أحب أن أكون قارئا، لكن كيف أبدأ ؟ماذا ومتى أقرأ؟ وكيف أشجع طفلي على القراءة؟

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولبعد المقال الذي نشرته سابقا في المنصة عن الدخول لعالم القراءة ، جاءتني العديد من الأسئلة عن إقتناء الكتاب الأول ، كيف أختار كتابا يعجبني وغير ممل ليكون محفزا على الاستمرار في درب القراءة، ومتى يجب أن أقرأ ويومي متخم بالواجبات والأعمال التي لا تنتهي؟ ، وأيضا العديد من الأمهات سألنني عن محاولة إقناع أطفالهم بالقراءة إن كانت ممكنة في هذا الزمن ، وبناءا عليه أحببت أن أتحدث في أربع نقاط تشمل الأسئلة التي وردتني في هذا المقال . أتمنى لكم المتعة والفائدة.

سيكون المقال مقسم لأربع نقاط بالتسلسل
1) كيف أختار الكتاب المناسب
2) كيف أكون علاقة مع الكتاب ، مع النص
3) متى أقرأ (الاوقات المناسبة للقراءة)
4) كيف أجعل طفلي يعتاد القراءة
"ما تطَعمتُ لذّةَ العيشِ حتى، صِرتُ في وحدَتي لكتبي جليسا". البوصيري
1) كيف أختار الكتاب المناسب
كما ذكرنا في مقالنا السابق عن القراءة، أول شيء نقترحه هو أن تبدأ بكتب من مجال أو نوع تحبه ويثير اهتمامك، وأقترح شخصيا أن تذهب بنفسك إلى المكتبة وتدع بصرك يجول بحرية بين كل الكتب والعنوانين المختلفة، وانظر بعناية لكل ما قد يلفتك ويجذب انتباهك. حسن جدا إن استطعنا أن نأتي بك الى مكتبة وندعك تختار ما تريده من مجال أو كتاب بعينه، لكن بالطبع لن ندعك تفسد ذلك باختيار خاطئ . "يا إلهي هل هناك اختيار خاطئ؟؟ " ، مجازيا ، نقول أنه خاطئ بمعنى أنك قارئ مبتدأ وتريد خوض التجربة للمرة الأولى، وربما لديك بعض التردد من أن يعتريك الملل، فهل من الصواب أن ندعك تختار رواية بطول 650 صفحة؟ أو ندعك تبدأ بالأدب الروسي الدسم مثال دوستوفسكي؟ أو نعطيك مجلدا عن اللغة أو الدين يتخطى 700 صفحة متخمة بالكلمات لا فراغ فيها؟؟ هذا يجانب الصواب طبعا ، وحتما سوف يجعلك تنفر من القراءة عموما، لأنك بداية لن تصبر على قراءة أكثر من 6 صفحات متتالية ، وستبقى تنظر كل خمس دقائق إلى ما أنجزت وكم بقي من الكتاب (الحركة المعتادة لدى القارئ غير الصبور) . فتخيل أنك قد قرات 6 صفحات من كتاب كثير الصفحات ومللت قليلا، تنظر للكتاب فتجده ما يزال كبيرا كما هو فتصاب بالإحباط وتتوقف. لذا من الحكمة أن تبدأ بشيء بسيط لا يتجاوز 150 صفحة، ويكون سلسا متناغما على عقلك وفهمك، ومن ثم حين يصبح الأمر متعة لعلقلك ، فإنه سيطلب منك أدب أرقى وساعات قراءة أطول وكتب أجمل ، لكن في البداية ابق مع الكتب البسيطة والصغيرة، وامش على قاعدة 3 صفحات يوميا ،أي 21 صفحة في الأسبوع، وهذا يعادل كتابا كل شهر وأسبوعين ، وإن توسطنا في عدد الصفحات فهذا يعني كتابا كل شهر ، وكلما زادت سرعتك زاد عدد الكتب وقلت المدة.
2) كيف أكون علاقة مع الكتاب ، مع النص؟

تقول الروائية الكويتية بثينة العيسى : "الشخصيات داخل الأعمال الأدبية تعمل بمثابة مرايا سرية مدفونة في النص ، فإن القارئ حين ينقبض قلبه من شخصية أو ينزعج انزعاج شديد ولديه وعي ذاتي داخلي، سيسأل نفسه : لم تضايقت؟ ما المناطق المظلمة التي أضاءها بداخلي هذا الكتاب؟". للروايات والنصوص تأثير أكبر مما يعتقد الكثيرون، وكذلك الكتب العلمية بلا شك ، لكن الأخيرة تأثيرها يكون فكريا أكثر، أما النصوص والروايات السرد، فإنه يحفز الخيال والعاطفة والتفكر بالإنسان وطرق تعبيره، وأحيانا تجعلك تكتشف أشياء في داخلك لم تكن مدركا لها من قبل، أو تكتشف في الحياة زوايا تفكير وشخصيات ما كنت لتعرفها أبدا، لأن أنماط الشخصيات المحكي عنها في الكتب قد لا يتسنى لنا حوارها في الواقع والاطلاع على طريقة تفكيرها ونظرتها للأمور. أن تجالس فكريا عددا لا بأس به من الناس ساردين كل شيء عن خبراتهم وقصصهم وبعض ما مروا به ، تخيل مدى إتقاد عقلك وتحفز خيالك وإسقاط آرائك ونظرياتك على المحكي أمامك؟ إنه بالضبط ما نفعله عندما نقرأ، وأنت مستمتع في القراءة تجد نفسك قد شردت وتفكرت بموقف مشابه لما تقرأ ، وتذكرت رد فعلك حينها وقارنته بالمكتوب أمامك، وحللت واستنتجت ما كان يجب فعله وما لم يتوجب فعله، نعم، إلى هذا الحد قد تكون الروايات صاقلة للعقول وحتى للتجارب، لذلك لست أشجع من هم ضد قراءة الروايات ويدعون لقراءة الكتب العلمية والدينية فقط، كل له فائدته، فلا شك أن النصوص المكتوبة لغرض الوصول للقلوب والعقول ليست أقل فائدة وتأثيرا فينا. لذا فلتعلم أن هناك رابطة نفسية ستنشأ بينك وبين ما تقرأ ، ولهذا السبب أقول دع عقلك يختار ما يرى فيه لمعانا خاصا يلفته، على الأرجح هذا الكتاب الذي لفتك، هو ما سيؤثر فيك التأثير الصحيح.
3) متى اقرأ (الاوقات المناسبة للقراءة)

