هرم ماسلو للاحتياجات Maslow's Hierarchy of Needs

إيمان الحياري
كاتبة محتوى تقني ومنوع
وقت القراءة: دقائق

حتمًا قد شاءت بك الحياة إلى البحث عن طريقة فعالة لتحقيق حاجة أو رغبة داخلية من وجهة نظرك أساسية، لكن سرعان ما ارتفعت وتيرة اهتمامك بتلبية حاجة أخرى قد ظهرت بعد انتهاء تلبية الحاجة السابقة، واستمر الأمر كذلك حتى شعرت ان الحاجات والرغبات تتوالى تلقائيًا دون تخطيط مسبق لها، رغم أنه في بعض الأحيان قد تظهر العديد من الحاجات والرغبات في آنٍ واحد؛ لكنك تتجه لتحديد الأكثر أهمية لتبدأ بها ثم الانتقال إلى غيرها.

على سبيل المثال قد تظهر لديك الحاجة بأن تذهب في رحلة إلى الشاطئ لقضاء وقت ممتع للترفيه عن نفسك والتخفيف من وطأة ضغوطات الحياة عليها، لكن لا بد أولًا من تأمين احتياجاتك من الغذاء والشراب قبل أن الانطلاق في هذه الرحلة، هنا أجريت مقارنة واضحة بين المهم فالأهم؛ تلقائيًا توجهت لتأمين الاحتياجات الأساسية لأي إنسان طبيعي قبل الانتقال إلى الكماليات، هكذا هرم ماسلو بالتحديد، يجعل من قاعدة الهرم احتياجات الإنسان الأساسية ويتدرج بالصعود نحو القمة بالانتقال بين حاجة وأخرى.

هرم ماسلو للاحتياجات Maslow’s Hierarchy of Needs

هرم ماسلو للاحتياجات Maslow's Hierarchy of Needs

في عام 1943م أخرج أبراهام ماسلو Abraham Maslow للعالم الإنساني في البحث المنشور "نظرية الدافع البشري" مفهومًا جديدًا هو التسلسل الهرمي للاحتياجات، وعاود الحديث عنه مجددًا في كتاب "الدافع والشخصية"، وقد تبنى الحديث في هذا الصدد عن هرم متكامل يبدأ من القاعدة لتكون مركز الاحتياجات الأساسية ثم التوجه مستوى تلو الآخر للوصول إلى الاحتياجات الأخرى المتقدمة في قمة الهرم.

إن هرم ماسلو يعبر عن مدى فهم واستيعاب ماسلو للطبيعة الإنسانية كما هي؛ فقد كان من الرواد الذين أشاروا إلى وجود حوافز داخلية في الأعماق تدعوهم بإلحاح إلى ضرورة تلبية الاحتياجات الأساسية؛ حتى يكون قادرًا على المضي قدمًا والانتقال إلى تلبية الاحتياجات الأخرى.

العديد من المدارس الفكرية المهتمة بتفاصيل التحليل النفسي والسلوكي قد أبدت تركيزها بشكل واضح على الإطار الإشكالي للسلوكيات دون التعمق بما خلف الكواليس، إلا أن ماسلو قد جاء ليبدد كل ذلك ويكشف الستار عما يسعد البشرية فعليًا والدوافع التي تدفعهم للقيام بذلك.


اقرأ ايضا

    فقد أوضح ماسلو بدوره أن ترتيبه للاحتياجات في الهرم لم يأتِ عبثًا؛ بل جاء حسب الدور الذي تؤديه باعتبارها أشبه بالغرائز المحفزة للسلوك، فإنك تلقائيًا تبدأ من قاعدة الهرم في تلبية الاحتياجات الفسيولوجية مثل الغذاء والدواء وما شابه، ثم تتجه أنظارك لتبحث بعمق عن الأمان لتعيش حياة هادئة ومستتبة، إلا أنك لن تقف هنا إطلاقًا بل تتجلى لديك الغرائز والدوافع الداخلية بحثًا عن الحب والإنتماء.

    بعد أن يضمن الإنسان احتياجاته الفسيولوجية والأمن والحب، فإنه يصبح شعور داخلي بحاجته تلقائيًا إلى التقدير والاحترام لنفسه وفي محيطه، وعند تحقق الأمر يتجه نحو قمة الهرم ويرفع رايته بعد تلبية جميع احتياجات تحقيق الذات.

    مبتكر هرم ماسلو للاحتياجات

    طُوّر هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية على يد عالم النفس الأمريكي إبراهام ماسلو Abraham Maslow's، والذي اقترن اسمه بهذا الهرم لتوضيح أبعاد الدوافع البشرية وتفنيد النظريات ذات العلاقة إجمالًا، وقد أدى دورًا عظيمًا في مجال النظريات الإنسانية، وبرز في مجال علم النفس الإنساني حتى كان رائدًا في تأسيس المدرسة الفكرية "علم النفس الإنساني" وغيرها الكثير.

