
المبعدون إلى كاليدونيا الجديدة (مأساة هوية منفية) -نتائج و أبعاد ثورة المقراني و الحداد- للدكتور الصديق تاوتي، ترجمة الأستاذ الدكتور يحي بوعزيز
مقدمة:
كتاب المبعدون إلى كاليدونيا الجديدة (مأساة هوية منفية) -نتائج و أبعاد ثورة المقراني و الحداد- للدكتور الصديق تاوتي، ترجمة الأستاذ الدكتور يحي بوعزيز، يعتبره الدكتور أبو عمران الشيخ يسد فجوة في معارفنا؛ فموضوعه الحقيقي هو تلك المأساة التي عاشها بعض الجزائريين بعد انتفاضة الشيخ المقراني و الشيخ الحداد عام 1871 عندما انتقم منهم النظام الاستعماري الفرنسي بنفيهم إلى جزيرة بعيدة في أقصى شرق المحيط الهادي على بعد اثنتي و عشرين ألف كيلومتر من الجزائر، و كان أغلبهم من القادة البارزين و من المقاومين الأبطال، و كانت هذه الجزيرة أو هذا الأرخبيل يدعى و لا يزال (كاليدونيا الجديدة). و قد تواصل هذا النفي و الإبعاد إلى ثورة الأوراس الغربية عام 1916 خلال الحرب العالمية الأولى.
(كاليدونيا الجديدة)
(كاليدونيا الجديدة)
(كاليدونيا الجديدة)
(كاليدونيا الجديدة)
على بعد اثنتي و عشرين ألف كيلومتر من الجزائر
على بعد اثنتي و عشرين ألف كيلومتر من الجزائر
تشكرات: (الدكتور الصديق تاوتي)
لقد كتبت هذه الأسطر -في المقام الأول- تخليدا لذكرى ثلاثة من أبناء المنفيين الجزائريين رحلوا عنا إلى دار البقاء و هم:
1_ العربي فرانسوا المولود في 1905: "لا، لا أنا لست فرانسوا، أنا العربي ميسوم بلحاج".
2_ شيخة بنت رابح بن عيسى المولودة في 1907: "أجل أنا عربية، أجل أنا مسلمة، نعم ما زلت أصلي. (و كيف تصلين؟) أنا دائما أذكر الشهادة قبل أن أنام".
3_ بن حميش سعيد لويس المولود في 1908: "لقد أوصاني والدي القبائلي الأصل قبل مماته بأن أبقى عربيا، و مسلما و أن أحافظ على التقاليد طالما حييت".
-الصديق تاوتي-
مقبرة "العرب" في نيساديو/كاليدونيا الجديدة (مقبرة إسلامية للمنفيين الأوائل)
I_ الجزء الأول:
1_الفصل الأول: الأسباب الرئيسية لانتفاضة 1871
- احتلال الجزائر: صبيحة الخامس من جويلية 1830، و ابتداء من الساعة 11 صباحا كان الفرنسيون قد وصلوا و انتشروا في شوارع الجزائر العاصمة.
معاهدة الاستسلام: الجزائر ، 5 جويلية 1830
معاهدة الاستسلام: الجزائر ، 5 جويلية 1830 (محتوى المعاهدة باللغة العربية)
- سياسة إبادة الأهالي: لقد أتلف الجنود الفرنسيون كل شيء، و أتوا على الأخضر و اليابس حتى لم يبق للجزائريين ما يقتاتون منه في سياسة إبادة مباشرة أو غير مباشرة خلفت في المدة المتراوحة ما بين 1830 و 1860 ملايين الضحايا، و من بين طرق الإبادة التي اتبعها الاحتلال الفرنسي:
_ القضاء على مصادر الرزق
_ مصادرة المواشي
_ مصادرة الدواب
سياسة إبادة الأهالي: الإتيان على سبل المعيشة
• لقد كانت مدينة الأغواط التي قاومت في معركة طويلة من 21 نوفمبر 1852 إلى 4 ديسمبر 1852 مثالا حيا على تمسك الأهالي بأراضيهم ببسالة و استبسال رغم سياسة الإبادة و الوحشية و التوحش.
