
حين سقطت و لم أنهض تماما
لم يكن السقوط فجأة كما يظن الناس…
كان بطيئًا، يشبه الغرق في ضبابٍ ناعمٍ لا يُرى،
تتلاشى فيه التفاصيل شيئًا فشيئًا، حتى صرت لا أميز بين التعب والهدوء ولا بين الاستسلام والراحة.
سقطتُ بصمتٍ، وكأن الأرض احتضنتني دون أن تؤذيني، همست لي فقط أن أرتاح قليلًا بعد كل ذلك الركض الذي لم يوصلني إلى أي مكان.
في تلك اللحظة، أدركت أن السقوط ليس النهاية بل مساحة بين ما كنت عليه، وما أحاول أن أكونه.
كنت أنظر إلى يديّ الممدودتين على التراب وأتساءل: هل ينهض المرء حين يتعب، أم حين يتصالح مع سقوطه أولًا؟
لم أنهض تمامًا… لكني لم أبقَ في مكاني أيضًا.
كنت أزحف بخطواتٍ خفيفةٍ على الأرض التي أعرفها جيدًا، أبحث فيها عن قطعة أملٍ صغيرة تكفيني لأبدأ من جديد.
كان في داخلي شيء يهمس: “لا تتعجل النهوض، فبعض الانكسارات تحتاج وقتها لتُعيد ترتيبك.”
رأيت حولي الماضي يجلس على مقعدٍ حجريٍّ وينظر إليّ بشيءٍ من الشفقة.
كان يحمل صوري القديمة، تلك التي كنت أبتسم فيها بثقةٍ زائفة، ويقول لي بعينيه: “ظننتِ أنكِ تعرفين كل شيء.”
ابتسمت له، ولم أجب. فأنا الآن أعرف أن الجهل أحيانًا رحمة، وأن الضياع ليس دائمًا عدوًّا.
الحاضر أمامي غامض الملامح، يمدّ يده كل مرة لأمسك بها ثم يختفي قبل أن أصل.
لكنه رغم قسوته يدفعني للمحاولة من جديد.
تعلمت أن النهوض ليس قفزةً واحدة، بل سلسلةٌ من المحاولات الصغيرة، تبدو بلا معنى في البداية لكنها تصنعنا ببطء، مثل شجرةٍ تنبت من بين الصخور.
أحيانًا أرفع رأسي إلى السماء وأبتسم رغم كل شيء.
ليس لأنني نسيت شعور السقوط، بل لأنني تعلّمت كيف أعيش معه.
صار في قلبي مكان هادئ يشبه الجرح الذي توقف عن النزيف، لكنه ما زال يذكّرني بأنني كنت هناك…
- وأنني ما زلت أتنفّس.
الآن، حين أنظر حولي لا أرى النهاية كما كنت أراها من قبل بل أرى طريقًا آخر يتكوّن شيئًا فشيئًا تحت خطواتٍ مرتعشة، طريقًا لا يعدني بالنور لكنه لا يخيفني من العتمة أيضًا.
لم أنهض تمامًا… لكنني لم أعد كما كنت.
وذلك وحده كافٍ لأسمّيه بداية.
#قصص و عبر#
📚 المراجع
سلسلة متاهة من حياتي-طريق لا أعرفه-
كنت أمشي على طريقٍ لا أعرف ملامحه، تتعثر قدماي أحيانًا، وأتوقف كثيرًا فقط لأتأكد أنني لم أعد إلى النقطة نفسها.
تصفح المرجع ↗قصة بيت صنع المعجزات
كانت هناك فتاة تؤمن أن للبيوت أرواحًا، لم تكن تتحدث عن الجدران أو الأبواب أو النوافذ بل عن تلك المساحة الخفية التي تجمع ما بين
تصفح المرجع ↗