لا ليست مجرد وسائل للتواصل الاجتماعي.. كيف تؤثر منصات السوشيال ميديا على الرأي العام؟
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولعندما نفكر في السوشيال ميديا، يتبادر إلى أذهاننا غالبًا مفهوم أنها منصات للتواصل الاجتماعي أو للترفيه، حيث نجد أنفسنا نمضي ساعات طويلة يوميًا في عوالم افتراضية مليئة بالمشاركات الاجتماعية والصور الجذابة ومقاطع الفيديو المسلية. ومع ذلك، تُظهر في هذه المنصات استخدامات أخرى تتعلق بتأثيرها على الرأي العام والتحيزات التي تُخفي حقائق وتُقصي أراء وتُبقي على أخرى.
ففي عصر اليوم، تعتبر منصات التواصل الاجتماعي وسيلة قوية لنقل الأفكار والتواصل مع الجماهير الضخمة. ولكن هل فكرنا كيف تؤثر السوشيال ميديا على الرأي العام؟ وكيف تنحاز لفئات أو جماعات دون غيرها؟ هذا ما سنعرفه فيما يلي:
هل يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تغير آرائنا؟
أجرى الدكتور مايكل وركمان، أستاذ إدارة التكنولوجيا، دراسة حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التحيز. فوجد أنه عندما يبحث الأشخاص عن معلومات جديدة حول موضوع ما، يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تؤثر على آرائهم. ولكن إذا كانوا قد اتخذوا قرارًا بالفعل بشأن موضوع معين، فلن تغير وسائل التواصل الاجتماعي رأيهم بشكل كبير، كما إنهم في الغالب سيبحثون عن معلومات لتأكيد ما يؤمنون به بالفعل.
بدأ وركمان هذه الدراسة لشركة مالية عالمية قامت بإعادة هيكلة تعويضات الموظفين من الزيادات إلى المكافآت المتدرجة. سعت الموارد البشرية إلى فهم مشاعر الموظفين بشأن تغيير الأجور وكيف سيتم تلقيه على مستوى الشركة.
وفي دراسته، استخدم وركمان تقنية برمجة اللغة الطبيعية لتحليل مشاعر الموظفين بشأن تغييرات التعويضات على وسائل التواصل الاجتماعي. وجد أن الأشخاص الذين يركزون على الخارج ويرغبون في معرفة آراء الآخرين كانوا أكثر تأثرًا بتعليقات وسائل التواصل الاجتماعي من الأشخاص الذين يعتمدون أكثر على آرائهم الخاصة عند اتخاذ القرارات.
اقرأ ايضا
وبناءً على هذا البحث، يُشجع وركمان الأفراد على تثقيف أنفسهم حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والتفكير بشكل نقدي قبل اتخاذ أي موقف.
ما هو الهدف من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التأثيرعلى الرأي العام؟
يختلف الهدف من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كقناة للتأثير على الرأي العام من موقف إلى آخر. حيث يوجد العديد من الحالات التي يمكن فيها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإحداث تغيير من خلال التأثير القوي الذي تحدثه على الناس.
وفي بعض هذه الحالات، قد يكون الهدف هو تغيير الوضع السياسي بالكامل. وفي حالات أخرى، قد يكون الغرض هو دعم الأقليات المضطهدة، وتحدي الأعراف الاجتماعية، والتعبير عن أفكار الجمهور للحصول على موافقتهم ودعمهم في المقابل، أو توجيه الرأي العام في اتجاه معين من خلال إخفاء الحقائق.
كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام؟
في الماضي كان لوسائل الإعلام التقليدية تأثيرها على الرأي العام. وعندما ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي بكل مميزاتها وإمكانياتها، حلت محل الصحافة التقليدية، وأثبتت أن لها تأثيرًا هائلًا على الرأي العام. وفيما يلي بعض الطرق التي تُستخدم فيها السوشيال ميديا للتأثير على الرأي العام:
1. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في فرض الحركات الاجتماعية والتأثير على الرأي العام
المنصات الاجتماعية هي أدوات تستخدم للوصول إلى المجال العام والتأثير عليه. يتكون المجال العام من مجموعة من المواطنين الذين يجتمعون ويناقشون مسائل مختلفة. يمكن أن يحدث ذلك من خلال منصات مختلفة، بما في ذلك؛ المقاهي والأماكن العامة والنوادي وغيرها. ومع ذلك، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت إضافة لا تقدر بثمن، إن لم تكن البديل الأمثل للمنصات التقليدية، وأصبحت تؤثر على الحركات الاجتماعية.
