إعلان

هل يشتتنا الحب عن أهدافنا؟

Zakaria Abderrahmane Bellouber
طالب جامعي وكاتب مهتم بالثقافة
نشرت:
وقت القراءة: دقائق
هل يشتتنا الحب عن أهدافنا؟

كان لي في حينا صديق طفولة، هو من أقرب الناس إلي وأفضل أصدقائي، وقد برز نبوعه منذ الصغر، فكان أذكانا والأكثر تفوقا في الدراسة وكان يضرب به المثل في الأخلاق، وقد حافظ على تلك السمعة حتى جاء اليوم المشؤوم.. وقع في الحب وكانت تلك بداية النهاية.. إذ أصبح الحب موضع اهتمامه وشريان حياته ومأكله ومشربه ونتيجة لذلك تدنت درجاته وفسدت أخلاقه وأفلت شمسه.

مثل هذا أصل ملازم لطبيعة الحب، فهو سرطان لا يلبث حتى يغزو الجسم والعقل ويظهر ذلك في قصص العشاق المشهورة كقيس وليلى وجميل وبثينة.

عن الحب

هل يشتتنا الحب عن أهدافنا؟

من أشهر من كتب عن الحب العالم الجليل المشهور ابن حزم الأندلسي، في كتابه (طوق الحمامة في الألفة والألاف) وأورد فيه مسبباته وروى فيه أيضا قصص العشاق وأخبارهم..

يعرف ابن حزم الأندلسي ماهية الحب قائلا:


اقرأ ايضا

    الحب -أعزك الله- أوله هزل وآخره جد

    طوق الحمامة في الألفة والألاف

    والحب في حقيقته هو من أعمدة الحياة، فعطف الأم على ولدها منبعه الحب، و صبر الأب على ولده، وتحمله منه مالا يتحمله من غيره، وإطعامه من عمره ونور عينيه بكل رغبة منه، ما له مبرر سوى الحب.

    من هذا نستنتج أن من الحب منه ما هو فطري، كالذي بين الوالد وولده والإنسان وربه، ومنه ما هو مكتسب، كحب الصديق والحبيب.

    مظاهر الحب

    هل يشتتنا الحب عن أهدافنا؟

    للحب عدة مظاهر قاهرة لصاحبها، متجلية فيه، فهو غير قادر على إخفائها، ويسهل على غيره التنبه لها، وفي هذه الفقرة سأورد أبرزها:

    1- الغيرة

    قالت العرب: الغيرة بنت المحبة وهي من أبرز المظاهر التي تكشف هوى المحب وتعلقه، فهو يحب الاحتفاظ بمن يحب لنفسه ويكره تقرب غيره إليه وقيل في ذلك:

    أغار عليك من نفسي ومني ومنك

    ومن زمانك والمكان

    ولو أني خبأتك في عيوني

    إلى يوم القيامة ما كفاني

    2- الشوق والتلذذ بالمحبوب

    ويشمل ذلك كثرة الحديث عن المحبوب وعن أحواله، وتفاصيل حياته، حتى أن المحب لا يكاد يذكر حديثا غير حديث محبوبه، بل حتى وإن تكلف إخفاء ذلك فإن تكلفه ظاهر لمن يلازمه.

    ويدخل في ذلك الإسراع إلى ملاقاته، وتكلف الحيلة واختراع المناسبة لمصادفته، وذلك كسؤاله عن شيء تافه سهل الإدراك، أو كطلب الاجتماع به مهما صغر السبب وقلت الحاجة، ومثل هذا ظاهر للناظر في أخبار المحبين وقصصهم.

    ومن ذلك كثرة النظر وتأمل المحبوب، وقد قيل: العين باب النفس الشارع، فترى المحبوب لا يكون في حال إلا عينا محبه معه: فإن قدم قدمتا معه ، وإن أفل أفلتا معه وإن مال مالتا معه وفي ذلك قال ابن حزم:

    فليس لعيني عند غيرك موقف

    كأنك ما يحكون من حجر البهت

    أصرفها حيث انصرفت وكيفكما

    تقلبت كلمنعوت في النحو والنعت

    ويدخل في ذلك أيضا الفرح والاضطراب لرؤيته أو سماع اسمه، وتعمد الجلوس بالقرب منه.

