كنبة محامية (1) أمومة

سلسلة كنبة محامية 

بقلم/سارة خماش الزهران

أمومة

قصة واقعية ترويها محامية سعودية عن أم خاضت معركة الحضانة بشجاعة ودموع.

حين تنكسر الأمومة أمام القانون 

همست هديل بصوتٍ مبحوحٍ يئنّ كما يئنّ طائرٌ جريح،طفلتي... روحي وجزءٌ مني، نُزعت مني لمجرد أنني ارتبطت."

ثم سكنت قليلًا، كأنها تُصغي لفراغٍ يجيبها،وبعد أن غالبت ارتعاشها، تمتمت:  

"طفلتي ذات الأعوام الأربعة، صدر حكمٌ بنزعها من أحضاني، لتعيش مع والدها في مدينةٍ بعيدة، غابت كفوفها الصغيرة التي كانت دِفئي،و ضحكتها التي كانت كنعيم معجل ."

وجع الغياب

كانت هديل تؤمن أن الأمومة لا تفنى، وأنها جذورٌ ضاربة في الخلود، لكن لحظةَ الفقد نسفت يقينها.  

أحسّت كأن بعضَها يخاصم بعضَها، وكأنّ الحياة تُطفئ في داخلها ما كان يُسمّى بالأبدية فالأمومة لاتتحمل الغياب لاتتحمل الغياب المبكر على الأقل.

لم يعرف والد الطفلة عنها سوى اسمها وطوال الأربع سنوات لم يسبق أن طلب رؤيتها وزيارتها، ولاحتى باتصال هاتفي إن شق عليه مسافة الطريق،لا يعرف رعشةَ صوتها حين تخاف، ولا حكاياها الصغيرة قبل النوم،وليته عرفها... لربما خفف ألم الأم ولو قليلاً."

ملاذ إلى العدالة

رفعت هديل رأسها نحو المحامية، وقالت بنبرةٍ تكاد تُسمَع من بين دموعها:  

 "لا أعلم كيف جئت، ولا كيف حملتني قدماي إليكِ، لكني أريد ابنتي... أرجعيها لي."

اقتربت المحامية منها، أمسكت بيديها، وقالت بصوتٍ مطمئنٍ كظل شجرةٍ في القيظ:  

 "سنجتاز ذلك يا هديل، وستعود زهرتك "زهرة" إلى حضنك، وتزهر أيامك من جديد بإذن الله."

الأمهات... نبض الكون

الأمهات، هنّ النبض الأول للوجود، واليد التي تُعيد تشكيل العالم كل صباح الأمهات لا يُشبههن شيء، ولا يُعوّض عنهن أحد، في تلك الليلة، صار قلب هديل فارغًا كقلب أمّ موسى حين ألقت رضيعها في اليمّ.  

قلب هديل في تلك الليلة صار {فارغاً} كقلب أم موسىى،وصف سيد قطب معنى هذا الفراغ  بقوله: «والتعبير القرآني يصور لنا فؤاد الأم المسكينة صورة حية: {فارغًا}.. لا عقل فيه ولا وعي ولا قدرة على نظر أو تصريف!»*

بين الصبر والحكم

كانت هديل مستعدةً لأن تُكمل طريق الانفصال لتستعيد طفلتها، لولا أن ربط الله على قلبها صبرًا حتى جاء يوم الجلسة.  

في المحكمة، وقفت المحامية بثباتٍ هادئ، تُلقي كلماتها كمن يُعيد ترتيب الموازين.  

استعرضت وجع الأيام الماضية، وأكدت على حق الجدة في الحضانة، مستندةً إلى المادة (79) من نظام المرافعات الشرعية.  

رُفعت الجلسة، وبدأ الانتظار.  

كانت الساعة بالنسبة لهديل دهراً بأكمله، تتقافز فيها الذكريات: أول خطوة، أول مناغاة، أول حضن، وأول "ماما" نطقت بها صغيرتها.

دخل القاضي القاعة، ونطق بالحكم:  

 "نقل الحضانة إلى جدة الطفلة لأمها."

غمر الدمع عيني هديل، وشكرت المحامية كما لو أنها أهدتها الحياة من جديد.

ختام وتأمل

في كل قضية حضانة، أمٌّ تُختبر إنسانيتها بالانتظار، وطفلةٌ تتعلّم مبكرًا أن الدفء ليس دائمًا في البيوت، بل في الأحضان.  

العدالة الحقة لا تُكتب في الأحكام وحدها، بل في العيون التي تبكي فرحًا بعد أن تستعيد ما خُلق لها بالفطرة.  

إنصاف الأمهات ليس منّةً، بل حفظٌ للنواة التي يبدأ منها العالم. فالأمومة ليست حقًا منح، بل رسالةٌ تُكتب بالرحمة، وتُتلى بالعطف، وتُختتم بالحب الذي لا ينقطع.

📚 المراجع

في ظلال القرآن - سيد قطب : Yedali : Free Download, Borrow, and Streaming : Internet Archive

الكتاب: في ظلال القرآن المؤلف: سيد بن قطب بن ابراهيم الشاذلي لسيد بن قطب بن ابراهيم...

تصفح المرجع ↗