الحب لا يكتمل في الحياه

في أحد أحياء المدينة القديمة، كان يعيش سامي — شاب في منتصف الثلاثينيات، بسيط الملامح، يحمل في عينيه تعب الأيام وشغف الحلم الذي لم يمت بعد. ورث عن والده محلًا صغيرًا للخياطة، كان بالكاد يكفي قوت يومه، لكنه كان يضع فيه قلبه قبل إبرته.

كان سامي ماهرًا في إصلاح ما تمزق من القماش، لكنه عاجز عن إصلاح ما تمزق من روحه. كلما باع قطعة، ضاعت النقود في متطلبات الحياة: إيجار، دواء لوالدته المريضة، ومصاريف أخيه الصغير في المدرسة.

كان يقول دائمًا وهو يبتسم بحزن:

> "كأن جيبي فيه ثقب... لا يمتلئ أبدًا."

في يوم من الأيام، دخل عليه رجل مسنّ أنيق المظهر، يحمل بزة قديمة باهتة اللون. نظر إليه سامي بدهشة، فالرجل واضح الثراء، فلماذا جاء إلى محل بسيط كهذا؟

قال الرجل بابتسامة لطيفة:

– "سمعت أنك تخيط القماش كما لو أنك تُرمم القلوب. أريدك أن تصلح لي هذه البزة القديمة، فهي أغلى من كل ما أملك."

بدأ سامي العمل في هدوء، والرجل يجلس في زاوية المحل يراقبه بصمت. بعد دقائق من السكون، قال سامي دون أن يرفع رأسه:

– "أحيانًا أشعر أن كل شيء في الحياة ناقص... كأننا نعيش نحاول خياطة جيبٍ لا يكتمل أبدًا."

ضحك الرجل وقال:

– "كلنا كذلك يا بني. الحياة لا تمنحنا جيبًا كاملًا، بل تعطينا خيوطًا ووقتًا لنجرب. واحد يخيطه بالحب، وآخر بالطمع، وثالث بالأمل. لكن في النهاية، يبقى الجيب ناقصًا ليذكرنا أننا بشر."

مرت الأيام، وأكمل سامي عمله بإتقان. عاد الرجل ليأخذ بدلته، وأصر على أن يدفع أكثر من المطلوب، لكن سامي رفض.

قال له بابتسامة صافية:

– "يكفيني أنك عدت بابتسامة راضٍ، هذا أجمل أجر."

غادر الرجل وهو يردد:

– "ستعرف يومًا يا بني أن الكرم لا يملأ الجيب، بل يملأ القلب."

بعد أسابيع قليلة، جاء ابن الرجل إلى المحل يحمل خبرًا حزينًا: والده قد توفي. سلّم سامي ظرفًا صغيرًا قال إن والده أوصاه أن يعطيه له إن حدث له مكروه.

فتح سامي الظرف ووجد فيه ورقة كتب عليها بخط أنيق:

> "يا سامي، شكرت الله أنك أصلحت بدلتي، فقد لبستها يوم لقائي الأخير بالدنيا. كنت أريد أن أراك تبتسم كما في ذلك اليوم.

تذكّر دائمًا: الجيب لا يكتمل في الحياة، لكنه يمتلئ كلما زرعت خيرًا في قلوب الآخرين."

بكى سامي طويلًا، شعر أن الرجل ترك له درسًا لا يُشترى بالمال.

منذ ذلك اليوم، غيّر سامي طريقة عمله. خصص يومًا في الأسبوع ليخيط ملابسًا مجانية للأطفال الأيتام والمحتاجين. كان يرى الفرح في عيونهم كخيوط من نور ترقع ثقوب قلبه وجيبه معًا.

وبينما كان يجلس ذات مساء في محله الصغير، نظر إلى لافتة والده القديمة المكتوب عليها:

"الخياطة فن... والنية سر."

ابتسم وقال في نفسه:

> "ربما جيبي لم يكتمل بعد، لكني الآن أملك ما لا يُشترى — راحة القلب."