طبيعي أن يكون همك الأول أن تكسب المال وهمك الثاني أن تحوز على استحسان الآخرين وهمك الثالث متعتك وهمك الرابع من تحب وهمك الخامس لا أدري ماذا! لعلك تريد أن تبقيه سرا لنفسك أيه القارئ الكريم وتأكد ألا بأس في ذلك فمن الجيد أن يكون للمرء أسرار يحتفظ بها لنفسه.وبما أن الشهر الفضيل قد حل علينا ضيفا كريما، ورمضان من أعظم الفرص التي تتاح للإنسان للتغيير, وممارسة عبادات وعادات صحية, روحية وجسدية, تكون عونا بعد فضل الله وكرمه في استعادة الإنسان لذاته، والانسجام معها والأنس بها، واكتساب المهارات الجديدة وتنمية القديمة، ما يعزز مكانة الشخص وثقته في نفسه ويشحنه بقوة تعيد له التوازن, وتساعده على مواجهة الحياة بجميع تحدياتها، وتحقيق الأهداف المالية والشخصية والاجتماعية.
لماذا على المرء أن يكسب نفسه أولا قبل كل شيء؟!
أولا: اكتسابك لذاتك يقلل مشاكلك الأسرية : كثير من المشاكل الأسرية, بعد التأمل والتدقيق يكون مردها افتقار أحد أفراد الأسرة للثقة بالنفس, أو معاناته من صعوبة ما في التعبير عن مشاعره أو ...إلخ، وتلك التحديات - أنا لا أحب أن اسميها مشاكل - غالبا ما تكون ناشئة عن صدمات حصلت في مراحل مبكرة ولم تعالج. لذا من المهم أن تستعيد ذاتك, حتى تقل مشاكلك الأسرية تدريجيا مع مرور الوقت، فكل تغيير إيجابي تحدثه في شخصيتك سينعكس إيجابا أيضا على باقي جوانب حياتك.
ثانيا: اكتسابك لذاتك يقلل مشاكلك مع الأصدقاء : كلما أرتفع وعيك, كلما قلت صداماتك وخلافاتك مع الأصدقاء, وزادت فرص اكتساب صداقات أفضل، والاستفادة من الأصدقاء معنويا وماديا, ما يساهم أيضا في ارتفاع جودة حياتك ونموك وتطورك, وبالتالي تحقيقك لأكبر قدر من السعادة والانسجام مع المحيط, ما يلقي أيضا بظلاله الإيجابية على حياتك.
ثالثا: اكتسابك لذاتك يقلل مشاكلك المهنية : التنمية الذاتية تسهم وتعزز بشكل مباشر غالبا في النمو والتطور المهني, فتنوع المهارات والقدرة على حل المشكلات, والقدرة على التأقلم, والصبر والهدوء,وحسن إدارة الخلافات والمنافسة المهنية, صفات مطلوبة من قبل الشركات في السوق العمل, ومهمة أيضا في اكتساب وتطوير العلاقات داخل أي مجتمع مهني, ما يزيد الإنتاجية ويحافظ على الدخل, لا بل قد ينميه!
رابعا: اكتسابك لذاتك يقلل من مشاكلك الصحية : العلاقة بين الصحة الجسدية والصحة النفسية علاقة يمكن وصفها أنها "طردية" فكلما تحسنت الصحة الجسدية كلما انعكس ذلك إيجابا على الصحة النفسية, والتحسن في الصحة بشكل عام, يلعب دورا كبيرا في تحسن الصحة العقلية وقدرة الفرد على التخيل والإبتكار, ويحسن مهاراته الاجتماعية والشخصية, ما ينعكس على جودة حياته ودخله.
خامسا: اكتسابك لذاتك يحسن مستواك المادي والاجتماعي : في ضوء ما سبق, لاشك أن تطورك سواء الروحي أو العائلي او الاجتماعي أو العلائقي, سيلعب دورا بارز في تطور مستواك المادي, وتحسن وضعك أو مكانتك الاجتماعية, ما يعزز من ثقتك في نفسك.
