عن كتاب ليلة هروب الأسد (حكايات بين النهيق والتصفيق)

هل حقاً هرب الأسد أم أنه لا يزال بيننا.

- ليلة هروب الأسد

في الثامن من شهر كانون الأول لعام 2024، شهد العالم بأسره لحظة ولادة جديدة لسوريا جديدة بدون العائلة التي سيطرت على الحكم والشعب منذ ما يزيد عن خمسة عقود. وكانت لتلك الساعات لذة ما زال السوريون حتى اللحظة يتلمظون عليها. لكن الكاتب السوري مصطفى المفتي كان له رأياً آخر، حين قرر فور سماعه إعلان تحرير دمشق، أن يوقف طباعة كتابه ( حكايات بين النهيق والتصفيق) والذي كان قد دخل فعلاً طور الطباعة عبر دار شفق للنشر والتوزيع في مصر، وعمل على تغيير الغلاف وعنوان الكتاب، وتغيير أحدث قصة كانت خيالة عن ليلة التحرير، والتي كانت تحمل عنوان { الفأر الفار} ، والتي تدور حول فرار الجرذ الكبير من جحر الفئران، التي تحكم عالم الفراشات، كما كانت القصة المتخيلة.

- فن التكّويع

وصف الكاتب عبر التغيرات التي أحدثها في قصته الأولى في الكتاب، والتي حملت لاحقاً عنوان ( ليلة هروب الأسد) الحالة الاجتماعية للناس عبر بطل القصة يزن، والذي بدوره – اي البطل، تكلم عن عائلته المقربة وكيف تحولت بين ساعة وأخرى إلى معارضين قديمين وثورجيين يتغنون بأهداف الثورة وكأنهم عايشوها منذ اندلاعها.

حكايات بين النهيق والتصفيق 

اختار الكاتب سابقاًّ هذا العنوان لكي يرسم به حكايات ومواقف لم نقف عندها على حد تعبيره حيث قال في ذلك: تلك محطات من حياتنا لم نقف عندها بحجة إتمام الطريق، فأضعنا الطريق وأضعنا حياتنا. حيث حمل الكتاب بين طياته ١٨ قصة قصيرة جميعها تدرج تحت فن الأدب الساخر، بين سياسية واجتماعية، فترات مختلفة جميعها في حقبة الحزب الحاكم أنذاك. وهنا يتجلى المعنى الحقيقي لعنوان الكتاب، وقد أسقط النهيق على محاضرات الحزب وخطبه، وقد أسقط التصفيق على مجاراة الشعب لهذا الحزب خوفاً من بطشه. اختار الكاتب في طريقته لكتابة القصص، الاسقاط المباشر وغير المباشر لبعض المواقف والشخصيات، وبعضها أيضاً كان غامضاً لم يُعرف من المقصود، وقد تركها الكانب لنفسه، أو لعله كان يقصد بها مجموعات مختلفة من الأشخاص. أما الإهداء فقد تغير أيضاً مع التغيرات التي طرأت على الكتاب، ليصبح في صفحتين منفصلتين، واحدة لروح الشهداء الذين قضوا في السجون دون أن يعلم بهم أحد، والآخر خصصه للأبطال المحررين الذي دخلوا دمشق معلنين النصر على طاغوت هذا الزمان.

الإهداء

جاء في إهداءه: إلى المتكورين حول أجسادهم يتلقون أسواط الجبناء بصدورهم وأجسادهم العارية، إلى الذين دفعوا حريتهم ثمناً لحريتنا، والله لا نوفيكم حقكم لو تحدثنا عنكم ألف عام... سامحونا. وجاء أيضاً: الساعة الآن السادسة وثمانية عشر دقيقة صباحاً بتوقيت دمشق... هرب الأسد وانتصرت صرخات الثوار. إهداء خاص إلى رجال إدارة العمليات العسكرية في سوريا... شكراً لكم.

السخرية من قصص الآخرين

قد أوضح الكاتب في مقدمة كتابة أنه قد تطفل على معاناة الآخرين وأحزانهم وقصصهم، ولكن ليس للسخرية وإنما ليعطي درساً للذين لم تطحنهم الحياة بعد، وقد أوصى في نهاية مقدمته، أن يدعو له القارئ أن يصبح لديه وطن كما أصبح لهذا الكتاب وطناً في رفوف المكتبة، ثم عدلها لاحقاً ليصرخ من أعماق قلبه على ورقه قائلاً: أبشركم قد اصبح لدي وطن. وهنا نرى أن الكاتب كان قد أنفى عن نفسه صفة المواطن في حقبة الأسد بعد أن حكم عليه بالسجن في بداية الثورة لمشاركته في المظاهرات وانشقاقه عن الدولة حين ترك وظيفته في وزارة الداخلية، ليهاجر بعدها إلى تركيا لاجئاً ثم لاحقا بعد عشرة سنين إلى ألمانيا، وما يزال هناك حتى الآن.

الأدب الساخر في الروايات والقصص 

يعتبر الأدب الساخر من أصعب أنواع الروايات كتابة ومن أجملها قراءة وروي، وذلك لأن الكاتب يقع عليه حملاً ثقيلاً حين يجب عليه أن يعطي الفكرة بطريقة ساخرة مضحكة مبكية، وأن يستخدم الاسقاطات المتنوعة، ويترك المجال للقارئ أن يضحك همساً وهو يبكي في بعض الأحيان. وقد استطاع الكاتب أن يترك انطباعاً جيداً لدى القراء وقد تجلى ذلك واضحاً حين انتهت الطبعة الأولى في غضون أيام قليلة بعد صدور الكتاب. للكاتب أيضاً العديد من القصص المنشورة الكترونيا عبر صفحاته في السوشيال ميديا ولديه أيضاً روايتين، وهما رواية عرب٢٠١١ والتي حضت بشهرة واسعة وتعتبر من الروايات المهمة التي وثقت أحداث الثورة السورية، وأيضا لديه رواية قمر والتي تعتبر أيضاً مرجعاً لبداية الثورة. فهل يا ترى هرب الأسد حقاً بعد أن خلف هذا الدمار وهذه الأوجاع في حياتنا، أم أنه ما زال ملتصقاً بماضي سوريا الذي ربما لا يريد السوريون نسيانه حتى لا تذهب دماء الشهداء وكأنها ماء عابر.

📚 المراجع