    ولد ماسلو في مطلع شهر أبريل عام 1908م في ربوع بروكلين في نيويورك، تلقى تعليمه الجامعي في كلية مدينة نيويورك في القانون، ولم يتوانى عن تطوير اهتماماته في مجال علم النفس، ثم توجه لدراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في جامعة ويسكونسن في مجال علم النفس بعد ذلك.

    قد يهمك أيضًا: أقوال وعبارات تحفيزية لتطوير النفس والذات

    شرح هرم ماسلو للاحتياجات

    هرم ماسلو للاحتياجات Maslow's Hierarchy of Needs

    توجهت أنظار ماسلو إلى التفكير بطريقة فعالة توضح فعليًا كيفية تنظيم محفزات الإنسان وتوضيح حقيقة ما يحتاج لتلبيته أولًا حتى يكون قادرًا على تلبية التالي منها، لذلك نظم هرم ماسلو المؤلف من خمس احتياجات أساسية حسبما يراه، وذلك على النحو الآتي:

    1. الاحتياجات الفسيولوجية Physiological

    في الحقيقة لا يمكن لأي إنسان أن يحقق المستويات المتقدمة من الاحتياجات الإنسانية في حال لم يحقق الاحتياجات الفسيولوجية أو بمعنى آخر الجسدية، فإن جسدك عندما يطالبك بالماء أو الأكل؛ فإنه بذلك يرسل إشارة لعدم تمكنه من إتمام أي عملية أخرى دون تلبية متطلباته هذه، فإن الأكل والشرب يعني تمكين الجسم من التوازن وتحقيق مستوى ثابت في الأداء لأجهزة الجسم؛ على سبيل المثال استقرار درجة حرارة الجسم عند 37 درجة مئوية مثلًا.

    فإن كنت جائعًا مثلًا؛ فإن الأمر يكون بمنتهى الصعوبة أن تسلط تركيزك على أمور أخرى، كذلك الحال عند فقدانك القدرة على النوم الكافي فإنك تصبح مرهق وغير قادر نهائيًا على القيام بأي شيء نتيجة خمول الجسم؛ ما يجعلك تركن جميع الاحتياجات جانبًا طالما بعيدة عن الجسدية لتلبية حاجة النوم.

    الاحتياجات الأساسية التي يحتاج إليها الجسد ولا يمكنه العيش بدونها هي النوم، الغذاء، الماء، التنفس، المأوى، فإن هذه الخماسية تعتبر ركائز للبقاء البشري في هذه الأرض.

    2. الشعور بالأمان Safety

    هل تشعر بأن طفلك بحالة جيدة عندما يكون في بيئة غير مستقرة لا توفر له الأمان؟ هل يهدأ لك بال عندما يكون محيطك مخيف وغير آمن إجمالًا؟ مستحيل ذلك فإن الخوف والقلق والتوتر وانعدام الأمان يجعل الحياة جحيمًا بحد ذاته، ما يترتب عليه اضطرابات نفسية عميقة عادةً، وما يؤكد ذلك أن الدول المتقدمة تتجه لإعلان حالات الطوارئ واتخاذ التدابير القوية في حال الكوارث والحروب؛ وذلك في مساعٍ لتوفير جو آمن للمتواجدين في أراضيها.

    ليس ذلك فحسب؛ بل أن الأمان بشكل عام بمختلف مستوياته يعني التوجه إلى فعل أي شيء يولد لديك شعور بالاستقرار النفسي ويعظم شعورك بعدم الخوف من شيء ما، لذلك يعتبر تلبية الحاجة إلى البيئة الآمنة في حياة الطفل والإنسان مطلب أساسي لا يمكن تجاهله؛ حتى ينمو نموًا سليمًا ويكون إنسان متزن نسبيًا.

    3. الحب والإنتماء Love and Belonging

    شعورك بأنك إنسان مقبول من الجميع ومرغوب بك غريزة وليس مجرد شعور عابر، فإن الإنسان بطبيعته يسعى جاهدًا حتى يكون جيد في عيون الآخرين على الأقل، ثم يتعاظم الأمر لديه حتى يحتاج لأن يكون محبوبًا ومختارًا بين حشود الناس لدى شخص معين، سواء في الحب بين الأزواج أو الأصدقاء أو العائلة.