ولكن كيف يمكن أن تكسب ذاتك؟
1- العبادة : لا دنيا بلا دين! نعم عزيزي القارئ, صلاح أمرك في هذه الحياة يبدأ أولا من صلاح علاقتك بخالقك, فإتقانك وخشوعك في صلواتك وعباداتك, مع استحضار النية، والإخلاص في العبادة هو خطوتك الأولى نحو الإتقان والنجاح في عاداتك وحياتك بصفة عامة.
ورمضان فرصتك التي لا بد من اغتنامها لتنمية الجوانب الروحية لديك, وتجديد العهد مع خالقك - سبحانه وتعالى - والتقرب إليه بالطاعات والعبادة مع التأني فيها والتدبر والخشوع, والاجتهاد وملازمة الذكر والاستغفار والدعاء، والصيام والقيام, واستشعار فضل الله سبحانه عليك ورحمته. فتلك أول طريقة لتكسب بها ذاتك أو تستعيدها مجددا من غياهب الجب!
2- القراءة : أول أية كريمة نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد في غار حراء كانت "أقرأ باسم ربك الذي خلق" ولا عجب فالقراءة هي أول طرق التعلم، وهي مفتاح الحضارة، وهي أول أسباب الرزق والتكسب.
ومن يقرأ ويتأمل في سير العظماء والناجحين، يجد أن القاسم المشترك أو العادة المشتركه بينهم جميعا باختلاف مجالاتهم ومهنهم هي عادة القراءة, وفي المقطع التالي يتحدث طبيب القلب الجراح المصري الإنجليزي مجدي يعقوب عن بداية يومه وكيف يبدئه بالقراءة ومطالعة المجلات العلمية في مجاله, فهو لا يعتمد على خبراته ومهاراته التي اكتسبها بالممارسة وأنما يضيف إليها خبرات وعلوم ومعارف اكتسابها بالمطالعة والقراءة.
3- بالتعلم والتدريب والاستفادة من التجارب السابقة : يحتل التعلم والتدريب مكانة هامة في الطرق التي يستطيع الإنسان من خلالها تنمية مهاراتهم وإمكانياته فالتعليم هو حجر الزاوية في عملية اكتساب النفس والآخرين, والتعليم بلا شك لا يأتي ثماره دون ممارسة, وأول تلك الممارسات التدريب, ولا بد في بداية أي مرحلة من الصبر والتحمل على مرحلتي التعليم والتدريب. والتعليم عملية مستمرة لا تقف عند عمر معين أو حدود معينة.
من لا يتحمل ذل التعليم ساعة، بقي في ذل الجهل أبدا
4- بالهوايات : أيضا من الأمور التي تصب في خانة التعليم والتطوير والصحة مسألة ممارسة الهوايات, وهي مسألة يغفل الكثير عنها ويعتقد جهلا أنها مسألة هامشية وغير أساسية، والحقيقة أن الهويات تلعب دورا كبيرا في تنمية المهارات والتطور والنمو واكتساب معارف وعلوم ومهارات جديدة, كما أنها تفتح الآفاق والفرص نحو الفرص البديلة، وتقليل مخاطر الاعتماد على صنعة أو تخصص واحد.
5- بالرياضة : قد يدور في ذهنك صديقي القارئ سؤال: أليست الرياضة هواية فلماذا هي طريقة لاكتساب الذات أيضا؟
نعم الرياضة هوية ولا شك في ذلك، لكن الرياضة روتين وعادة ضرورية، لا يكفي أن تمارسها صديقي القارئ في أوقات الفراغ فقط! لذلك فهي جزء أصيل من يومك ومسيرة نموك على المستوى الروحي والجسدي والعقلي والنفسي لذا فهي بكل تأكيد ليست هواية.
6- الترفيه والبهجة؛ في خضم بحث الإنسان عن ذاته ومحاولة اكتسابها، لا بد عزيزي القارئ من الترفيه عن النفس وإبهاجها، فالغرض من عملية التطور والنمو أن تكون الحياة أكثر جمالا وليس الهدف أن تكون الحياة صارمة بشكل مبالغ فيها أو أن تكون مملة وخالية من أي طعم، فذلك يؤثر على الإنتاجية، وقدرت المرء على تحقيق أهدافه، بل المطلوب هو التوازن بين الجدية والترفيه.
