الحلقة الأولى: الظل في المرآة

كانت رائحة الغبار والمعادن الباردة هي العطر الدائم لقبو "الوكالة". وقف يزن سلمان أمام شاشة العرض العملاقة، صور التقطتها الأقمار الاصطناعية تنتقل بسرعة مذهلة، كل صورة تمثل لغزًا، وكل لغز يقربهم من الهاوية. كان وجه قائده، اللواء فاروق، مشدودًا، عيناه لا تفارقان الشاشة.
"الهدف في الطابق السفلي، مبنى الإدارة القديم. المعلومات تشير إلى وجود وثائق حساسة للغاية حول 'مشروع أطلانطس'".
"مشروع أطلانطس"، الاسم الذي كان يتردد همسًا في أروقة الوكالة، أسطورة أكثر منه حقيقة. مشروع سري من الحرب الباردة يهدف إلى صنع "الجندي المثالي" – إنسان بلا خوف، بلا شك، بلا ضمير. آلة قتال كاملة. كان يزن يعتقد أنه مجرد خيال، حتى هذه اللحظة. —
"فهمت، سيدي." كان صوت يزن ثابتًا، يخفي وراءه عاصفة من التساؤلات.
"اذهب بمفردك، يزن. هذه المهمة فوق مستوى الفرق الأخرى."
خرج يزن من القبو، متجهًا إلى غرفة التجهيز. كان يشعر بثقل المسؤولية، لكنه كان واثقًا من قدراته. كان آنذاك في قمة لياقته، عقله سيف ماضٍ، وجسده آلة مصقولة. لم يكن يعلم أن هذه الثقة ستكون نقطة سقوطه.
انطلق في سيارته السوداء نحو مبنى الإدارة المهجور في ضواحي المدينة. كان الليل قد أرخى سدوله، وكان المبنى المهجور يشبه وحشًا خرسانيًا نائمًا. تسلل يزن عبر فتحة تهوية مغلقة منذ سنوات، حركته دقيقة، أنيقة، لا تترك أثرًا.
في الطابق السفلي، وجد ما كان يبحث عنه: غرفة خزانة حديدية ضخمة. فتحها بمزيج من المهارة والتقنية التي وفرتها له سمر من على بعد. في الداخل، لم تكن هناك أوراق أو ملفات. كان هناك فقط كمبيوتر محمول قديم وقرص صلب خارجي.
وفي تلك اللحظة بالضبط، انطفأت الأنوار.
لم يكن انقطاعًا عاديًا للتيار. كان الظلام دامسًا، مطلقًا، وكأن شيئًا ما ابتلع الضوء نفسه. سمع يزن همسات سريعة عبر جهاز الاتصال، ثم صمت مطبق. حاول الاتصال بالقاعدة، لا مجيب.
ثم سمع الخطى.
لم تكن خطى إنسان. كانت ثقيلة، منتظمة، معدنية تقريبًا، تقترب منه في الظلام. أشعل يزن كشافًا صغيرًا ملحقًا ببندقيته. شعاع الضوء قطع الظلام ليكشف عن ظل... شيء... لا يشبه أي إنسان رآه من قبل. طويل القامة بشكل غير طبيعي، أكتاف عريضة، وحركته آلية، كأنه روبوت.
رفع يزن سلاحه. "قف! من أنت؟"
لم يكن هناك رد. فقط استمر الظل في التقدم. أطلق يزن رصاصة تحذيرية. في لمح البصر، كان الظل قد اختفى من مجال الرؤية ثم ظهر على بعد قدمين منه. ضربة سريعة كالبرق، لم يرها يزن coming، أصابت يده ودفعت السلاح بعيدًا.
دار قتال قصير ومروّع في الظلام. كان يزن يقاتل بأقصى ما يستطيع، لكن خصمه كان أقوى، أسرع، وكأنه يعرف كل حركة سيقوم بها قبل أن يفكر فيها. ضربات يزن كانت تبدو وكأنها تصطدم بجدار من الصلب. في النهاية، كانت ضربة قاضية على رأسه أطاحت به أرضًا.
