
كيف تُكتسب الحكمة:
الحكمة ضياء القلب، وعمق النّظر، ورشد العمل، هي لبّ الخبرة، وثمرة التّجارب، وغاية معرفة الحقائق، ليست معلومة تحفظ، ولا علماً يقرأ فقط، بل هي نور يلقى في الرّوح، ويهتدي به الإنسان إلى صواب الأقوال، وسداد الأفعال، وحسن التّصرف في شتّى أحوال الحياة.
كيف تكتسب هذه الكنوز، وتسترق هذه الأسرار؟
أوّل مطالعها: توقير العلم وطلبه:
فالعلم بلا حكمة كالشّجرة بلا ثمر، والحكمة بلا علم كالبنيان في الهواء، ومن أراد الحكمة فعليه بمواصلة القراءة، ومصاحبة الكتب، ومجالسة العلماء والحكماء، يستوعب معارفهم، ويتأمّل في أقوالهم، فيستخلص اللبّ من القشر، والجوهر من الحجر.
ثانيها: تأمل التّجارب واعتبارها:
فالحكمة لا تولد في غرف الدّروس وحدها، بل تُستقى من نهر الحياة الجارف، وعلى المرء أن يكون قارئاً لسفر أحداثه، مُستفيداً من خطئه وصوابه، مُتأملاً في عواقب الأمور، وكما قال أحد الحكماء: "الحكيم من وقف عند تجربته، والأحمق من جرَّب ما قد جُرّب".
ثالثها: الاستماع والإنصات:
فالحكمة كالنّدى، تسقط على القلوب الهادئة المُصغية، ومن أعظم مجالس العلم مجلس يسمع فيه أكثر مما يتكلّم، وفي الأمثال: " كفى بالإنصات حكمة".
رابعها: مُخالطة الحكماء:
فكما أن الأرض الخصبة تنبت أزهاراً وأثماراً، كذلك صحبة أولي الألباب تثمر فكراً نيّراً، ورأياً سديداً، وقد قيل: " الحكمة ضالّة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحقُّ بها"، فعلى طالب الحكمة أن يختار جلساءه، فيأخذ من حكمة الحكيم، وتجارب الخبير.
خامسها: الوقف على الذّات ومعرفة النّفس:
فمن عرف نفسه، وأدرك مزاياها وعيوبها، وتعرّف على مكان ضعفه وقوّته، كان أقدر على قيادتها، وتحصينها من الأهواء، وفي هذه المعرفة تكمن أصل كلّ حكمة.
سادسها: التأمل في خلق الله وآياته:
فالنظر إلى السماء المزخرفة بالنجوم، والأرض المزدانة بالأنهار والجبال، وتصرّف الأحياء، يلقّن القلب دروساً في الجلال والإتقان، ويُريه عظمة الخالق، فيستدلّ بالمخلوق على الخالق.
سابعها: الصبر والهدوء:
فالحكمة لا تنزل على قلب مضطرب، ولا تسكن نفساً متسرّعة، والحكيم من يتأنّى في حكمه، ويتثبّت في رأيه، ولا يستعجل بنتيجة قبل أوانها.
وليس من شكّ أن أصل الحكمة ومنبعها هو تقوى الله تعالى، فقد قال في كتابه العزيز: { ومن يؤت الحكمة فقد أُتي خيراً كثيراً }، فإذا اقترن الطّلب بالتّقوى، والاجتهاد بالإخلاص، أثمر الحكمة، وأضاء السّبيل.
فطوبى لمن جعل نصب عينيه نيل الحكمة، فهي الزّاد الأفضل لرحلة الحياة، وهي السّلاح الأقوى في مواجهة صعوباتها، وهي النّور الّذي لا تضيع معه في ظلمات الجهالة طريقاً.