كيف تتخلص من ديونك؟

النور عادل
كاتب.. مؤلف..وروائي
وقت القراءة: دقائق

إن كان في الأمر عزاء لنفسك العزيزة التي تشعر بالكسر بسبب هذا الملف، فاعلم أنك لست وحدك الغارق في هذا الهم يا صديقي أبي النفس، فبحسب بعض الدرسات -غير المؤكدة- أن ثلثي سكان العالم يعانون من أزمة الديون، وفي خبر آخر على موقع الأمم المتحدة العالمي يقول:

"كارثة إنمائية": 3.3 مليار شخص في العالم يعانون بسبب الديون

(جاءت تصريحات أنطونيو غوتيريش في كلمته اليوم الأربعاء أثناء تقديم تقرير الدين العالمي في عام 2022 والذي يحمل اسم "عالم من الديون" وأعدته مجموعة الأمم المتحدة للاستجابة للأزمات العالمية.

وحذر الأمين العام من أن 3.3 مليار شخص في العالم يعانون بسبب وضع حكومات بلدانهم سداد فوائد الدين كأولوية بدلا من الاستثمارات الأساسية في أهـداف التنمية المستدامة أو التحول في مجال الطاقة.

وأضاف أنه وفقا للتقرير الصادر اليوم، تعاني 52 دولة- أي ما يعادل 40 في المائة من الدول النامية في العالم- من مشكلة دين خطيرة، كما أكد دعمه لدعوات توفير مساعدات مالية عاجلة لتلك الدول.

وأشار غوتيريش إلى أن الدين العام وصل في العام الماضي إلى رقم قياسي بلغ 92 تريليون دولار، تتحمل منه الدول النامية 30 في المائة، وهو عبء غير متساوٍ.

وأضاف أن هذه الديون التي لا يمكن سدادها يُنظَر إليها على أنها لا تشكل خطرا منهجيا على النظام المالي العالمي "لأنها تتركز في الدول الفقيرة").


اقرأ ايضا

    كيف تتخلص من ديونك؟

    وليس تهوينا من شأن الدين وحقوق الناس عليك ولكن إثباتا لواقع عالمي متوحش أكبر منك ومن إدراكك، فهذه الحضارة الرأسمالية بكل أسف مصممة على هذا النسق، أن تكون دائما في حالة عرض وطلب، دائن ومدين، رابح فاحش خاسر فادح وهكذا وقليل من ينجو من هذا الفخ. لذا هون عليك أمرك واستعن بالله ولا تعجز ولا تيأس، وتذكر قول نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام في البخاري من رواية أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَ يُرِيدُ إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ).

    ولا تستمع إلى المضلين العصريين من أمثال من يصفونهم بالعالميين، وأصحاب أكثر الكتب مبيعا، الذين يقولون لك أن الدين ثروة تحتاج لشخص عبقري يتعامل معها، فالدين في الفهم الشرعي الصحيح شُرع لحاجته وفي أضيق الحدود وبأقوى الشروط (فاكتبوه) ويكفي تشديدا في عظمه أن تكون أطول آيات القرآن هي عن الدين وماله وما عليه وفي اعظم سور القران العظيم. هذا غير الأحاديث الصحيحة الحاثة على رده لأهله والحذر من أكله والتهاون فيه وهي كثيرة.

    كيف تتخلص من ديونك؟
    كيف تتخلص من ديونك؟

    ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يتورع ويمتنع عن الصلاة عن الرجل الذي عليه دين حتى يقضى عنه دينه كما في سنن الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل ليصلي عليه، فقال: صلوا على صاحبكم فإن عليه ديناً).

    وإليك أيها المهموم، المحترم، يامن يؤرقك دينك وتتجافى جوانبك عن المضاجع بسببه، إليك روشتة مختصرة للتخلص منه أو تخفيفه إلى أن يزول عنك، أرجو الله أن تكون شفاءا لي ولك ولكل من ألقى السمع وهو شهيد.

    أولا: جدد نيتك مع الله حال أخذك الدين ودخوله في ذمتك، وأكثر الدعاء والإلحاح على الله لوضعه عنك، وجدد العزم أنك بصدد رده في أسرع فرصة أتيحت لك، فمسألة النيات ليست ترفا ولا حشوا معاذ الله، النية أساسية في تسديد دينك لأن الله يعلم نيتك، ويرى قلبك المنسكر وقت أخذه لقضاء حاجتك، ويرى نوء قلبك به ليل نهار، والله تعالى يعينك على نيتك ويرزقك طالما كانت سليمة، بيضاء، تقصد الخير والحلال ومرضاة الله، ولا تقصد أكل أموال الناس بالباطل أو الهرب بها وإنكارها.

    وهذه مسألة جوهرية، فبعض الناس في ظل الظروف الاقتصادية، يضعف عن التسديد، ويوغل في المراوغة والتهرب من دائنيه، فتتحول نيته وهو لا يشعر بذلك، ومن هنا تأتي الطامة، يفقد رضا ربه وعونه ويكله إلى نفسه وهواه، فيضل ويتمادى في الديون، حتى تهلكه بالتراكم عليه، فإما إلى السجن أو الفرار من الناس، أو الموت وهي على ذمتها، ذلك هو الخسران المبين ولا حول ولا قوة الا بالله. لذا جدد النية وأخلصها لربك حال إضطرارك للدين، وبعد إستدانتك، واستعن بالله على نفسك وهواك ومتى ما تيسر لك الأمر سد دينك ليفتح الله لك أبوابا من السلام والطمأنينة والكسب الحلال، بفضل صفاء قلبك وسلامة نيتك التي علمها الله جل في علاه.