لقد كانت الحركات الاجتماعية دائمًا سلاحًا فعالًا استخدمه الناس على المستوى الوطني والدولي في جميع أنحاء العالم لإعادة هيكلة الماضي، وإعادة تشكيل الحاضر، وتغيير مستقبل المجتمع. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التواصل بين المجال العام أسهل بكثير. أيضًا، وبالنظر إلى مليارات الأشخاص الذين يتصفحون الإنترنت ويدخلون وسائل التواصل الاجتماعي في نمط حياتهم، أصبحت تلك الحركات الاجتماعية قادرة على الوصول إلى جماهير أكبر. أدى ذلك إلى تغيير الفكرة وراء المجال العام، حيث أنه لم يكن حكرًا على مواطني دولة معينة. والآن يمكن للحركات الاجتماعية أن تصل إلى الجميع عبر فيسبوك أو تويتر أو أي منصة أخرى، مما يجعل الحركات الاجتماعية مسألة دولية يمكن للجميع المشاركة فيها.
ويظهر أثر وسائل التواصل الاجتماعي في فرض الحركات الاجتماعية من خلال مساعدة تلك الحركات على نشر السرد الذي يمكنها من خلاله اكتساب التعاطف، والانتشار السريع للمعلومات الذي يساعد على التحقق من صحة الحركة وتوسيعها، وتمكين المتظاهرين من تجاوز الرقابة التي تفرضها الحكومة في بعض الحالات، وإنشاء هاشتاجات وتيارات للتعبيرعن مطالبهم، وإجبار السلطات على اتخاذ إجراءات لصالحهم لتجنب الغضب الشعبي.
ففي الديناميكية القديمة، كانت الحركات الاجتماعية تتطلب قادة رأي، مما جعل من الصعب الاستماع إلى الأصوات المنخفضة داخل الحشد. في أيامنا هذه، أصبح كل فرد قائدًا لحركته الخاصة، وأصبحت الفرص متاحة بشكل أكثر تكافؤًا. وفيما يلي مثال على إحدى الحملات الأكثر إلهامًا على وسائل التواصل الاجتماعي استجابةً للقضايا الاجتماعية:
· حملة نايكي "لمرة واحدة فقط، لا تفعل ذلك"
لم تكن شركة نايكي غريبة عن الحركات العنصرية في أمريكا. وفي واقع الأمر، فقد أظهرت دائمًا دعمها لمثل هذه القضايا. تم إطلاق حملة "لمرة واحدة، فقط لا تفعل ذلك" ردًا على مقتل جورج فلويد بسبب وحشية الشرطة. وتضمنت الحملة بيانات تم نشرها على قنوات التواصل الاجتماعي. وقالت نايكي: "لمرة واحدة، لا تفعل ذلك. لا تتظاهر بأنه لا توجد مشكلة في أمريكا. لا تدير ظهرك للعنصرية".
وقد حظيت الحملة باستحسان كبير من الجمهور، بما في ذلك منافستها شركة أديداس التي أعادت تغريد الرسالة. وكما ذكرت مجلة فوربس، فإن فريق العلاقات العامة في نايكي ضرب مثالاً على أهمية الاستجابة للقضايا الاجتماعية والتناوب على تغيير الوضع وتوجيه الرأي العام نحو الأفضل.
2. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التأثير على وجهات النظر السياسية
كما ناقشنا سابقًا، كانت وسائل التواصل الاجتماعي عاملاً مهمًا في ظهور الحركات الاجتماعية، حيث تم استخدامها كقناة للعديد من العلامات التجارية لإطلاق حملاتها الخاصة كموقف حول القضايا الاجتماعية. ومع ذلك، تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا من التأثير على الآراء السياسية التي يتبناها الجمهور. ليس هذا فحسب، بل أيضًا عملية التفكير التي من خلالها يصلون إلى هذه الاستنتاجات.
وفقًا لمايك هورنينج، خبير جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، عندما تنتشر معلومات كاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول كون العملية الانتخابية غير عادلة، فقد يؤثر ذلك على شعور الجمهور تجاه العملية الانتخابية برمتها وتقويض إيمانهم بالديمقراطية. وهنا يأتي دور وكالات العلاقات العامة، فهي قادرة على ترجمة الوضع بأمانة وإيجابية للجمهور. حيث يمكن لوكالات العلاقات العامة ذات الخبرة في المجال السياسي اختيار النهج المناسب وإطلاق حملات من جهة أخرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتثقيف الجمهور حول العملية الانتخابية والوصول إلى جمهور أوسع، ومن ثم التأثير على الرأي العام.
وفيما يلي مثال على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الآراء السياسية للجمهور:
· الحركة الخضراء الإيرانية
لقد ذكرنا أن آراء الجمهور بشأن الانتخابات تأثرت سلبًا. أدى الجدل الدائر حول الانتخابات الإيرانية إلى احتجاجات الإيرانيين ضد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المثيرة للجدل للغاية في عام 2009.
بدأت الاحتجاجات ليلة 12 يونيو 2009، في أعقاب الإعلان عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بما يقرب من 63% من الأصوات، على الرغم من التقارير عن حدوث مخالفات في العملية الانتخابية. انتشر الاحتجاج على نطاق واسع بفضل تطبيق الوسائط الاجتماعية "Telegram" الذي جعل تبادل الأخبار بين المدنيين أسهل بكثير.