معركة مدينة الأغواط، 1852
يقول أوجان فرومنتان في كتابه صائفة في الصحراء: "عندما انتهينا من ردم كل الموتى، أصبحت المدينة صامتة كأنها امتداد للصحراء. فكل الناجين كانوا قد لاذوا بالفرار. و حتى الكلاب هجرت المدينة مرة واحدة... و منذ المساء الأول ظهرت سحب من الغربان و العقبان لا أحد يعلم من أين أتت و لا كيف أتت. و قد ظلت تحلق في سماء المدينة مدة شهر بأكمله، و كأنها فوق ركام عفن كبير، و كانت أعدادها من الكثافة بحيث يجب تنظيم حملات صيد لإبعادها".
أصبحت المدينة صامتة كأنها امتداد للصحراء.
معركة مدينة الأغواط، 1852
معركة مدينة الأغواط، 1852
إبادة مدينة الأغواط، 1852 (عام الخلية)
هولوكوست مدينة الأغواط، 1852 (عام الخلية)
-عمل الكنيسة و البعثات التبشيرية: أراد المطران لافيجري أن يستغل أطفال الجزائريين في ظل المجاعة التي أصابتهم و يربيهم تربية مسيحية، فراح ينشىء المراكز لاستقبال اليتامى في كل النواحي بعد أن تلقى التفويض الكامل من الإمبراطور نابوليون الثالث، و لكن محاولاته و محاولات قساوسته كلها باءت بالفشل؛ فمن بين 140 قسيسا كانوا في منطقة وهران ما بين 1846 و 1866، 29 قسيسا عادوا من تلقاء أنفسهم، و 11 طردوا لارتكابهم أخطاء فادحة. و ها هو أحد الضباط السامين يجس نبض تاجماعت ليعرف حقيقة مشاعر السكان لتكون الإجابة: "إننا لن نتخلى أبدا عن ديانتنا، و لو أن الحكومة أرادت إكراهنا على ذلك فإننا سنطلب منها وسيلة لهجرة البلاد. و إذا لم نجد الوسيلة فإننا سنفضل الموت على أن نعتنق ديانتكم". (أوصديق الطاهر، م.س.ذ، ص10)
المطران لافيجري
إننا لن نتخلى أبدا عن ديانتنا، و لو أن الحكومة أرادت إكراهنا على ذلك فإننا سنطلب منها وسيلة لهجرة البلاد. و إذا لم نجد الوسيلة فإننا سنفضل الموت على أن نعتنق ديانتكم
- المجاعة و الكوارث الطبيعية: ابتداء من سنة 1864 غزت البلاد موجات متكررة من الجراد، و استمرت في الوجود حتى بداية 1866 مما جعل من الوضعية الغذائية كارثية. و في سنتي 1869 و 1870 هجم الجراد على المناطق التي كانت تحت سلطة الباشاغا المقراني، الأمر الذي دفعه إلى قبول سلفيات من المرابين اليهود و بنسبة فوائد تعدت المعقول من أجل شراء البذور اللازمة للفلاحة؛ فالضرورات تبيح المحظورات.
الشيخ محمد المقراني
- الأمراض و الأوبئة: و قد رافق هذه الكوارث الطبيعية تفشي مجموعة من الأمراض و الأوبئة التي لم تسلم منها لا المدن و لا البوادي حيث كان انتشار العدوى سريعا جدا، ففي ظرف شهرين فقط قدر عدد الوفيات ب250000.
عام الشر: جفاف - جراد - أمراض - أوبئة
-مرسوم كريميو: في 24 أكتوبر 1870 صدر مرسوم يقضي بمنح المواطنة الفرنسية لكل يهود الجزائر و بصفة سلطوية أي إلزامية؛ و هكذا قسمت الحكومة الفرنسية السكان الجزائريين إلى فئتين:
_35000 يهودي جزائري: منحتهم المواطنة الفرنسية.
_باقي الجزائريين المسلمين: حكمت عليهم بحد السيف و التهميش و الاحتقار.
إسحاق أدولف كريمييه/ كريميو
-مصادرة أراضي الجزائريين لتوطين المعمرين: اختارت فرنسا سياسة تهجير الجزائريين على طول ال 1200كم الساحلية المقابلة لها و على عمق يتراوح بين 100كم و 150كم إلى الداخل؛ من أجل أن توطن بني عمومتها من الأوروبيين. لقد قررت أن تحول الجزائر إلى مستعمرة استيطانية، ولم تترك للجزائريين إلا الصعود إلى الجبال أو الرحيل إلى الهضاب العليا.