    3- الميل الغير مشروط للمحبوب

    إن المحب دائم النصرة لمحبوبه، في كل أحواله ولو على نفسه، فهو يصدقه إن كذب، ويؤيده ويشهد له ولو كان ظالما، ويعذره ولو أضر به أو أساء إليه أو غصب حقه، وهو -أي المحب- لحبيبه مطيع في كل ما يطلبه ويشتهيه، وفي ذلك قال امرؤ القيس في معلقته الشهيرة:

    أغرك مني أن حبك قاتلي

    وأنك مهما تأمري القلب يفعل

    4- علامات أخرى

    ومن العلامات الظاهرة أيضا كثرة الغمز ولمس ما أمكن من المحبوب عند محادثته، ومماثلة المحبوب في أفعاله ومحاولة مشابهته في صفاته كمشابهته في مشيته، أو في كرمه، أو في خلقه، وقصد نفس الأماكن التي يقصدها المحبوب، وتقليده في طريقة لبسه وتسريحة شعره ومحاكاته في خط كتابته...

    طبعا علامات الحب أكثر من أن تحصر وقد صنفت في ذلك مؤلفات إلا أنه يمكن التعرف على علامات الحب من خلال النظر والتأمل في أحوال المحبين والعشاق من حولنا، وقراءة الخلق.

    لماذا نحب؟

    هل يشتتنا الحب عن أهدافنا؟

    الحب داء تعددت أسبابه، وصعب على الناس حصرها، فقيل أننا كبشر ابتكرنا الحب كحجاب من أجل تلبية غرائزنا المختلفة التي تساعدنا على البقاء: كالجنس وحب الأم لولدها.

    وقيل أننا نحب لإعجابنا بخصلة من خصال الشخص الخَلقية والخُلقية كالجمال والأدب والعلم والخطابة والذكاء.

    أعتبر هذا الخلاف في تحديد أسباب الحب من قبيل خلاف التنوع، فلا يتعارض أن يجتمع حب الولد لأمه على سبيل الغريزة مع إعجابه بذكائها وحكمتها مثلا، فيمكننا القول أن من أسباب الحب ما هو فطري نولد به، ومنه ما يكتسب، ويجدر الإشارة هنا إلى أنه هناك من الناس من يحب على سبيل المخادعة النفسية، هربا من المسؤولية (دراسة، عمل..) وهذا منتشر عند الذكور، ومنهم من يحب على سبيل إثبات الذات وإشباع النقص العاطفي الذي بداخله وهذا منتشر عند الإناث، وهذا كما هو ظاهر دخيل على معنى الحب الصادق الذي أشرنا إليه في ماهية الحب.

    هل يشتتنا الحب عن أهدافنا؟

    هل يشتتنا الحب عن أهدافنا؟

    عرفنا مما سبق أن الحب شيء كامن في نفس كل إنسان، فنحن نعيشه كل يوم، في علاقتنا مع الله، مع الوالدين، مع الأصحاب…، إلا أن نوع الحب الذي أقصده هنا هو حب الحبيب من الجنس الآخر، حيث أن هذا النوع منتشر بين الشباب بل هو أول ما يتبادر إلى ذهنهم إن ذكرت أمامهم لفظة الحب، ولكن أليس الحب في زمن الشباب عائقا على الإنجاز والتحصيل والعيش السوي؟

    يبدو لي أن الحب المنتشر بين الشباب -الأولاد منهم والبنات- هو حب لإشباع شهوة، فغالبه يكون سطحيا جدا ولا يثمر خطوات جدية تتجه بهذا الحب نحو علاقة أكثر رسمية وجدية وتكون أسبابه من جنس المشار إليها سابقا: مخادعة للنفس وتكميل للنقص، وتحقيق للذات.

    مما أضر بأهل العشق أنهم

    هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا

    تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم

    في إثر كل قبيح وجهه حسن

    لا يخفى أن الحب والعلاقات في زمن الشباب تضيع فيه الكثير من الأوقات ويستهلك قدرا كبيرا من الطاقات التي إن صرفت في مجالات أخرى لكانت عاقبتها أكثر نفعا لصاحبها، إن الحب والعلاقات زمن الشباب من أكثر الأشياء التي تشتت المرء عن أهدافه وطموحاته، فبدل من أن يركز على بناء مستقبله وتحقيق أهدافه والسعي في تشييد مجده، يصرف وقته في ملاحقة أشخاص آخرين والسعي في الفوز برضاهم وتجنب سخطهم عليه فما أرخص البضاعة وما أعظم الثمن، وفي ذلك قول المتنبي.

    Zakaria Abderrahmane Bellouber

    Zakaria Abderrahmane Bellouber

    طالب جامعي وكاتب مهتم بالثقافة

    أنا بلوبر زكريا عبد الرحمان جزائري من مواليد 2004 طالب صحة وسلامة وبيئة، محب للكتابة ومهتم بالثقافة

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