متى أقرأ؟ هذا السؤال يشبه أن تسأل "متى آكل وجباتي"؟ ماذا أرتدي؟ كيف أزين نفسي؟ " كلها أسئلة تعتمد في إجابتها على ما يناسبك أنت وليس سواك، فهناك من يأكل وجبته الأساسية في الصباح ولا أعترف مطلقا على الطعام في الليل ، وآخر وجبته الأساسية ليلا وهذا يناسبه جدا. لذا ، نقول في وقت القراءة أن تختار ما يريحك أنت ، اختر الوقت الذي تشعر فيه أنك جلست مع الكتاب ولست مترقبا لتركه في أي لحظة لتلبية نداء أو حاجة ما، أن تكون مرتاحا ببساطة.
وهنا يثار سؤال : هل هناك توقيت يعتبر الأفضل للقراء عموما؟؟ في الواقع نعم، وأنا شخصيا من رواد هذا التوقيت وهو ليلا قبل النوم، إذ يكون المرء قد انتهى من واجباته وجلس لراحته وراحة عقله من أعباء اليوم، والأخير هو الأهم، فيكون عقلك مستريح تماما غير منشغل بما يقاطعك عن قراءتك ، وهذا بحد ذاته ما يجعله أفضل توقيت للقراءة.
4) كيف أجعل طفلي يعتاد القراءة

ليس من السهل أبدا أن نحول اهتمام أطفالنا عن الشاشات وفيديوهات الأطفال ذات الألوان الزاهية كثيرة الحركة كما حبات الفشار، أنا شخصيا تلفتني وبشدة، فكيف إذا الطفل الذي يأخذه هذا الزهو إلى حيث متعته تماما؟ حسنا إنه صعب ولكنه ليس مستحيل . بداية ، لابد لنا أن نبدأ بإبعاد أطفالنا عن الهواتف تدريجيا ، وللأمانة أنني شخصيا لا أنصح بإعطاء الهواتف للأطفال بالمطلق منذ بداية وعيهم وطلبهم له، لكن ذلك لا يطبق مع الجميع بالطبع ولذلك لابد لنا من التحدث في الحل الآن وليس الندم على ما لم يطبق، إذن في البداية علينا أن نستبدل الهاتف شيئا فشيئا بكتاب ألوانه مبهجة وزاهية، كتاب يكون غير خاسر إذا قارنه الطفل بالشاشات التي تركها، ثانيا وكما الكبار، المكافأة، لا شيء يمكن أن يحفز الطفل ويشجعه كالمكافأة، فعندما ينهي كتابا ويأتي إليك ليحدثك بفحوى الكتاب وما تعلم منه كافئيه بشيء مجز، وبهذا الشكل لن يتردد أبدا بالبدء في قراءة كتاب ثان وثالث . وهكذا حتى يعتد الأمر ويستمتع به، وثالثا وهو ما أؤكد عليه دوما هو لسان حال الأهل، لا يمكنك أن تجعلي أطفالك يتخذون عادة ما وأنت بعيدة عنها كل البعد، والاعتماد عليك عزيزتي الأم في ذلك أكثر من الأب ، لأن الطفل يقضي معك من الوقت أكثر مما يقضيه مع أباه ، مما يؤهله لأخذ الصفات منك بشكل أكبر، لذلك إن كان لسان حالك أمامه هو القراءة وحمل الكتاب أكثر من الهاتف ، فلابد أن ذلك سيصبح ديدنه أيضا، الطفل لا يعي حين يقلد أهله إن كانوا على صواب أو خطأ ، يقلدهم وفقط.
خاتمة
أتمنى من قلبي أن يحدث هذا المقال البسيط ولو أدنى تأثير لدى الشباب العربي وكذلك بين الأهالي للتأثير المباشر بأطفالهم ،فكلي أمل أن نرى عدد رواد المعرفة يزداد يوما بعد يوم ، وأن أرى الجيل الجديد أقل مقاومة لهذا المسار الثقافي والأصيل، لأننا لن نرتقي مستقبلا إلا بالأجيال الصاعدة ، فهي ذخر الأمم وأملها بالتغيير على الدوام.