7- بالتأني؛ العجلة تحرمك متعة التجربة! فتأني والتفكير في الخطوة قبل القيام بها، إحدى أهم ركائز اكتساب الذات، لأن معظم الناس ينساقون خلف آراء وتجارب الآخرين، والاندفاع لا شك أنه له تأثير سلبي على معنويات الإنسان وعلى حياته بشكل عام , لأنه دائما ما يعقبوه ندم وشعور بالإحباط واليأس.
قديما قالوا في التأني السلامة وفي العجلة الندامة
وفي الفيديو التالي نصائح عن ضرورة التأني، والتخلص من العجلة والغضب الناجم عنها.
8- بالصبر والإصرار : يقول المدرب ياسر الحزيمي في الصبر "الناس السيئة تختبر قيمك، حتى تعرف هل تصبر ام لا، هي تربيك، وأنت حين يأتيك أحد يريد أن يسحبك إلى منطقته، لا تذهب، لأن السيء جدا -أجلكم الله- مثل الخنزير عندما تدخل معه في منطقته في الوحل ستتسخ أنت بينما يستمتع هو، أنت لا تستطيع أن تفوز عليه، لأن تلك هي منطقته، فالأفضل ألا تذهب إليه".
إذا سألت أي شخص تقابله هل لديك أحلام سوف يجيبك بكل تأكيد، نعم! وإذا سألته هل حققتها أو حققت جزء منها سوف يبدأ على الفور بإلقاء اللوم على الظروف والعقبات، ويشير إليها بأصبع الاتهام أنها كانت السبب الرئيسي في تخليه عن جميع أحلامه أو لربما بعضها، ولو سألته هل تشبثت بها؟ سوف يعاود الكرة مرة أخرى ولربما ألقى اللوم هذه المرة على الأهل والأصدقاء والمجتمع، وغياب الدعم، ..إلخ.
لكن عزيزي القارئ لا أذكر أني قرأت أو سمعت قصة لشخصية توصف بأنها ناجحة في أي مجال من مجالات الحياة إلا وكانت هذه الشخصية تتحلى بقدر كبير من الإصرار والعزيمة.وفي ذلك قال المتنبي "لولا المشقة ساد الناس كلهم ، الجود يفقر والإقدام قتال".
الرجل هو من يعلم أنه مغلوب، ويستطيع أن يغوص في أعماق روحه ويستخرج منها قوة إضافية ليفوز في المباراة
ومن التجارب الملهمة العديدة لأناس تشبثوا بأحلامهم بإصرار وعزيمة رغم الظروف، واستطاعوا النجاح والوصول، تجربة النجم والممثل والمخرج ظافر العابدين وفي مقطع الفيديو هذا يحكي تجربته قبل الشهرة.
9- لتكون لديك قدوة "Social Modeling"؛ أيضا من أهم الطرق التي تساعدك في اكتساب ذاتك والنمو، أن تبحث عن الأشخاص الناجحين في المجالات التي تهمك أو تمس حياتك للاستفادة من تجاربهم والاطلاق من حيث انتهوا، بدلا من أن تخوض أنت غمار التجربة من الصفر مرة أخرى! فذلك الخيار سيكلفك خسارة وقتك وجهدك ومالك.
10- سحر العطاء : يعلمونك كيف تأخذ، لكن لا يعلمونك كيف تعطي! رغم أنك لا تأخذ حتى تعطي، وهذه طبيعة الحياة. كما أن العطاء علاج للأمراض العضوية والنفسية.
والتجارب الجميلة للشخصيات المعطاءة كثيرة وقد لا يتسع المقام لذكرها، لكن من التجارب الجميلة لشخصيات اتخذت من العطاء مصدر للسعادة والمتعة، واصبحت تمارسه بحب وإصرار وبدون قيد ولا شرط، تجربة الجراح المصري العالمي د.مجدي يعقوب، وفي الفيديو التالي يصف شعوره بالسعادة الغامرة لممارسته العمل الإنساني من خلال مهنته مهنة الطب.
عن الكاتب
khawla Al Hafiz
مستشارة وكاتبة حرة