ترحيل الأوروبيين إلى الجزائر من أجل الاستيطان.
أقدام المستوطنين الأوروبيين تطأ أرض الجزائر لأول مرة.
السعادة الغامرة بالوطن الجديد
2_ الفصل الثاني: الحركة الثورية لسنة 1871
يوحي ذكر ثورة 1871 المسلحة باسمين عظيمين هما: الباشاغا المقراني و الشيخ الحداد.
•المقراني: عائلة تحسب على الأجواد و ليس على الزوايا، استقرت بمنطقة برج بوعريريج، و كانت ذات سيادة على المنطقة.
حمل الحاج محمد المقراني لقب باشاغا، كما حمله أبوه عندما مد يد العون لدوق أورليون في مواجهة الأمير عبد القادر؛ و حامل لقب الباشاغا يقلد وسام الشرف.
في سنة 1857 عين في منطقة برج بوعريريج قائد عسكري جديد، و لاحظ الباشاغا أن مساحات كبيرة من الأراضي بلغت خمسة آلاف هكتار قد انتزعت من عائلته لتوطين مستعمرين جدد. لقد رأى أن الإدارة الاستعمارية لم تعد تهتم إلا بشيء وحيد؛ هو إيجاد أراض جديدة لتوطين المعمرين الذين مازالوا يتدفقون من الموانئ.
في أكتوبر 1870 التقى بأكبر عدد من الناس في برج بوعريريج، و تعرف على شعور أصدقائه تجاه الإدارة الاستعمارية؛ و هكذا قرر تنظيم الثورة.
طابع بريدي يمثل: مقاومة الشيخ محمد المقراني
•الحداد: عائلة مقيمة بقرية صدوق ببجاية، و تمارس حرفة الحدادة.
بعد عودة محمد أمزيان الحداد من الدراسة في الطريقة الرحمانية التي كانت الأشهر آنذاك في كل منطقة القبائل، تولى إدارة مدرسة أبيه علي بن محمد الحداد، و ظل يستقبل طلاب العلم و المنخرطين في الطريقة الرحمانية -و تحت كفالته- حتى بعد وفاة والده.
لقد كان الشيخ الحداد رجل دين و رجل سلم بالدرجة الأولى، و كان قد تجاوز الثمانين؛ فكان يقضي أغلب وقته بين الذكر و التعبد و الصلاة، و لم تتوطد علاقته بالباشاغا المقراني إلا بين 1870 و 1871.
في 6 أفريل أرسل المقراني إلى الحداد بوفد من الشخصيات المرموقة و المؤهلة لتدعوه لدعم الثورة ضد الفرنسيين.
في يوم 8 أفريل شهدت قرية صدوق تجمعا كبيرا، و خرج الشيخ الحداد مسنودا بولديه سي امحمد و سي عزيز، فعين ابنيه خلفا له، و سلم لهما لواء الجهاد.
الشيخ محمد أمزيان الحداد
الشيخ محمد أمزيان الحداد
3_ الفصل الثالث: الانتفاضة:
•أعلن الباشاغا المقراني التجنيد العام يوم 07 مارس.
•أقام معسكره بمدينة مجانة يوم 08 مارس بعد أن جمع حوله 3000 رجلا بين فارس و ماش.
•أعاد تقديم استقالته و تخلى عن راتبه الذي كان يقدر ب830 فرنكا، و معهما هذه الرسالة التي ذكرها الطاهر أوصديق في كتاب حركة انتفاضة 1871 م.س.ذ : "إنني أستعد اليوم لقتالكم، فلنحمل السلاح و ليتأهب كل منا للقتال".
إنني أستعد اليوم لقتالكم، فلنحمل السلاح و ليتأهب كل منا للقتال.
•ظل المقراني بالغرب القسنطيني، و عين أخاه بومزراڨ بمنطقة ونوغة و سور الغزلان، بينما عين قريبه سعيد بن بوداود على المنطقة الشرقية من الحضنة، و بوسعادة، و أولاد نايل بالجلفة.