    إلا أن الحب الذي تمنحه العائلة لأبنائها هو الحب والانتماء الأهم من جميع العلاقات الأخرى، فإنها اللبنة الأساسية التي تصقل الشخصية فقد تمكن ماسلو من الوصول إلى أن الروابط الاجتماعية اللطيفة والجيدة إجمالًا تعود عليك بالصحة البدنية الجيدة أيضًا، أما العزلة والاكتئاب والانفراد والرهاب الاجتماعي فإن له عواقب وخيمة إجمالًا.

    4.التقدير Esteem

    لو لم يكن التقدير مهمًا لما سعى الجميع لبذل جهودهم في تطوير أنفسهم بمجالٍ ما يثير اهتمامهم وانتظارهم لحظات التكريم والتقدير، مهما بلغت مكانة الإنسان يبقى بحاجة إلى التقدير، على سبيل المثال فإن الممثلين العالميين في أضخم الأفلام والمسلسلات الذي يقدمون أدوارًا مذهلة؛ ينتظرون التكريم والتقدير في قوائم أفضل فنانين وأفضل أفلام، وهلم جر على هذه الأمثلة.

    هنا تتجلى حاجة الإنسان إلى الثناء على إنجازه وإشباع شعوره بالرضا عن النفس ما يعزز لديه الثقة بنفسه، فإن الأمر قائم على رضاه وتقديره بنفسه لنفسه ومن الآخرين، كلما اعترف الآخرين وقدروا إنجازاته كان أكثر هدوء واستقرار نفسي وثقة، وفي الحقيقة إن غياب التقدير والاحترام للإنسان يولد لديه مشاعر الدونية حسب اعتراف عالم النفس ألفريد أدلر.

    5. احترام الذات Self-Actualization

    عند بلوغك مرحلة احترام الذات في هرم ماسلو (قمة الهرم) يعني أنك قد راضٍ تمامًا عن نفسك، إلا أن الأمر هنا قد يختلف قليلًا بمعنى احترام الذات بين الأفراد حسب وجهة نظرهم، كأن تؤمن أنت بأنك قد حققت ذاتك بمجرد تواجدك لمساعدة الآخرين على الدوام، بينما أنظر أنا لتحقيق ذاتي بأنني قد حققت إنجازات فنية وإبداعية، لذلك فإن الرضا عما تقوم به رضا تام يعني أنك قد حققت ذاتك، لكن الغريب أن ماسلو يقول بأنه أمر نادر نسبيًا.

    انتقادات موجهة لنظرية ماسلو والهرم

    هرم ماسلو للاحتياجات Maslow's Hierarchy of Needs

    واجه هرم ماسلو العديد من الانتقادات واللوم تقريبًا على ترتيبه الاحتياجات الإنسانية بهذه الطريقة، فقد عبر باحثان في كلية باروخ هما بريدويل ووهبة بأن الأدلة ضئيلة جدًا على تحقق ومصداقية هذا الهرم، فإن الإنسان قد يكون قادرًا على تلبية هذه الاحتياجات دون هذا الترتيب بشكل عشوائي، لكن معظم الدراسات والأبحاث أكدت بأن هرم ماسلو هو الأصح والأصدق.

    من جهةٍ أخرى وجه النقاد أصابع الاتهام لنظرية ماسلو بصعوبة اختبارها علميًا، تحديدًا بما يخص تحقيق الذات الذي يعد نطاق لا يمكن فهمه وتحديد زواياه؛ فإن لكل إنسان نظرته الخاصة به، أما الانتقادات الحديثة فقد وجهت أصابع الاتهام لماسلو بأنه يؤمن بعقيدة أمة بلاكفوت وقد توجه إلى استيحاء أفكاره منها في بناء هذا الهرم.

    ختامًا، فإن تلبية الاحتياجات الإنسانية كما وردت في هرم ماسلو ضرورية لا محالة، فإن جلسنا لبرهةٍ من الوقت سنجد أننا لن نتمكن من تحقيق ذاتنا والقيام بما يوكل إلينا من مهام إذا لم تلبى لنا الاحتياجات الفسيولوجية أبدًا! لذلك على الإنسان العمل على تطوير ذاته والاهتمام بها بتلبية متطلباتها حسب ما تراه عينيه إلا أن هذا الهرم بالمجمل مخطط سير فعال لوصول أعلى درجات تحقيق الذات واحترامها طموح كل إنسان على هذه الأرض.

    المراجع

    Maslow's Hierarchy of Needs

    Biography of Abraham Maslow (1908-1970)

    إيمان الحياري

    إيمان الحياري

    كاتبة محتوى تقني ومنوع

    كاتبة محتوى إبداعي واحترافي أشغف في إثراء المحتوى العربي، هدفي إفادة الشباب العربي بالمعلومات المستوحاة من مصادرها الموثوقة وتقديمها بأبسط ما يمكن لتكون متوفرة فور البحث عنه.

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