قررت ذات يوم أن أخذ هاتفي وأرسل تسجيلا صوتيا لشخص أكن له الكثير من الحب والتقدير، فتملكني البكاء وكاد أن يمنعني من التعبير عن مشاعر كان ولابد أن تخرج لحيز الوجود، بكاء على تضحيات شخص لم يقدر أحد ما يفعله، بل تم اعتبار كل ما يقوم به كواجب ولد ليتحمله بنفسه.
جمعت كل قواي وسلطت الضوء على عاطفتي وقلت " أمي أريدأن أقف وقفة اعتراف اليوم لأخبرك أنني ممتنة لك على كل مجهود وتعب قمت بتحمله من أجلنا، وأسأل الله أن يدخلك جنات الفردوس الأعلى كجزاء على كل صرخة ودمعة وألم قاومته" لتقومي بحمايتنا".

لم يكن العجب في رسالتي ، إنما كانت الدهشة الكبيرة من ردة فعلها القوية، والتي كانت تعبر عن روح طانت تستنجد ، كانت تبحث عن التفاتة ورد اعتبار ، عن اهتمام حقيقي وتعاطف صادق ، عن كلمة طيبة، فلا تحرموا أنفسكم، من إحياء روح كان أملها الوحيد أن نكون في أمان للأبد،من خلال اعترافاتكم الصادقة.
ما الذي يجعل الناس ينسون تقدير دور هذا الكيان؟
الحديث عن الأم يعد من المواضيع التي تمتزج فيها العاطفة مع العقل، وتغيب فيها الكلمات لتبقى عاجزة عن التعبير، عن حجم هذا الكيان الذي خرجنا من أحشائه ببكاء وصراخ ، لتحتضننا وتتقبلنا وتجعلنا أمام عينيها وتسكننا قلبها، مضحية بذلك عن كل شيء من أجل سلامتنا وسعادتنا.
لا شك أن الظروف تجعل الناس ينسون دور هذا الكيان الذي يحيى بالاعترافات الصادقة والكلمات الرقيقة، لذلك كانت هذه الكلمات كرسالة تذكير للعودة للأصل والالتفات إلى أهميته فلا يوجد توفيق ولا نجاح بدون رضا الأم ، فوراء كل ابن ناجح أم، ووراء كل ابنة موفقة أم.
هل هناك علاقة بين العبادة ورضا الأم؟
أتساءل كيف يمكن للإنسان أن يدرك مراتب العبادة المقدسة وهو لا يحسن لأمه، ولعل الحكمة من كونها أحق الناس بحسن الصحبة والمعاملة، يكمن في مشقة الحمل، وصعوبة الوضع ، والرضاع والتربية ، وفي شفقتها وتضحياتها اللامحدودة وخوفها الدائم عليك من دروب الحياة وتحدياتها.
هل مازلت تتذكر قصتك عندما كنت صغيرا؟ دعني أساعدك على تذكر بعض لقطاتها، وتوجد حالات استثنائية ، لكن سنركز على الحالة المهيمنة عند الأغلبية.
حملتك تسعة أشهر، سهرت الليالي، كنت مريضا فتألمت ، نمت بهدوء فارتاحت، لعبت فابتهجت، تلعثمت فابتسمت ، تخلى عنك والدك فحملتك وتخلت عن حياتها لأجلك، رضاها بركة ولعل ما تعيش فيه من خير اليوم هو بركة دعاء من قلبها واستجيب من رب رحيم، فارجع الخير لأهله ولا تقصر.
سبحان من ترك وصية لطاعتها فقال جل جلاله" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين" ( سورة لقمان:14) ، سبحان من أدرك ألمها وترك عليه وصية لبني آدم ، ولا يمكن إدراك مرتبة رضا الله إلا في الإحسان لهذا الكيان الذي اختاره الله لمهمة الولادة والرضاعة.

وفي الأخير لابد أن نقف وقفة اعتراف للأب، الذي يضحي في صمت، ويحارب الحياة من أجل لقمة العيش ، ويشتري راحة أبنائه بتعبه وعرقه، نسأل الله أن يجازيهم عنا كل جزاء الخير ويوفقهم لجنات الفردوس الأعلى.
KELTOUM AGOURRAME
كاتبةكلثوم اكرام أعمل كمختصة اجتماعية في مؤسسة تعليمية،وابلغ من العمر 27 سنة،ولدي ميل للكتابة اكتشفته منذ فترة ولابد أن يحمل هذا الميل الهام لمساعدة الناس للتغيير للأفضل. ان وجودنا تعبير عن روح تعرف ما فيها وما عليها،ومتى اكتشف الانسان سبب وجوده وهدفه في الحياة سمح له ذلك بعيش الحياة بأسلوب أكثر جودة وباحساس هائل.