يعتقد الكثيرون أن الإنترنت هو ساحة "سقوط الأقنعة". في هذا العالم الافتراضي، يشعر العديد من الأفراد بأنهم في مأمن من العواقب، مما يمنحهم حرية التعبير عن غضبهم أو حقدهم بطريقة لا يمكنهم فعلها وجهًا لوجه. هذه الحرية الزائفة تزيل الحواجز الاجتماعية وتسمح للجانب المظلم من الشخصية بالظهور. يُعرف هذا بـ تأثير انعدام الكبح (Disinhibition Effect)، حيث يقلل الشعور بالخفاء من أهمية الأعراف الاجتماعية، مما يجعل البعض أكثر جرأة على السلوكيات العدوانية. ولعل أخطر ما في هذا الجانب هو غياب التعاطف. عندما نتفاعل من وراء شاشة، يختفي التواصل الجسدي والبصري، ويتحول الشخص الآخر إلى مجرد اسم أو صورة رمزية. هذا التجريد يجعل من السهل توجيه الإهانات، لأننا لا نرى الألم أو رد الفعل المباشر على كلماتنا، مما يقلل من حس المسؤولية. التنشئة الاجتماعية: هل هي الأساس؟ على الجانب الآخر، يرى المحللون الاجتماعيون أن ما يحدث على الإنترنت هو مجرد مرآة تعكس أزمة في التنشئة الاجتماعية. السب والشتم ليس سلوكًا وليدًا للإنترنت، بل هو نتاج تربية قد تكون أهملت تعليم الفرد مهارات أساسية مثل: احترام الاختلاف: عدم القدرة على تقبل الآراء والتوجهات المختلفة، مما يدفع البعض إلى استخدام العنف اللفظي كوسيلة للرد على ما لا يعجبهم. التحكم في الغضب: عدم تعلم كيفية التعامل مع المشاعر السلبية بطريقة بناءة، مما يؤدي إلى التعبير عنها بالعدوان بدلاً من الحوار. ثقافة الحوار: غياب ثقافة تشجع على النقاش الهادئ والعقلاني، حيث يصبح الهدف هو الانتصار في النقاش بأي ثمن، بدلاً من الوصول إلى فهم متبادل. في هذه الحالة، لا يكون الإنترنت هو السبب، بل هو منصة تُظهر السلوكيات التي تم تعلمها مسبقًا في البيئة الأسرية والمجتمعية. خاتمة: العلاقة التفاعلية الخلاصة هي أن كلا العاملين قد يكونان صحيحين ومتكاملين. فالإنترنت يوفر البيئة التي تسمح بسقوط الأقنعة، بينما التنشئة الاجتماعية هي التي تحدد ما إذا كان هناك "وجه آخر" ليتم الكشف عنه. إن الحد من هذه الظاهرة يتطلب أكثر من مجرد قوانين رادعة؛ إنه يتطلب إعادة التفكير في قيمنا، وفي كيفية تربية أجيال قادرة على الحوار والتعايش، حتى في أوسع فضاءات العالم الافتراضي.