هل الفن يغير الانسان حقاً؟

Ayman Alam Eldin
كاتب مقالات وقصص قصيرة
نشرت:
وقت القراءة: دقائق
هل الفن يغير الانسان حقاً؟

الأديان السماوية وغير السماوية ، الرسل ، الأنبياء ، المفكرون و الفلاسفة العظام ، الشعراء و الروائيون ، وأساتذة الفصل في المدرسة و الجامعة ، وخطيب المسجد ، و الأم و الأب و الصديق الطيب ، و البرامج و الفيلم و الأغنية ،و الفن التشكيلي و الموسيقي ، كل هؤلاء يهدف نصحهم و تأثيرهم إلي تغيير السلوك.

الأديان و الرسل و أستاذ الفصل و خطيب المسجد و الأم والأب و الصديق الطيب يوجهونك بافعل و لا تفعل ، أما الفنون و الآداب فيدفعونك إلي التفكير ، و تأمل الذات ، و اللعب علي وتر المشاعر و الأفكار .

عندما يقدم فيلم سينمائي ..البطل الشاب...وهو يدخل شارعه الذي يسكن فيه ، و نراه يصافح الكبار و العواجيز بحب ورقة و اهتمام ، ويسلم علي الشباب بظرف و روح دعابة ، ثم يدخل بيته المتواضع ، فيطرق باب غرفة الجارة المسنة .. يضاحكها ويداعبها فتدعوله، ثم وهو في طريقه إلى السطح حيث غرفته المتواضعة ، يتقافز الكلب ويجرى باتجاهه، يحضنه ويلاعبه ..، قبل أن يدخل غرفته ، تكون أنت قد أحببت البطل دون أن يلفظ بكلمة واحدة .. ، ذاك هو الفن ، إنك بعد ذلك تعيش المواقف المرة والحلوة التي يعيشها البطل ، إنك تحبه، مع ملاحظة أن الفيلم يقدم لك أيضًا أخطاء البطل ( وكلما ارتقى مستوى الفن كلما كان قادرًا على نقل الشخصية بشكل جدلى حقيقي وموضوعي ) في المجمل تحس أن البطل بشر من دم ولحم ، فتبدأ في التفكير والتأمل ، وتصبح متورطًا بالفيلم ، تتحرك مشاعرك وربما عقلك وفقًا للأحداث ، الفيلم لا يجعلك تخرج من قاعة العرض متحليًا بالصفات الإيجابية للبطل او متجنبًا صفاته السلبية، إن إحساسك ومشاعرك يتحركان ، ويحدث ربما حوار في عقلك ، معادلات تصير أكثر وضوحًا ، مناطق مظلمة تضيء ، أفكار غير متوقعة تنبثق .. ، ويصبح العقل جاهزًا لمزيد من التراكم الذى يؤدي عند نقطة ما إلى تغيير السلوك للأفضل ( بإرادة الملتقى فقط ).

كون الفن هو تفاعل من شخص أو شخوص ما ، تفاعل عضوى وتلقائي يهدف لفهم الحياة وتبريرها وتبسيطها وتسجيل الخبرات الخاصة بالمبدع في الحياة بطريقة متماسكة ومؤثرة وكونه منتج طبيعى ، فليس هذا هو المبرر الوحيد للفن، لأنه يغير بشكل ما السلوك الإنسانى، هذا التغيير للأحسن هو أعظم مهمة كونية إضطلع بها الرسل، ولكن تغيير غير مباشر، يغير الذبذبات داخل العقل ليصبح مستعدًا للفهم والتلقى والاقتراب أكثر من الذات والخالق والكون.

لا بد أن تفرق بين الفن والأدب من وجهة نظر صانعه أو مبدعه وبين ماذا يشكل الفن والأدب للمتلقى.

إن فلانًا يمكنه ان يصنع قبقابًا خشبيًا .. لكى يتوضأ به المصلون ، لكن خادم المسجد ربما يستخدم هذا القبقاب كشاكوش يدق به مسمارًا في أحد أبواب المسجد، المبدع غير مسئول تمامًا عن نظرتك لصنعه وإنتاجه، هو لا يفكر بتغيير العالم وتهذيب السلوك، والتأثير الإيجابى العظيم على المجتمع، هو يفكر وفقًا لحسابات فنية، مثلاً .. كيف يكون مدهشًا ( لماذا؟ ليس من شأنه أن يعرف ) كيف يكون طازجًا عفويًا معبرًا بصدق عما يجيش بصدره والذى ربما يكون غائمًا وغير محدد الملامح ، إنه يطرح روحه على الورق أو الخشب أو الشريط السينمائي مأخوذًا بحسابات فنيه تخضع لإحساسه، إنه يمتلك صنعة بناء عمل فنى ، أما المضمون فهذا شأنك أنت أيها المتلقي، إنك من تفسر برؤيتك، وربما تتأثر ويتغير سلوكك دون وعى بالمادة التي تلقيتها وأثرت هذا التأثير، كون الفن هو ملاذ للفنان وطريقة لهزيمة الدنيا التي قد تكون هزمته في مواقع أخرى، لا علاقة له برسالة موجهة ، الفنان لا يقول لك: صلى أو تصدق ، الدين يأمرنا بهذا، لكن الفنان بعمله الذي هو ضمن عوامل أخرى كثيرة مثل الدين والأب والام ، يجعل روحك مهيأة لأن تبتسم في وجه أحد أو تقسم الرغيف بينك وبينه.


اقرأ ايضا

    إن الفن والادب يغيران ويرتقيان بالسلوك بشكل غير مباشر، بحيث يجعل مشاعرك تتغير ويذهب بعقلك لفهم والتعمق في نقطة ما دون أن يوجهك بشكل مباشر، فإذا أصبح مباشرًا فقد كونه فن او ادب، وعجز عن توصيل الرسالة، لأن هناك أدوات كالأديان توجه بشكل مباشر، الدين يأمرك بأن ترتبط بزوجة على خلق ودين "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، أما الفن فيصنع علاقة بين شاب وشابه، ومن خلال الأحداث التي تعكس عدم تماثلهما في الأخلاق مثلًا .. نصل إلى نقطة فشل العلاقة، لقد قال هذا الفن دون أن ينصح بشكل مباشر، ومن ثم فتأثير هذه الرسالة سيختلف من شخص لآخر ، ربما يترك أثرًا خفيفًا على شخص ما ، ويتعرض هذا الشخص لوسائط أخرى مثل حكايات الأقارب ، وتجارب الأصدقاء ، فتصل له فكرة فشل العلاقة بسبب سوء خلق أحد الطرفين ، وهكذا يحدث تراكم فكرى يومًا بعد يوم، ثم يصل المتلقي للتأثر المطلوب.

    لو صار الفن والأدب مباشرين لفقدا قدرتهما الهائلة على التغيير ( الغير مباشر ) الذي يعتمد على الغموض والإيحاء.

    Ayman Alam Eldin

    Ayman Alam Eldin

    كاتب مقالات وقصص قصيرة

    كبير معدين بالقناة الثالثة بالتليفزيون المصرى كاتب قصص قصيرة

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