واحد قاعد فاضي ماسك تليفونه بينتقدني" – محمد هاني لاعب الاهلي المصري
اللي مضايقني إن واحد شاحن كارت بخمسة جنيه بينتقدني!" – أسامة نبيه مدرب منتخب الشباب السابق
"في حملة مدفوعة ضدي من لجان إلكترونية!" – اي فنان مصري بعد فشل عمل له
في السنوات الأخيرة، تحوّلت العلاقة بين الجمهور ومن يتصدرون مشهد الترفيه — سواء في الفن أو الرياضة أو الإعلام — إلى ساحة صراع مفتوحة.
لم تعد المسألة مجرد نقد أو إشادة، بل أصبحت حالة من العداء المكتوم بين الطرفين، تظهر ملامحها في تصريحات متكررة .
هذه النغمة المتكررة ليست صدفة.
فعند الفشل يصبح التبرير جاهزًا: “الكل يحاربني”،
وعند أي نجاح — أو ما يُسمّى نجاحًا — يتحول الخطاب إلى تباهٍ بالبطولة الفردية: “نجحت رغم الحروب والمؤامرات”.
الظاهرة لم تعد فردية، بل أصبحت منهجًا عامًا في الوسط الترفيهي.
العلاقة التعاقدية
كل علاقة بين طرفين تخضع بشكل أو بآخر لمبدأ التعاقد، سواء وُثّق ذلك كتابة أو لا.
فالعقود المكتوبة في العمل أو التجارة أو الزواج ليست إلا تطويرًا لشكل قديم من الاتفاقات.
وبنفس المنطق، هناك عقد غير مكتوب بين الجمهور ومن يقدم له الترفيه:
الجمهور يمنح وقته واهتمامه وتصفيقه، مقابل محتوى يستحق المتابعة.
لكن شكل هذا العقد تغيّر
السيد الجمهور
"كل اللي مستنيه إن الجمهور يقول لي: كويس يا أحمد."
احمد زكي في احد حواراته التليفزيونيه
كان رضا الجمهور في الماضي هو المؤشر الوحيد للنجاح.
أما اليوم، فقد صار الجمهور عاملًا من ضمن عدة عوامل؛
لم يعد الصوت الأعلى، بل مجرد رقم ضمن معادلة إدارة الإنتاج والتسويق والعلاقات.
التجمعات المغلقة
من يتأمل تترات الأعمال الفنية يلاحظ فورًا تكرار الأسماء الثلاثية.
صار مصطلح “أصحاب الأسماء الثلاثية” رمزًا لفئة محددة لا تحتاج لتفسير.
لكن “الواسطة” ليست سوى قمه جبل الثلج الظاهرة ،
ففي القاع شبكة معقدة من القرابة والمصالح والعلاقات الاجتماعية.
المجتمعات المغلقة — التي يمثلها المعنى الرمزي للـ"كمبوند" —
أنتجت ترفيهًا مغلقًا بدوره، يدور في دوائر ضيقة،
وهو ما يفسّر انفصال كثير من النجوم عن واقع جمهورهم الحقيقي.
ثقافة الترند
"نفسي فيه وأقول..... "
مثل شعبي يعبّر عن الرغبة المكبوتة في نيل ما نُنكره.
وفي عالم أصبح الترند فيه عملة النجاح،
انتقل صنّاع السوشيال ميديا من مقاعد الجمهور إلى مقاعد صانعي الحدث.
صار الـ"ريل" الذي لا يتجاوز 20 ثانية قادرًا على تجاوز فيلم كامل في الانتشار،
وأصبحت صناعة المحتوى الرائج صناعة قائمة بذاتها لها لغتها وقوانينها ومبالغاتها.
تحوّل الفنان أو لاعب الكرة إلى خلفية للمشهد،
بينما صانع المحتوى هو البطل الجديد الذي ينتظر الجمهور رد فعله أكثر من الحدث نفسه.
صدام اللحظة
الرغبة في التفرّد وصنع اللحظة جعلت السيطرة تفلت من الأيدي،
عن عمد أحيانًا، وعن غير عمد في أحيان أخرى.
فصار النقد يختلط بالهجوم الشخصي،
والرد يتحوّل إلى انتقام لا يفرّق بين من يصنعون الترند ومن يتابعونه.
والجمهور بدوره ليس بريئًا؛
فصنّاع المحتوى ما هم إلا انعكاس لرغباته ومكبوتاته.
هكذا وجد الفنان ولاعب الكرة نفسيهما في منافسة مع بعض الجمهور،
يري بعضهم أن هؤلاء “يسرقون الأضواء دون مجهود”،
بينما هم — من موقعهم الطبقي والمغلق — ينظرون إلى الجمهور بنوع من الاحتقار الخفي.
وقد تجلّى ذلك بوضوح في تصريح "الكارت الفكهة" الشهير لأسامة نبيه،
الذي اختصر بصدق مأساوي العلاقة المعقدة بين طرفين
كلٌ منهما يرى في الآخر سبب أزمته،
ولا أحد يريد أن يعترف أنه أصبح جزءًا من اللعبة نفسها.
.