•بعد انضمام الشيخ الحداد إلى ثورة المقراني، جمع المقراني القادة الرئيسيين لدراسة خطط العمليات التي ستنفذ.
•وصل المقراني إلى منطقة سور الغزلان في 25 أفريل أين عقد اجتماعا مهما حضره قادة المنطقة و مقدمون من الطريقة الرحمانية.
•جرت معركة كبيرة يوم 26 أفريل في منطقة تكودة.
•عاد المقراني إلى قلعة بني عباس يوم 29 أفريل و تمكن من تجنيد 4000 رجل.
•يوم 05 ماي وجد مقاتلو المقراني أنفسهم أمام تشكيلة المقدم تريملي و الجنرال سيزير في منطقة ذراع بلخروب، و عندما هدأت شدة القصف عند الظهيرة راح القائد المقراني يؤدي صلاة الظهر جماعة مع مقاتليه ليسقط شهيدا و هو يردد الشهادة بعد أن أصابته رصاصة في الجبهة؛ فالقائد المقراني و مقاتلوه لم يكونوا على علم أنه على بعد 700 متر يتواجد مجموعة من الزواف أي الجنود الجزائريون المقاتلون مع فرنسا و ليس ضدها.
•رغم أن الشيخ المقراني استشهد بعد 51 يوما من انطلاق الثورة إلا أن ثورته استمرت طويلا و ظل التاريخ يذكرها باسم مقاومة الشيخ المقراني.
•انضم إلى نداء الشيخ الحداد حوالي 120 ألف مجاهد.
•انتشرت المقاومة في كل مناطق البلاد: ساحل مليانة، و الجزائر، و دلس، و شرشال، و بجاية، و جيجل، و القل، و متيجة، و بودواو، و تيزي وزو، و كل منطقة القبائل.
•لقد عبر الكاتب سيميان مارسيل في كتابه الرباطات الدينية بالجزائر عن هذا بقوله: "إن الرباطات الدينية تشكل خطرا كبيرا على الفرنسيين، لأنها قد تشكلت إلى مراكز الثورة للقضاء على المسيحيين، و هذا ما يقوم به أتباع الرحمانية في الجزائر تحت سلطة الشيخ الحداد، نظرا للتأثير الكبير و الارتباط العميق الذي توليه غالبية الطبقة الشعبية لهذه الطريقة و أهلها".
•ما إن تلفظ الشيخ الحداد بالجهاد حتى كان ولداه سي امحمد و سي عزيز على أتم الاستعداد لمباشرة القتال.
•أرسل سي عزيز نداءات إلى كل أصدقاء الزاوية طالبا منهم الانضمام إلى صفوف المجاهدين.
•قاد سي عزيز و سي امحمد معاركا ضارية ببجاية، و جيجل، و سطيف.
•في أوائل جويلية استسلم آل الحداد الواحد تلو الآخر، و كان هذا بمثابة ضربة عنيفة تلقاها بومزراڨ أخ المقراني تكاد تكون في تأثيرها مثل فقدانه لأخيه.
•إن الثورة التي اندلعت في 16 مارس 1871 تحت قيادة المقراني لم تتأثر بموت المقراني و لا باستسلام الحداد بل امتدت إلى معظم الأراضي الجزائرية إذ استمر الكفاح و لم ينتهي حتى 20 جانفي 1872 إثر اكتشاف دورية للجيش الفرنسي بومزراڨ أخ الشيخ المقراني خائر القوى بعد نجاحه في ترحيل جميع أفراد عائلة المقراني إلى تونس.
4_ الفصل الرابع: عواقب الانتفاضة:
•340 معركة دون ذكر الاشتباكات الخفيفة.
•200 ألف مقاتل جزائري في مواجهة 800 ألف مقاتل فرنسي.
•مصادرة الأراضي و المواشي و منحها للمعمرين.
•هدم الأملاك العقارية.
•قتل الأفراد بدون محاكمة.
5_ الفصل الخامس: الأبطال أمام محكمة الجنايات:
•توبع كل المقاومين الذين قبض عليهم، و عددهم الإجمالي 213 متهما أمام عدة جهات قضائية أهمها المحكمة التابعة للجزائر العاصمة. كان على رأس قائمة المتهمين الشيخ الحداد، و بومزراڨ، و سي امحمد الحداد، و سي عزيز الحداد، و قد حكم على 64 من هؤلاء المتهمين غيابيا من بينهم 19 من عائلة المقراني.
