الشوك و القرنفل: حكاية وطن الحياة و المقاومة من 1967 إلى 2025

صورة

الشوك و القرنفل: حكاية وطن الحياة و المقاومة من 1967 إلى 2025


تقديم:

القارئ لرواية "الشوك و القرنفل" لكاتبها الشهيد البطل "يحي إبراهيم السنوار" المدعو "أبو إبراهيم" يقرأ بين السطور تاريخ فلسطين منذ 1967 إلى 2025، و يتعرف أيضا على حياة كاتبنا و بطلنا الشهيد منذ أن كان طفلا صغيرا لا يستوعب شيئا مما يدور حوله، و منذ أن كان جنود الجيش المصري يدعونه و أقرانه ليلاعبوهم و ليعطوهم بعضا من الفستقية إلى أن أصبح قائدا و زعيما و مهندسا لأكبر طوفان عرفته المقاومة الفلسطينية.

إهداء:

في هذه الرواية الواقعية الطويلة التي استغرقت أكثر من 330 صفحة، و التي كتبها في غياهب الأسر خفية عن الحراس، و الجنود، و الضباط، يقول يحي إبراهيم السنوار بأن قصة الرواية هي قصة كل الفلسطينيين، و بأنه يهديها إلى كل من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء و المعراج من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط. (يحي إبراهيم السنوار، سجن بئر السبع، 2004) 

إلى كل من تعلقت أفئدتهم بأرض الإسراء و المعراج من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط

الكتابة و الدراما:

إن القارئ لهذه الرواية سيتساءل بكل تأكيد: لماذا لم يتم تحويل هذه الرواية -أو أية رواية مشابهة لها- إلى عمل فني؟ و هو ما يضع علامات استفهام كبيرة على الفن العربي، و على الدراما العربية بوجه خاص، ثم على السينما العربية.

إذا أخذنا بعين الاعتبار الأهداف النبيلة للفن، و إذا حاولنا و لو قليلا أن نستوعب ما عاشه و ما يعيشه القطاع (قطاع غزة) و المدن و المناطق المجاورة منذ 7 أكتوبر 2023 إلى يومنا هذا سنجد أن رسالة الفن كانت في أن تحول مقاومة القطاع إلى ملاحم... و إلا ما الجدوى، و ما الفائدة من ملاحم أكل عليها التاريخ و شرب؟.. كم هو مناسب الآن استحضار ذلك المثل الشعبي الذي يقال بأنه ألماني، و الذي يقول بأن البغال تتفاخر دائما بأن أسلافها كانوا خيولا!!!

تتفاخر البغال دائما بأن أسلافها كانوا خيولا.
— مثل ألماني

زمن المقاومة:

إنه زمن المقاومة و ليس زمن التكالب مع من تكالب بالتنكيت و الرقص على تطبيقات التواصل الاجتماعي بينما تصلك على التطبيقات نفسها صور على المباشر ل:

  • أشخاص أحياء يحرقون على المباشر على مرأى من العالم
  • جثث اشخاص صاروا جليدا
  • رجال يرتجفون من شدة البرد بينما يوارون التراب رضعا قضوا من شدة البرد
  • هياكل عظمية تتنفس
  • آباء يدفنون أفراد عائلاتهم الشهيدة جميعا
  • أمهات يشيعن أولادهن جميعا بالورود
  • آباء يعثرون أخيرا على أطراف بناتهم تحت الأنقاض و يقومون بجمعها...
  • أشخاص يقضون من فرط الألم؛ لعدم وجود المسكنات، و الأدوية، و العلاج؛ لأن المستشفيات مدمرة...
  • شيوخ و عجائز يقولون بعيونهم ما سيقوله القطاع (قطاع غزة) لو تكلم يوما...
  • لا شك - و بكل تأكيد- أنه دخول في حالة تنويم مغناطيسي للضمير؛ و إلا ما تفسير حالة التعايش العقلي، و الذهني، و النفسي، و الروحي مع الأمرين.

المقاومة فكرة، و الفكرة لا تموت، و الحرية أيضا قد تكون فكرة، و قد تكون مكونا نرضعه صغارا مع حليب أمهاتنا، و نتناوله مع حنان آبائنا، و لا يمكن تحديد هويتها إلا عندما تعطى لنا فرصة أن نكون أحرارا!

إن فرص أن تكون حرا محدودة جدا، و ليست متاحة على الدوام...!

عندما لا تتاح لك فرصة أن تكون حرا، و يكون لك حظ فرصة التفرج فقط!!! فعلى الأقل -على الأقل- كن متفرجا جيدا؛ كن متفرجا نبيلا؛ كن متفرجا مؤدبا؛ كن متفرجا محترما ...  لا تكن متفرجا طائشا، أهوجا، أرعنا، أخرقا ... إلخ.

