نسيج الصبر والكرز المتألق

صورة

في زمنٍ غابر، بمقاطعة بعيدة في اليابان، عاشت أمٌّ عجوز وحفيدها الصغير "هيكارو". وكانا يملكان شجرة كرزٍ عتيقة، عجيبة الشأن، إذ كانت تزهر في كل فصول السنة، وثمارها تتلألأ كالجواهر تحت ضوء القمر. وكان الناس يقصدونها من كل صوبٍ للتبرك بها.

ذات خريف، هبت عاصفة هوجاء، اقتلعت فروعًا عديدة من الشجرة المقدسة، وبددت زهورها في الرياح. حزن الصبي "هيكارو" حزنًا شديدًا، وراح يجمع الزهور المتساقطة ويقول: "كيف لشجرتنا أن تبهج القلوب بعد اليوم؟"

فقالت له جدته بحكمة: "لا تحزن يا حفيدي، فكل كائنٍ يمر بمحنة، وكل محنة تحمل في طياتها هدية. الأهم هو كيف ننسج من شتات الأزهار بساطًا جديدًا."

قررت العجوز أن تصنع من الزهور المتساقطة نسيجًا يخلد جمال الشجرة. لكنها لم تستخدم إبرًا أو خيوطًا تقليدية، بل جلست تحت الشجرة كل يوم، تنتقي الأزهار بألوانها المختلفة، وترتبها في صحن من الماء، ثم تترك أشعة الشمس والقمر يعكسان عليها ألوان قوس قزح.

كان "هيكارو" يسألها مستعجلًا: "لماذا لا نستخدم الإبر والخيوط مثل باقي النساجين؟" فكانت ترد بهدوء: "الصبر يا بني هو الخيط الخفي الذي يربط جواهر الحياة. والعجلة تفتت الجمال كما فتتت العاصفة أزهارنا."

ظلت العجوز ستة أشهر تفعل ذلك، بينما كان "هيكارو" يتعلم درسًا جديدًا كل يوم. تعلم كيف ترقص الأزهار على سطح الماء مع النسيم، وكيف تحكي ألوانها حكايات الضوء والظل.

وبينما هما على هذه الحال، مر بهما حكيم من رهبان الجبال، فتأمل في عمل العجوز وقال: "إنك لا تنسجين قماشًا للجسد، بل تطرزين نسيجًا للروح."

وفي ليلة اكتمال القمر، حدثت المعجزة. كل زهرة وضعتها العجوة في الماء، ألقت بانعكاسها على صفحة الماء الصافية، ثم ارتفعت هذه الانعكاسات في الهواء، ونسجت نفسها معًا في قطعة قماش مضيئة من نور، تزيد بهاءً على ضوء القمر نفسه. لقد خلقا معًا "نسيجًا من الظلال والنور"، أكثر متانة وجمالًا من أي نسيج عادي.

أدرك "هيكارو" الحكمة التي أرادت جدته إيصالها له: **"إن أجمل الأشياء في الوجود لا تُصنع باليد وحدها، بل بالقلب الصبور الذي يعرف كيف ينتظر هبة الوقت، ويستلهم إبداع الطبيعة. وأن الجمال الحقيقي لا يزول، بل يتحول من شكلٍ إلى شكل، وكالحبة التي تموت في التراب لتنبت زهرة جديدة."**

ومنذ ذلك الحين، أصبحت شجرة الكرز تزهر بشكل أكثر بهاءً من ذي قبل، وصار نسيج الضوء الذي صنعته العجوز وحفيدها رمزًا للصبر والأمل في تلك المقاطعة، يذكر الناس أن الدمار قد يكون بداية لخلقٍ أكثر إشراقًا.