والمسؤولية المشتركة.
ثانياً: التطوير الذاتي لمدير المؤسسة قوة تحفيزية ونجاح مستمر:
يقول ريتشارد برانسون: "كل شركة يجب أن يكون لها هدف يتجاوز الربح. مسؤوليتنا هي استخدام أعمالنا كقوة للخير، ليس فقط لأصحاب المصلحة، بل للمجتمع ككل"، فالمدير ليس مجرد مشرف بل هو قائد ومحفز وقدوة، ويتوقف نجاح الفريق بشكل كبير على قدرات المدير ومهاراته، لذا فإن تطوير المدير لذاته هو حجر الزاوية في بناء فريق قوي ومؤسسة ناجحة وذلك من عدة نواحي:1. تطوير المهارات القيادية والإدارية:ـ الاستماع الفعّال: يجب على المدير أن يتعلم كيف يستمع بفعالية لموظفيه، فالاستماع لا يعني فقط سماع الكلمات بل فهم الأفكار والمشاعر والمخاوف والتحديات.ـ التفويض بذكاء: بدلاً من محاولة القيام بكل شيء بنفسه يجب على المدير أن يتعلم كيف يفوض المهام بشكل صحيح مما يتيح للموظفين فرصة للنمو واكتساب الخبرات والمهارات.ـ الذكاء العاطفي: فهم وإدارة عواطفه الخاصة، وفهم عواطف الآخرين هو مفتاح بناء علاقات قوية مع الفريق.ـ اتخاذ القرارات: يجب أن يطور المدير قدرته على اتخاذ قرارات مدروسة وسريعة وأن يكون قادراً على تحمل مسؤوليتها.2. تطوير المهارات التقنية والمهنية:ـ المطالعة المستمرة: يجب على المدير أن يظل على اطلاع بأحدث التطورات في مجاله سواء كانت تقنيات جديدة أو منهجيات عمل مبتكرة.ـ التعلم والنمو الدائم: يمكن للمدير حضور الدورات التدريبية وقراءة الكتب والمقالات المتخصصة والمشاركة في المؤتمرات لتعزيز معرفته المهنية.3. بناء ثقافة التعلم والنمو:ـ القدوة الحسنة: عندما يرى الموظفون أن مديرهم يكرس وقتاً لتعلم شيء جديد فإنهم يتشجعون على فعل الشيء نفسه مما يعزز لديهم حب التطوير والتعلم زيادة المعرفة.ـ توفير الفرص: يجب على المدير أن يوفر لموظفيه فرصاً للتعلم سواء كان ذلك من خلال الدورات التدريبية أو ورش العمل أو حتى مجرد تخصيص وقت لتبادل المعرفة.ـ تقديم التغذية الراجعة: التغذية الراجعة البناءة هي أداة قوية للتطوير يجب على المدير أن يتعلم كيف يقدمها بفعالية لمساعدة موظفيه على النمو.
ثالثاً: التطوير الذاتي للموظفين يساهم في تحقيق أهداف المؤسسة:
يقول جون ماكسويل: "الناس هم أثمن أصولك، كلما زاد استثمارك فيهم، زادت المكافآت التي ستحصل عليها"، فالموظفون هم عصب المؤسسة ومحركها، فعندما يطور الموظف من قدراته فإنه لا يزيد من قيمته المهنية فحسب بل يساهم أيضاً في تحقيق أهداف المؤسسة بشكل مباشر وذلك من خلال:1. تحديد الأهداف المهنية:ـ معرفة نقاط القوة والضعف: هي الخطوة الأولى نحو التحسين يجب على الموظف أن يقيّم نفسه بصدق ليعرف المجالات التي تحتاج إلى تطوير.ـ وضع خطة شخصية: يجب على الموظف أن يحدد أهدافه المهنية بوضوح، ما هي المهارات التي يرغب في اكتسابها؟، ما هو المنصب الذي يطمح الوصول إليه؟2. استغلال الفرص المتاحة:ـ الاستفادة من برامج التدريب: يجب على الموظف أن يستفيد من أي برامج تدريب تقدمها المؤسسة.ـ التعلم من الزملاء والخبراء: يمكن للموظف أن يتعلم الكثير من زملائه الأكثر خبرة، ومن خلال طلب الإرشاد من المدير أو الموجهين، أو الخبراء في مجال العمل.ـ تولي مهام جديدة: التطوع لأداء مهام خارج نطاق عمله المعتاد يساعد الموظف على اكتساب مهارات جديدة وتوسيع خبراته، والمشاركة الحيوية في اللجان وفرق العمل المتخصصة.3. تبني عقلية النمو:ـ التعلم من الأخطاء: يجب أن ينظر الموظف إلى الأخطاء على أنها فرص للتعلم والتحسين، وليس كفشل.ـ القراءة والاطلاع: يجب على الموظف أن يخصص وقتاً للقراءة في مجاله وأن يتابع أحدث الأخبار والتطورات المهنية.ـ الاستفادة من التكنولوجيا: هناك العديد من المنصات التعليمية عبر الإنترنت التي تقدم دورات في مختلف المجالات يمكن للموظف الاستفادة منها لتطوير مهاراته.
رابعاً: كيف تدعم المؤسسة التطوير الذاتي؟
يقول ستيف جوبز: "وظيفتي ليست أن أكون لطيفاً مع الناس. وظيفتي هي أن أجعلهم أفضل. فمسؤليتي هي أن آخذ هذه المواد الرائعة التي لدينا، وأن أدفعها إلى الأمام، وأن أخلق شيئاً يجعل العالم أفضل"، فالتطوير الذاتي ليس مسؤولية الأفراد وحدهم بل هو مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسة، فيجب على المؤسسة أن تخلق بيئة داعمة للتطوير والارتقاء والتجديد.ـ توفير الموارد: يمكن للمؤسسة أن توفر ميزانية للتدريب أو تشترك في منصات تعليمية عبر الإنترنت.ـ برامج التوجيه والإرشاد: يمكن للمؤسسة أن تنشئ برامج توجيهية يتبادل فيها الموظفون الخبرات والمعرفة. ـ الاعتراف والتقدير: يجب على المؤسسة أن تكافئ الموظفين الذين يبذلون جهداً لتطوير أنفسهم، مما يشجع الآخرين على فعل الشيء نفسه.ـ ثقافة ردود الفعل: يجب أن تشجع المؤسسة على ثقافة التغذية الراجعة المستمرة والبناءة، حيث يتمكن الموظفون من الحصول على تقييمات صادقة لأدائهم.
الخاتمة:
يُعد التطوير الذاتي للمديرين والموظفين حجر الزاوية في بناء مؤسسة قوية ومزدهرة، فعندما يستثمر كل فرد في نفسه فإن هذا الاستثمار ينعكس بشكل إيجابي على المؤسسة ككل مما يزيد من إنتاجيتها ويعزز ابتكارها ويدعم قدرتها على التكيف مع التغيرات، لذا، يجب على كل من المدير والموظف أن يتبنى عقلية النمو وأن يرى في التطوير الذاتي التزاماً مستمراً، بينما يجب على المؤسسة أن توفر البيئة الداعمة والموارد اللازمة لتحقيق هذا التطور.
التوصية:
إن النجاح الحقيقي للمؤسسة لا يُقاس فقط بأرباحها بل بقدرتها على بناء فريق من الأفراد الطموحين الملتزمين بالتحسين المستمر ليس فقط من أجل أنفسهم بل من أجل تحقيق رؤية مشتركة.
عن الكاتب
رامي أكرم الغرباوي
كاتب مقالات في التنمية الإدارية