مشاعر الأمومة ملاذ آمن رغم المشقة ... حب غير مشروط ومشاعر جياشة حتى الفيضان

الأمومة بحر من المشاعر الجياشة

أستذكر أيامًا كنت أعجب بها من قدرة الأمهات على استيعاب كمية البكاء من أطفالهّن، وقدرتهّن الجبارة على مواصلة ساعاتٍ طويلة من الملاحقة ما بين طعامٍ وشراب ومحاولات نومٍ تبوء بالفشل وغيرها، وكنت أردد دومًا أنني لن أتمكّن من تحمّل ذلك، والآن أصبحت أمًا تضع نفسها آخر خيار للحصول على الأشياء، وعلامات الاستغراب والإعجاب في آن واحد من الأقارب حول دوري في الأمومة الذي أؤديه دون كللٍ أو ملل، لذلك قررت الكتابة في سطوري القادمة عن الأمومة وما يختفي خلفها من متاعب ومشقة.

الأمومة ما بين تعبٍ حتى البكاء وعشقُ غير مشروط

لا أنكر أنني أبلغ لحظاتٍ من الانهيار والبكاء من شدة التعب رغبةً في الراحة، لكن أقاوم ذلك وأنهض لأمارس دوري مع أطفالي؛ فإنهم ملاذي، رغم شدة التعب والبكاء إلا أنني أشعر بالراحة بوجودهم في أحضاني، أشعر بأنني بحاجتهم تمامًا كما هم بحاجتي، الكثير ممن يجهلون دور الأم وشوقها للجلوس وارتشاف فنجان قهوة ساخنًا بهدوء، يعتقدون أنها تكره أطفالها ونادمة على ولادتهم.

فئة كبيرة توجه أصابع الاتهام للأمهات اللواتي يعبرن عن شعورهن بالتعب واليأس بأنه كره لأطفالهن، أنا كأم أجزم بأن قلوب الدنيا بأسرها لو اجتمعت لن توفي أطفالي الحب الغامر والمتدفق في قلبي اتجاههم.

نبض الجنين حياة للأم فوق حياتها

لو جلست الأمهات تصف شعور الأمومة حتى الصباح لك؛ فإنك لن تشعر به حقًا إلا لحظة سماع نبض الجنين للمرة الأولى، لا أنسى تلك اللحظة الأولى التي أشار لي الطبيب بوجود مشكلةٍ ما في الحمل مع احتمالية عدم اكتماله! شعورٌ بالرهبة اجتاحني وقلق وخوف رغم أنه لم يتكوّن بعد حتى بدأ فيضان المشاعر بالتدفق نحوه، 15 يوم حتى التأكد من السلامة مرت سنوات طويلة جدًا، إلا أن دمعة الفرح بسماع النبض للمرة الأولى كانت قد أزالت عني تعبًا وبكاءًا عمره أعوام.

إن كنتِ من اللواتي يتساءلن متى تبدأ مشاعر الأمومة بالتحديد! في البداية إنها غريزة في الأنثى عامةً، لكن مشاعر الأمومة الحقيقية والحب اللا مسقوف يبدأ منذ اللحظة الأولى من علمك بوجود روح بريئة تنبض في أعماق رحمك تستعد لتنير حياتك وتجعل لها معنى، ومن شدة حبي لأطفالي أشعر بأنه حبٌ يوجع القلب فإن ألمهم وبكائهم يكون أشد وقعًا عليّ.

حركة الجنين أسلوبٌ غير مقصود لطمأنة الأم

فترة الحمل لا تشهد فقط ارتفاع مستوى هرمون الحمل! بل هرمون الحب والعشق والهيام بذلك الكائن يكون أعلى مستوى، والأروع من ذلك عندما تزداد وتيرة حركة الجنين أيضًا؛ فإنني كأم أشعر براحةٍ نفسية عظيمة عندما أطمئن على طفلي الذي همت به عشقًا قبل أن أراه؛ فإن حركاته العشوائية البريئة الأسلوب الأصدق من الطب بأسره بأنه بخير وسلامة بالنسبةِ لي، ولا أخفيك عن كمية القلق والخوف التي تجتاح أعماق الأم عند هدوء الجنين لفترةٍ من الوقت، ولو كان الأمر بأيدينا لنود إخباره بأن يتحرك طوال الوقت.

