ستاسيا و احلام النجوم

صورة

ستاسيا و أحلام النجوم

الليلُ — وقتُ راحةٍ لكل من في هذا العالم.

في السماء تتناثر النجوم من مكان سحريٍّ كالرذاذ، ويُضاء المصباحُ السماويُّ الكبير — القمر.

ينظر القمر إلى الأرض من الأعلى، فهو دائمًا يعلمُ أيّ الأطفال قد خلد إلى النوم وأيّهم ما زال مستيقظًا، إذ يرى بوضوح الغرف التي لم يُطفأ فيها النور بعد.

يقضي القمر ليلته يراقب السماء، كي لا تعبث النجوم، بل تصطفّ في نظامٍ بديع، مُشكّلةً صورًا عجيبة — كالكوكبات. وإن رأى القمرُ طفلًا يسهر طويلًا ولا يريد النوم، أرسل إليه نجمةً صغيرة لتُعينه على الغفو، إذ تملك النجوم غبارًا سحريًّا يُنثر الأحلام.

في نافذةِ تلك الصغيرة، يسطع الضوءُ لليلةٍ ثانية.

«يبدو أنها لا تستطيع النوم، يجب أن نساعدها»، قالت القمرُ لإحدى النجمات اللامعات

«بالطبع، سأحاول النظر من النافذة لأعرف ما الأمر»، أجابت النجمة، ثم طارت إلى الأرض، تاركةً خلفها أثرًا من النور.

طرْق، طرْق، طرْق — همست النجمةُ بصوتٍ رنّانٍ لطيف وهي تطلّ من النافذة.

كانت الغرفةُ الصغيرة مضاءةً بنورٍ كهربائيّ. فيها سريرٌ جميلٌ على هيئة وحيد قرن، وعلى الجدران لوحاتٌ ملوّنة. وفي وسط الغرفة، على بساطٍ أبيضَ ناعم، جلست طفلةٌ شقراءُ الشعر، تضمُّ دُميتها الدُبَّ الصغير وتفركُ عينيها الزرقاوين الصغيرتين. حين سمعت الطَّرْق، رفعت رأسها ونظرت بفضولٍ نحو النافذة.

«أوه، ما هذا؟ » — همست بخوفٍ خفيف وهي تعانق دُميتها بشدة.

«أنا نجمةٌ صغيرة، أرسلتني القمر لأعرف لماذا يظلُّ نور غرفتك مضاءً كل هذه الليالي. »

«مرحبًا أيتها النجمة!» — صاحت الفتاة بفرحٍ واقتربت من النافذة. كانت قصيرةً جدًا، فاعتلت كرسيًا صغيرًا لترى النجمة عن قُرب.

«اسمي ستاسيا»، قالت مبتسمةً.

«ستاسيا، ولماذا لا تنامين؟ » — سألت النجمة متلألئةً.

«لأنني لا أريد النوم! لا أحب النوم! لن أنام!» — قالت بجدٍّ ونفخت خدّيها.

«ولِمَ لا تحبين النوم؟ ألا ترغبين برؤية حلمٍ جميل؟ ألستِ متعبةً من يومك الطويل؟ » سألت النجمة متعجّبة، إذ لم ترَ من قبل طفلًا لا يحب النوم.

«إن نمتُ، فسأفوت كل شيء!» — أجابت ستاسيا بصوتٍ خافت.

«تفوتين ماذا؟ » — قالت النجمة متعجّبة،«فالليل وقتُ نومٍ للجميع — الحيوانات، والألعاب، والبشر، وحتى الأشياء... لا تبقى مستيقظةً إلا النجومُ في السماء، والقمر الذي يراقب النظام.»

«حقًا؟ » — تساءلت ستاسيا بشكّ.

«طبعًا! الليلُ وُجدَ ليستريح الجميع ويستعيدوا قوتهم. ولكن سأخبرك بسرٍّ صغير: في النصف الآخر من كوكبنا... الآن هناك نهار!»— قالت النجمة

«ماذا؟ » — سألت ستاسيا بدهشة، «وهل هناك مكان لا يكون فيه الليل؟ »

«ليس دائمًا، فحين يكون النهار هنا، يحلُّ الليل هناك، والعكس صحيح. » — قالت النجمة

«رائع! أريد أن أذهب إلى تلك “النصف الأخرى من الكوكب” ! ». — قالت ستاسيا

«للأسف، هذا بعيدٌ جدًا، لكن يمكنني أن أقدّم لك شيئًا أجمل» — قالت النجمة

«ماذا؟ » — قالت ستاسيا بعينين متسعتين.