3. التأثير على الرأي العام من خلال التحيز ضد الحقائق
نتيجة لعدم ثقة الجمهور تجاه وسائل الإعلام التقليدية، انخفض تأثيرها على الرأي العام على مر السنين. بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وجد الناس طريقة جديدة للحصول على المعلومات من مصادر مختلفة والوصول إلى الحقائق غير المتحيزة بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، زودت وسائل التواصل الاجتماعي الناس بنظام تواصل ثنائي الاتجاه. فهم لا يتعرضون لأفكار وآراء مختلفة فحسب، بل إنهم قادرون أيضًا على التعبير عن أنفسهم من خلال المناقشات داخل مجتمعاتهم الافتراضية وتقديم التعليقات لمنشئي المحتوى.
رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي أثبتت أنها أداة للحرية في أيدي مستخدميها، إلا أنها بدأت تظهر سلبياتها في الآونة الأخيرة. أصبح نشر المعلومات الكاذبة عبر الإنترنت وانتهاك خصوصية المستخدمين هي المشاكل الرئيسية التي يعاني منها المستخدمون بشكل يومي. بالإضافة إلى ذلك، فإن القائمين أيضًا على منصات التواصل الاجتماعي يواجهون اتهامات بالتحيز الذي يقوم بإخفاء الحقائق وتوجيه الرأي العام في اتجاه معين.
وقد استعانت شركة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام، بشركة استشارية مستقلة في عام 2022 للتدقيق في المسؤولية الاجتماعية لمنصاتها. ولمعرفة ما إذا كان التحيز موجودًا، وهل هذا التحيز متعمد أم غير مقصود؟ وقد أكد التقرير صراحةً أن التحيز متعمد بالفعل.
لم يكشف فيسبوك عن نوع الخوارزميات التي تقوم بتصفية المحتوى أو سياستها، لكن الخوارزميات ليست متحيزة بذاتها، بينما يأتي التحيز نتيجة التدخل البشري، حيث يتم تزويد الخوارزميات بالبيانات المتحيزة ويتم انتقاء البيانات بعناية لتعزيز وجهة نظر معينة. وفيما يلي أمثلة على ذلك:
· منصات سوشيال ميديا تساعد في رواج الروايات الإسرائيلية خلال العدوان على غزة
عندما يتعلق الأمر بالصراع مع إسرائيل، تبنت وسائل التواصل الاجتماعي الرواية الإسرائيلية دون مراعاة وجهات النظر المتعارضة. وقد تحقق ذلك من خلال استخدام بيانات "التعلم الخاضع للإشراف"، والتي تستلزم تحديد وتصنيف أنواع الكلام المقبولة. وقد ظهر التحيز من خلال حظر كل من يقوم بنشر منشورات تدين الجانب الإسرائيلي في حين لم يتم حظر اللذين يحرضون على العنف من هذا الجانب بالرغم من الإبلاغ عن تلك المنشورات. مما يساعد على رواج الروايات الإسرائيلية وتأثيرها على الرأي العام وجذب التعاطف وعدم السماح لذلك بالنسبة للجانب الفلسطيني.
· الفائزة بنوبل للسلام تتهم فيسبوك "بالتحيز ضد الحقائق"
انتقدت الصحافية الفلبينية الفائزة بجائزة نوبل للسلام ماريا ريسا، موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي ووصفته بأنه تهديد للديمقراطية، قائلةً إنه يعجز عن منع خطاب الكراهية والمعلومات المغلوطة وإنه "يتحيز ضد الحقائق".
وقالت الصحافية ومديرة موقع "رابلر" الإخباري الفلبيني، والتي كانت هدفاً لحملات كراهية مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي من أنصار الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، الذين قالت إنهم يستهدفون تدمير سمعة موقعها الإخباري: "إن خوارزميات فيسبوك تعطي أولوية لنشر الأكاذيب الممزوجة بالغضب والكراهية أكثر من الحقائق، وأن الشركة تقوم بتغليب تحقيق أرباح على مكافحة خطاب الكراهية وانتشار المعلومات الخاطئة".
ختامًا، أصبح من الواضح أنه في عصرنا الحالي، لا يمكن تجاهل أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية. فهذه المنصات لم تعد مجرد وسيلة للتواصل الاجتماعي أو للترفيه، بل أصبحت أيضًا واجهة لعرض وتبادل الأفكار والآراء والأخبار وتوجيه الرأي العام. ومع زيادة الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات، يجب أن نثقف أنفسنا عن تأثير هذه المنصات على الرأي العام، وأن نكون حذرين عند التعامل معها وأن نفكر بشكل نقدي.
المراجع
https://education.tamu.edu/can-social-media-change-our-opinions/
https://cc-plus.com/articles/2021/08/23/the-impact-of-social-media-on-public-opinion/
منة الله سيد
صحافيةصحافية مصرية، مهتمة بالصحة والعلوم والتكنولوجيا. أسعى لنشر المعرفة لأن المعرفة قوة.
تصفح صفحة الكاتب