الانشغال دواء الروح

صورة

كان يامكان في قرية هادئة، رجل اسمه "نادر" يمضي أيامه في حزن عميق، كان يرى الدنيا كسحابة صيف عابرة، لا معنى لها ولا بقاء، جلس ذات يوم على ضفة النهر، يشكو إلى الحكيم "معروف" هموم نفسه، قائلاً: أين أجد السعادة؟ فقد طُفت البلاد وقرأت الكتب، لكن قلبي لا يزال خاوياً.

نظر الحكيم إلى النهر المتدفق وقال: "هل ترى هذا النهر؟"، إنه لا يتوقف أبداً عن الجريان، يحمل الماء إلى العطشان، ويدير دولاب الطاحونة، ويروي الزرع، لو توقف لتحول إلى مستنقع آسن، ثم أشار إلى مكتبة القرية المهجورة وقال: " هناك مشروع ينتظر يديك"، لم يفهم نادر مقصد الحكيم، لكنه بدأ العمل في تنظيم المكتبة، كان يرتب الكتب من الفجر حتى الغروب، يمسح الغبار عن المخطوطات، يصلح الرفوف، يرتب الفهارس، ثم بدأ بمساعدة الحكيم في تعليم الأطفال القراءة، فكان يحضر الدروس ويعد الوسائل ويشرح للصغار.

مرت الأشهر ونادر منشغل في عمله، حتى نسى حزنه القديم، في أحد الأيام، استوقفه الحكيم وقال له: "مازلت تبحث عن السعادة؟.

ابتسم نادر وقال له: "الحق أقول لك، لقد انشغلت عن التفكير في حزني.

ضحك الحكيم ضحكته العميقة وقال: "أتعلم؟ النهر السعيد ليس ذلك الذي يجري في أرض خضراء، بل الذي يكون مشغولاً بالجريان لدرجة أنه ينسى أن ينظر إلى طبيعة الأرض التي يمر عليها.

فالسعادة الحقيقية ليست في الخلو من الآلام، بل في الانشغال بما يستحق الحياة، كن كالنهر الدافق، مشغولاً بالعطاء حتى لا يبقى في قلبك متسع للتفكير في اليأس.