•حكم على الشيخ الحداد بخمس سنوات سجنا، و لكنه توفي بعد بضعة أيام من الحكم عليه بالسجن.
•حكم على سي امحمد الحداد بعشر سنوات سجنا.
•حكم على سي عزيز الحداد بالنفي من البلاد.
•حكم على بومزراڨ بالإعدام.
•حكم على 15 فردا من عائلة المقراني غيابيا بالإعدام.
•استبدل قرار الحكم بالإعدام على بومزراڨ من قبل الرئيس الفرنسي يوم 19 أوث 1873 و عوض بقرار النفي إلى كاليدونيا الجديدة مع كل من سي امحمد الحداد و سي عزيز الحداد و القائد علي أوقاسي و آخرين.
6_ رحلة المنفيين إلى كاليدونيا الجديدة :
•من بين ما احتوت عليه السفينة المتجهة إلى كاليدونيا الجديدة عشية بداية الترحيل:
-برانيس قماشية
-ملابس صوفية
-عمائم قطنية
-أحذية ذات طراز عربي
- ...
•وصف التقرير الطبي الخاص بالمنفيين على متن سفينة كالفدوس على أنهم ذو هامات طويلة و قوية، و يتصفون بعزة النفس، و لا تقرأ في وجوههم ملامح الذل أو الإحباط النفسي أو البدني.
•كانت رحلة السفن الناقلة للجزائريين المنفيين إلى كاليدونيا الجديدة تدوم خمسة أشهر. كانت معظم السفن تتوقف بميناء سان كاترين بالبرازيل بسبب مرض حمى الصحراء.
II_ الجزء الثاني:
1_ الفصل الأول: الوضعية الجغرافية و التاريخية لكاليدونيا الجديدة:
لم يتم اكتشاف كاليدونيا الجديدة؛ إحدى أكبر جزر المحيط الهادي إلا في سنة 1774، بعد قرنين من اكتشاف جزر السالمون؛ فقد اكتشفها البحار الانجليزي الشهير جيمس كوك، و أقام مدة عشرة أيام فيها أين تعرف على الساحل الشرقي و احتك بالأهالي الذين تعرفوا لأول مرة على الرجل الأبيض بلباسه و أسلحته الفتاكة، و كنوزه العجيبة، و الحيوانات المرعبة التي كانت ترافقه كالكلاب و الخنازير، و قد سماها كوك كاليدونيا الجديدة على اسم منطقة تشبهها في سكوتلاندا.
جيمس كوك، مكتشف كاليدونيا الجديدة
يسمى السكان الذين استقبلوا الكابتن كوك عام 1774 بالكاناك و هم أناس شرفاء و في غاية البشاشة و المرح حسب ما ذكره البحار الإنجليزي.
ما الذي حل بتلك الفئة النشطة من السكان بعد الاحتلال الفرنسي؟
أ من الممكن أن يكونوا قد تعرضوا للإبادة العرقية؟
ما الذي تسبب في انتقال عددهم من 50000 عام 1774 إلى 41874 سنة 1887ثم إلى 27100 سنة 1921؟
الكاناك
أثناء كل تلك الحقب، كانت فرنسا تعمر كاليدونيا الجديدة بالفئات البيض التي تشمل مساجين القانون العام، و المنفيين سياسيا كمنفيي بلدية باريس، و متمردي ثورة المقراني و الحداد المسلحة بالجزائر، بالإضافة إلى المعمرين الفرنسيين الذين جاءوا لجمع الثروة. لقد كان كل متمرد في الجزائر يرسل إلى كاليدونيا الجديدة.
و نجد بالجزيرة فئة من اليابانيين و الصينيين و الفيتناميين مع مجموعة أخرى قدمت من جزر واليس الواقعية بشمال شرق الفيجي، و من تايتي، يحملون كلهم الجنسية الفرنسية.