«يمكنني أن أُرسلك إلى أي عالمٍ تشائين... لكن في الحلم وسأجعل دبّك الصغير يرافقك هناك حيًّا يلعب معك ويساعدك. » — قالت النجمة

«نعم! أريد! أريد!» — صاحت ستاسيا و تصفق بيديها.

«إذن، ارتدي منامتك بسرعةٍ واذهبي إلى سريرك. » — قالت النجمة

ارتدت ستاسيا منامتها الوردية المزيّنة بوُحيد القرن، واستلقت تحت الغطاء، متذكرةً في اللحظة الأخيرة دُبَّها الصغير فعانقته بشدّة.

«أنا جاهزة!» — قالت مبتسمةً.

«حسنًا، أغلقي عينيكِ واستمعي إليّ جيدًا... »

«انتظري! لا تعرفين إلى أين أريد الذهاب!»— قالت ستاسي

«فأخبِريني إذًا. » — قالت النجمة

«أنا... أريد أن أذهب إلى... إلى... » — توقفت ستاسي مترددةً. «هل أرسلك إلى النصف الآخر من الكوكب حيث النهار الآن؟ » — قالت النجمة

«نعم! ومع دُبي أيضًا!»— قالت ستاسي بفرحة

ابتسمت النجمة وقالت: «إذن، أغلقي عينيكِ الآن... »

وما إن فعلت، حتى أخرجت النجمةُ كيسها السحريّ ونثرت غبار الأحلام، قائلةً: «تخيّلي أشجارًا خضراءَ ضخمةً تعلوها أربعُ أوراقٍ فقط، وتنمو عليها جوزاتُ جوز الهند، والبحرُ يغسلُ شاطئًا رمليًّا دافئًا، وتطير في السماء ببغاواتٌ حمراءُ بحجم القطط المنزلية، ريشها يلمع بكل ألوان الطيف، والشمسُ تفيض دفئًا لا يُحرق. »

راحت النجمةُ تدور وتنثر الغبار، فتطايرت حبيباته الفضيةُ اللامعة من النافذة، وذابت قرب السرير. حرّكت ستاسيا أنفها الصغير وتقلبت قليلًا، ثم غفت بعمق، تحلمُ بالشاطئ الذهبي وبحره المالح، تلهو مع دبّها السعيد.

ابتسمت النجمة، فقد أدّت عملها على أكمل وجه. وغادرت الغرفة بعدما أطفأت النور، تاركةً فقط ضوء القمر يتسلل من النافذة.

قالت القمر عندما عادت إليها النجمة: «لقد أحسنتِ عملاً. »

فابتسمت النجمة قائلة: «أحببتُ تلك الطفلة، ستاسيا كانت طيبةً وصادقة, منحتُها أجمل حلمٍ أعرفه. »

«وإن رغبتِ، يمكنك مراقبتها من السماء كل ليلة، وإن رفضت النوم ثانيةً، سأدعكِ تذهبي إليها. » — قال القمر

«شكرًا، قمرُنا الجميل, أظن أن ستاسيا تعلّمت كم هو مهم أن ننام في الوقت المناسب. كانت تخشى أن يفوتها شيء، ولم تلاحظ أن الليل قد حلّ لكن بعد حلمٍ كهذا، ستجري إلى سريرها فرِحةً كلّما أضاءت النجوم. »

«ونحن سنكون دائمًا هنا لنساعدها إن احتاجت إلينا.»
— القمر

#قصص أطفال#

#قصص نوم أطفال#

  الكاتبة : سويد منال

📚 المراجع

قصة بيت صنع المعجزات

كانت هناك فتاة تؤمن أن للبيوت أرواحًا، لم تكن تتحدث عن الجدران أو الأبواب أو النوافذ بل عن تلك المساحة الخفية التي تجمع ما بين

تصفح المرجع ↗