الحمل ذلك المضحك المبكي

من المؤكد أن المشاعر الرائعة العميقة التي لا يضاهيها شعور في الدنيا لا تأتِ بغمضةِ عين، فإن الكثير من لحظات التعب والإرهاق وتأثير الهرمونات على المزاج والصحةِ العامة، إضافة إلى القلق على صحة الجنين خوفًا من أن يمسّه أي سوء، وليس ادعّاء؛ فقد وصفت هذه الرحلة المرهقة في كتابه العزيز في سورة الأحقاف "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا"، وفي موضعٍ آخر وتحديدًا سورة لقمان "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن".

إلا أن بر الآمان بلوغه بسماع بكاء الجنين عند خروجه للدنيا للمرة الأولى، فإن صرخة تعلن بدء حياة روح على هذه الدنيا، إلا أنه سيكون الروح لوالديه قبل أن يكون روحًا لذاته، حتمًا إحساس الأمومة لأول مرة له معنى خاص، إلا أن الطفل الثاني أيضًا يأتي ليشاطر الأول بقلب والديه.

بعد انتهاء الحمل كنت أعتقد بأن مشاعر الأمومة قد بلغت أوجها، إلا أنها ما زالت يوميًا تحطم أرقامًا قياسية جديدة لينغمسوا في القلب أكثر، رغم بلوغهم مرحلة متعبة ومرهقة.

الأمهات مقر الأمان ووطن للأبناء وبوصلة للتوجيه والإرشاد، لكن لا أحد يلقي بالًا لما تشعر به الأمهات من رغبةٍ عارمة في البكاء أو الراحة.

لا أذكر آخر مرة نمت فيها نومة كاملة أو شربت فنجان قهوةٍ ساخنًا، أو جلست على مائدة الطعام كالبقية؛ كان من المفترض أن أترك مكاني مرارًا .. للعلم ليس شكوى ولكن نبذة عما تواجهه الأم، والمضحك بالموضوع أنني كنت أرفض ذلك رفضًا قطعيًا في مرحلة قبل الزواج.

تلك التفاصيل الصغيرة محط اهتمام الأمهات الأكبر، أبسط الحركات بالنسبة لقلوبنا زلزال عشق يجتاحنا ونزداد حبًا يومًا تلو الآخر، ودومًا الأبناء من نتمنى أن يصبحوا الأفضل في العالم، وأيضًا أفضل مني شخصيًا، فإنهم الآن الطموح فقد تلاشت طموحاتي وتجسدت بهم فقط.

ختامًا، الأمومة المهمة الأكثر روعة في الحياة رغم ما يتخللها من إرهاق شديد، لكنني دومًا أحمد الله سبحانه وتعالى على النعمة والذي مّن عليّ بمن يستحق التعب، لا أسفًا على سهر ولا قلة أكل، ولا أسفًا على إرهاق، فإنهم الحب الأزلي الذي يستحق كل معاني التضحية دون ندم، فإن الأبناء هم سر السعادة والهناء، فاللهم احفظهم في مكانٍ غابوا به عن عيني واحفظ للجميع أبنائهم..

إيمان الحياري

كاتبة محتوى تقني ومنوع

كاتبة محتوى إبداعي واحترافي أشغف في إثراء المحتوى العربي، هدفي إفادة الشباب العربي بالمعلومات المستوحاة من مصادرها الموثوقة وتقديمها بأبسط ما يمكن لتكون متوفرة فور البحث عنه.

تصفح صفحة الكاتب