2_ الفصل الثاني: ثورة الكاناك في 1878
في جوان 1878 أعلن آتاي الحرب ضد المحتلين مثلما فعل المقراني في الجزائر، و من الجزائريين الذين شاركوا في الحرب مع فرنسا ضد الكاناك في كاليدونيا الجديدة طمعا في العفو و العودة إلى الجزائر:
•بومزراڨ
بومزراڨ المقراني
•بوجنة أو الطيب
•محمد بن حديد العربي
•بشير بن علي
•أحمد بلي بن الشيخ المسعود
•القايد علي أوقاسي
و لكن هذا لم يمنحهم حق العفو و العودة إلى بلدهم مثلما حصل مع منفيي باريس الذين تضامنوا معهم فور وصولهم بشتى الطرق، فاضطر بعضهم إلى الفرار و على رأسهم سي عزيز الحداد الذي لم يشاركهم حتى الحرب و فر إلى أستراليا ثم إلى جدة عبر قناة السويس و ظل بين جدة و باريس لأنه منع من الدخول إلى الجزائر.
3_ الفصل الثالث: أحوال المنفيين الجزائريين في كاليدونيا الجديدة:
الجزائريون في كاليدونيا الجديدة
فيما يلي أبيات من قصيدة حزينة ألفها منفي جزائري في كاليدونيا الجديدة، و هي قصيدة باللغة العامية من الشعر الملحون نشرها الدكتور ساري الجيلالي في جريدة المجاهد اليومية التي كانت تصدر بالعاصمة.
*يا رحمن نجنا من هذا الحكم الجائر الذي نطق به في حقنا قضاة فرنسا...
*و أين نحن من أولئك الرجال الذين كانوا مجاهدين يقاتلون في الميدان...
*ازداد الظلم و الجور... العراء و الجوع و العمل الشاق أكثر مما نتحمل...
*... فأنا قد شبعت الذل و الهوان، لقد وضعوا في رجلي سلاسل الحديد. زمان، كان القادة عماد المقهورين...
*لقد حكم علينا بالشقاء، فنحن أموات و لو أننا أحياء. نلبس ألوانا فظيعة، و قد حلقت لحانا.
*شعر المسجون أصبح كله أبيض، و مع ذلك فما زال السجان يهينه: العمل والضربات: مسلسل في المساء يمضي ليله في الحديد. المسجون حزين، سالت دموعه وديان. يعمل عريان، يقاسي البؤس و التعاسة و الحرمان. لقد جاؤوا بنا إلى كاليدونيا الجديدة بلا حق و لا شرع. فذاك الذي كان يعرف بالمقدام هنا حط من قدره و لم يعد يعرف حتى فلان.
أحوال المنفيين الجزائريين في كاليدونيا الجديدة
كيف عاش هؤلاء الجزائريون بعد انتهاء فترة سجنهم؟
*لقد أهملت هذه المجموعة البشرية تماما حتى في ميدان البحث و الدراسة التاريخية و العلمية؛ فالبحوث و الدراسات كانت متحيزة بدليل أن رفقاءهم في الشقاء في تلك الجزيرة المهجورة من مجموعة باريس نالوا نصيبا كبيرا من الإعلام.
•عاد البعض منهم إلى الوطن، و هم قلة.
•مات آخرون تحت وقع الحياة القاسية.
•آخرون ماتوا وهم يحاولون الفرار من جحيم الحياة الذي لا يطاق.
•في سنة 1869 أنشأت الحكومة الفرنسية مزرعة عقابية، و أرسلت المسجونين الجزائريين إليها، كما أرسلت أيضا أفواجا من النساء المحكوم عليهن لتزويجهن بهؤلاء المهجرين و وضعتهن في معبد تشرف عليه أخوات من أتباع سانت جوزيف كيليني.
•مع مرور الوقت تحصل أكثرهم على امتيازات تتمثل في أربعة أو خمسة هكتارات في وادي نيساديو الغني على غرار الحاج، و الطيب، و البشير، و أحمد، و محمد، و أعمر، و عباس، و رابح، و قواسم، و بوعزة، و مهدي، ...
•بعد مدة قد تصل إلى 8 سنوات من خدمة تلك الأراضي قد يحصل هؤلاء الرجال على الملكية الخاصة مقابل:
-دفع ضريبة مرتين سنويا و مدى الحياة.
-قدرت الضريبة ب40 فرنسا و 12 سنتيما.