قبل أن يفقد الوعي، رأى الظل يأخذ الكمبيوتر المحمول والقرص الصلب، ثم التفت نحوه. في الظلام، لم يستطع يزن رؤية وجهه، لكنه رأى شيئًا واحدًا بوضوح: عينان ت emanate منهما ضوء أزرق باهت، خالٍ من أي أثر للإنسانية.
ثم سمع صوتًا واحدًا، مجلجلًا في صمته، قال كلمة واحدة فقط: "بداية".
استفاق يزن في المستشفى. اللواء فاروق واقف عند قدمي السرير، وجهه عابس.
"ماذا حدث، يزن؟"
"كان هناك... شخص. لم يكن طبيعيًا. أخذ الوثائق."
"لا يوجد أحد، يزن. المبنى كان فارغًا. نظام الإنذار تعطل فجأة، وفريق الدعم وجدك أنت فقط، فاقدًا للوعي، والغرفة خاوية."
"لكنني رأيته! قاتلته!"
"الفحوصات الطبية لا تظهر أي أثر لقتال. أنت تقول أنك قاتلت كائنًا خارقًا ولم يترك على جسدك سوى كدمات بسيطة؟"
- {"content":"","items":[]}
كان يزن يشعر بالإحباط والغضب. كان يعرف ما رآه، ما حدث له. لكن الأدلة كانت ضده.
بعد أسبوع، كانت جلسة التحقيق. لقد أضاع وثائق ذات حساسية قصوى، وتسبب في فشل ذريع للمهمة. الثقة التي بناها على سنوات من العمل تبددت في ليلة واحدة. قرار اللواء فاروق كان قاسيًا، لكنه متوقع: "الفصل من الخدمة. بشكل نهائي."
خرج يزن من مقر الوكالة للمرة الأخيرة، حاملاً صندوقًا صغيرًا يحتوي على ممتلكاته الشخصية. العالم الذي عرفه، الهوية التي كرّس حياته من أجلها، كلها انتهت. تركته سيارته الأجرة عند شقته المتواضعة. صعد الدرجات وكأنه يحمل جبالاً على كتفيه.
دخل الشقة، وأغلق الباب خلفه. المكان كان مظلمًا، مليئًا بظلال ماضيه. تقدم ببطء نحو المرآة في المدخل. نظر إلى الانعكاس الذي يراها. عينان عليهما هالات سوداء، جسد منهك، وروح محطمة.
لكن في أعماق تلك العينين، كان هناك شيء آخر. شرارة. شرارة من التحدي.
همس بكلمات كانت بمثابة قسم جديد له في الحياة: "لن أنسى ما حدث. وسأثبت أنني لم أكن مجنونًا. سأجد الحقيقة. وسأجده."
في الزاوية المظلمة من الغرفة، على طاولة صغيرة، كان هاتفه يهتز. اسم "سمر" يلمع على الشاشة. كانت هي الخيط الوحيد الذي يربطه بعالمه القديم، الشخص الوحيد الذي صدق روايته.
التقط الهاتف.
"أخبرني أنك لن تفعل شيئًا غبيًا." قال صوت سمر المليء بالقلق.
"أنا أفكر في شيء أذكى." رد يزن، وعيناه مثبتتان على انعكاسه في المرآة. "بدأت اللعبة، والآن حان دوري للتحرك."
في الظلام، بدأت شرارة التحدي في التوهج. الرائد يزن سلمان استعد لقد اشتعل حماسه
ولن يهدأ حتى يتمكن من كشف السر
سر مشروع أطلانطس
الحلقة القادمة
📚 المراجع
مشروع أطلانطس(الحلقة الثانية)
كان الظلام الذي يلف الشقة منكّراً لوجود يزن، لكن صفارة هاتفه كانت تثقب هذا الصمت كإبرة ملتهبة. نظر يزن إلى الشاشة تتلألأ باسم "سمر" وكأنها
تصفح المرجع ↗