إن فرص أن تكون حرا محدودة جدا، و ليست متاحة على الدوام...!



السنوار عام1967 (من الرواية): 

كان طفلا لا يعرف معنى الحرب، و لكنه بعدها عرف أنها شيء غير عادي، و مظلم، و خانق. كان شتاء طويلا يرفض قدوم الربيع، و أحوال النازحين في ذلك المخيم تشبه من يعلق لهم لافتة يكتب عليها "من أجل شتاء دافئ" ليهزأ بحالهم. و هو في عمر الخامسة، حدثه عمه بكلام لم يفهمه عن البندقية قبل أن يلتحق مع أبيه بحرب 1967. ظل صوت المعلق الحربي أحمد سعيد عالقا بذهنه و هو يتوعد بخسارة جيوش الكيان عندما كان مختبئا مع أفراد عائلته في الخندق. 

في تلك الفترة، رفض جده النزول إلى الخندق بحجة أنه كان واثقا من الجيوش العربية، أما حجته الثانية فهي: إلى متى سنظل نهرب من قدرنا؟

القدر: انفجرت النساء بالبكاء؛ اليهود احتلوا البلاد. 

السنوارفي 2024/2025 (من الرواية):

  "تسمرت مكاني لوهلة و ترقرق الدمع في عيني، فقد تأكدت أنها كلمات الوداع ثم انطلقت أصعد السلالم إلى الطابق الثاني، فإذا بمريم تنظر إلي وهي تبتسم. قلت: هل تحدث معك؟ ابتسمت، و قالت: نعم، و لكن في الرؤيا، في المنام. لقد ودعني وداعا لن أنساه ما حييت، و أوصاني على إسراء و ياسر.

كانت تبتسم و الدمع يترقرق من عيني أنا و انحدرت الدموع على وجنتي ساخنة و هي تبتسم و تقول: تبكي أيها الأبله! ماذا دهاك...؟!! جاء صوت الانفجار عاليا حين قصفت طائرة الأباتشي السيارة التي كان إبراهيم يستقلها. شعرت أن قلبي قد توقف عن النبض فقمت جاريا.

آلاف اندفعوا نحو السيارة التي قصفت، و سمعت البعض يرددون أن هذا إبراهيم الصالح. جمعت أشلاء إبراهيم و حملتها على إحدى الحمالات، و اندفعت الجماهير كبحر هائج حول جثمان الشهيد نحو الدار. عند باب الدار، وقفت مريم و هي تلف منديلها حول رأسها لتغطي شعرها و البسمة لا تغادر شفتيها، و زغرودتها تعلو على صوت الحشد الهادر، إلى يمينها ياسر، و إلى يسارها إسراء، و رأس أمي يطل من ورائها و هي تمسح دمعتها بطرف منديلها.

وصلت الباب في نفس اللحظة التي خرج فيها محمود من الدار، حملت ياسر على كتفي، و حمل محمود إسراء على كتفيه، و مددت يدي لمريم، و مد محمود يده، فإذا بها تناول كل واحد منا بندقية كلاشينكوف. تناولنا البندقيتين، و رفعناهما فوق الرؤوس و انطلقنا و الجماهير من ورائنا تهدد خيبر خيبر يا يهود... جيش محمد سوف يعود، بسم الله الله أكبر... بسم الله قد حانت خيبر بالروح بالدم نفديك يا شهيد... بالروح بالدم نفديك يا فلسطين... عالقدس رايحين... شهداء بالملايين، و من شوارع جانبية خرج الآلاف من الملثمين من كتائب الشهيد عز الدين القسام بلباسهم المعروف يصطفون في صفوف لا نهاية لها يرفعون الرايات الخضراء، و من كتائب شهداء الأقصى بلباسهم المعروف يصطفون في صفوف لا نهاية لها يرفعون الرايات الصفراء، و من كتائب سرايا القدس يرفعون الرايات السوداء، و غيرهم يحملون أسلحتهم، يلوحون بها في الهواء.

في وداع الشهيد، كنت أهز بندقيتي، و أمسك ياسر باليد الأخرى و هو على كتفي، و صور و مواقف كلمات إبراهيم لا تفارق ذهني خاصة تلك الكلمات التي حدثني بها." انتهت هذه الرواية في زنازين سجن بئر السبع و اكتملت بفصلها الثلاثين و لكن لا زالت مأساة كاتبها و رفاقه مستمرة في أقبية سجون الاحتلال.

و للحرية الحمراء باب                                بكل يد مضرجة يدق
— أحمدشوقي/السنوار