•كان من المستحيل أن يتزوج صاحب الامتياز العربي المحرر بامرأة من عرقه و دينه، و لهذا كان المحررون العرب يتوجهون إلى معبد أخوات سانت جوزيف كيليني في بوراي، و حسب العادات فإن المنفي يختار الزوجة التي سيقترن بها بعد عدة زيارات.
•الأمر المؤكد هو أن أوائل العرب ظلوا متشبثين بدينهم:
-يؤدون فريضة الصلاة خمس مرات في اليوم على الدوام.
-يرفضون شرب الخمر، و لا يأكلون في أي حال من الأحوال لحم الخنزير.
•الكثير من أوائل المحكومين عليهم ظلوا متشبثين بالعودة إلى الوطن، و لهذا فقد فعلوا ما بوسعهم بعد انتهاء فترة الحكم لتأمين ثمن تذكرة العودة إلى إفريقيا فلسا فلسا.
•كانت نتائج تعليم العرب في كاليدونيا الجديدة ضئيلة؛ و ذلك لغياب الدافع للتعلم باللغة الفرنسية، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية المتدهورة هناك.
•تعرض الجزائريون المنفيون إلى كاليدونيا الجديدة إلى محاولات تبشيرية جادة بعد أن باشر الأب بوسي حملة تبشير بالإنجيل في نيساديو سنة 1932، و قام بالتغلغل وسط تلك الأقلية المحرومة معنويا، و راح ينظم معهم سوقا خيرية، و يبني معهم كنيسة بالأموال المحصلة من تلك السوق، و رغم ذلك بقي الجزائريون متمسكين بديانتهم: يرفضون الزواج في الكنيسة، و يرفضون تعميد أولادهم، و يرفضون بعض الأسماء كسيلفيان، و فرنسوا، و أندريه...
•دون أدنى شك فإن عدم وجود النساء من أصل جزائري هو السبب الرئيسي في غياب العادات و التقاليد كالغناء، و الحكايات، و الأساطير، و الرقص، و الموسيقى، و اللباس، و النسيج... و فوق كل هذا و ذلك صيانة الدين؛ و بزوال الأولين تزول معهم فريضة الصوم، و الصلاة، و حتى اللغة نفسها.
- نشأت جمعية "العرب و أصدقاء العرب" في سنة 1967 في كاليدونيا الجديدة و سطرت أهدافها على النحو التالي: _ الحفاظ على العادات _ رعاية مقابر العرب في نوميا و نيساديو _ توحيد شمل العرب
ماذا يعرف الجزائريون عن المنحدرين من هؤلاء المنفيين؟ عددهم؟ وضعيتهم؟ نمط معيشتهم؟ هل ورثوا ديانة آبائهم؟ هل تم تذويبهم في المحيط الأوروبي؟ أم أنهم يبحثون عن أواصر مع المجتمعات الإسلامية في منطقة جنوب شرق آسيا؟
4_ أفراد من سلالة المنفيين:
- العربي فرانسوان أو العربي ميسوم بالحاج كما يفضل مناداته: أصل والدي من مدينة الشلف و بالضبط من قبيلة سيدي يحي.
- بوفناش لويس أو أحمد ابن بلقاسم بن محمد الذي يجهل مسقط رأس والده.
- الطيب بن مبروك الذي يجهل مسقط رأس والده.
- شيخة ابنة رابح بن عيسى
- الطيب العيفة
- ...
خاتمة:
في الصفحة 119 من كتاب العلاوي مهدي يستحضر المؤلف موضوع جريدة La Petite Républicaine عن عودة بومزراڨ المقراني يوم 02 جويلية 1904 الذي قالت فيه: " وصلت بعثة كاليدونيا الجديدة و أستراليا مساء هذا اليوم و هي تضم حوالي 190 شخصا من بينهم بومزراڨ المقراني الذي تقدمت به السن حيث شارف على 75 سنة من العمر، حيث أصبح وجهه شاحبا لكن ملامحه لا زالت توحي بالقوة و الانضباط. المقراني الذي يتقن جيدا لغتنا صرح أنه لم يذق طعم المرض و هو في نوميا لأن جوها كان يلائمه..."
المبعدون إلى كاليدونيا الجديدة (مأساة هوية منفية) -للدكتور الصديق تاوتي-