    ثانيا: احذر أن تعالج الدين بالدين.

    كيف تتخلص من ديونك؟

    نعم، يخطأ كثير من الناس وذلك لضعف الوازع الأخلاقي والشرعي لديهم، أو لسوء تصورهم للمشكلة فيظنون أن أمثل طريقة لحل الدين هي بدين أكبر منه لسداده، ويسول لك الشيطان أو هواك، أن تقترض أكبر مما عليك لتسدد الدين الاول وتستثمر الباقي وهكذا، وتنسى أنك بهذا تعالج الغرق بمزيد من الغرق، فبدلا من التعلق بقشة المنطق والحساب البسيط، تتعلق بسراب الهواء وترفث للأمام حيث الأعمق والأخطر، وحسابيا قد تستدين، ولا توفق لا في سداد الأول ولا في انجاح استثمار الآخر وهنا يحصل التراكم والتآكل، فتصبح مدينا من عدة أطراف وليس واحدا. وقد توفق لسداد الاول ويحصل أن تنشغل أو تجد أن المتبقي لا يكفي لعمل مشروع ناجح وفي أثناء بحثك تنسى أن هنالك مصاريف وصرف يومي يأتي على المتبقي عندك، وانت تظن أنك في بحبوحة إلى أن تفاجئ أنك سددت الاول، لكن عليك آخر أكبر وأشد بالضعفين.

    لذلك احذر كل الحذر من معالجة دين بآخر، وصدقني وخذها من مجرب يا محب، هذه طريقة خطرة ومهما صورت لك الضرورة، أو يسرالطريقة أنها سهلة إلا أن الواقع غير ذلك، وقليل جدا من يصدف معهم الاحتمال الاخير الذي تفكر به، وهو أن ينجح في عمل مشروع اخر بعدما يسدد الدين الأول، هذا نادر الحدوث ولا تدخل نفسك في التجربة.

    في سنن الترمذي قال عليه الصلاة والسلام (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) فهل يقضى عنك بالاكثار منه أم بالوفاء والسداد والتخفف ما أمكن؟!

    ثالثا: سداد الدين أولى من شراء الكماليات.

    كيف تتخلص من ديونك؟

    بعض الناس لا ينقضي منهم العجب، تجده غارقا في الدين لأخمصيه، حتى عنقه، ويسأل في كل مجلس ويطلب الفتيا في أمر الدين، لكنه لا يستطيع إمساك نفسه عن شراء الكماليات.

    فهو يشتري الحلوى لأطفاله، يشتري حذاءا جديدا غير الأحذية التي عنده بالدرج، يشتري كتابا نافعا غير الكتب النافعة التي عنده بالمكتبة، يستأجر خادمة ويصرف عليها لخدمة اهله بمبلغ شهري، يبدل سيارته بأخرى، ينتظر صدور آخر (آيفون) ليبدل الذي لديه، يسكن في إيجار مرتفع الثمن وبالامكان السكن في الاقل بكل يسر، يجلس حتى في المقاهي الفاخرة ويدفع بقشيش للنادل ويقول لك (مسكين والله) - يا للكرم ياللإنسانية الرحبة- يشتري حتى لنفسه قطعة شيكولاتة فاخرة غالية الثمن، ولو حسم نفسه ووفر كل تلك النقود التي أنفقها على الكماليات، لسدد نصف ديونه أو ربعها أو عشرها، فتأمل!

    رابعا: واجه ولا تتهرب.

    نعم يا فاضل، واجه دائنيك بكل صدق وشجاعة، فهم لن يقطعوا عنقك، ولن يلجؤون معك لأضيق الطرق مالم تضطرهم انت لذلك. فطالما أنك تتوارى عنهم فانت تقول لهم ضمنا "ليس عندكم عندي شئ حتى تجدونني اولا" فتجد نفسك في ورطة والشرطة في أثرك كل ذلك لانك تواريت ولم ترد على من وقف معك قبل اليوم في محنتك، وأقرضك المال، فمن حقه عليك بل ومن أقل حقه عليه أن ترد عليه وتسمع له دون غيره، وتذكر حالك قبل أخذك النقود منه، ألم تكن انت من تسعى وراءه وتبحث وتتصل وتوسط الاخرين لديه؟! فلماذا وقت الوفاء تلاقيه بالجفاء؟!

    كيف تتخلص من ديونك؟

    واجه دائنيك كلا على حدا، فبعضهم يكبر فيك اللقاء والوضوح وقد يعفيك منه أو بعضه، والبعض الاخر سيتفهم وضعك وقد يجدولها لك لفترة أخرى أو لأقساط مريحة لك، وبعضهم قد يُصر على التقاضي لكنه لن يرفض إذا أعطيته ولو القليل طالما أنه تاجر شاطر وفي السوق حكمة (تلته ولا عدمه). فواجه ولا تتهرب،

    خامسا: قم بجدولة ديونك ورتب سدادك بالأولى ثم الأولى، فالمتشدد المهدد بالقانون والسجن ابدأ به، من لا يتفاهم ولا ينتظر بادره بالسداد، من عنده ظرف طارئ يحتاج المبلغ بادره بالسداد عمن ليس عنده ظرف وينتظر، أوفي للأقل دينا عليك، ثم الأوسط ثم الاكبر، ستجد في نفسك شجاعة وحرص وتخفف يرضيك معنويا. واحذر شح نفسك ولا تترك المال بين يديك تنظر إليه، فهذا ليس مالك إنما مال دائنيك وحقهم عليك، أوفهم حقهم واتق الله، وتذكر قوله سبحانه (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

    سادسا: نوع مصادر دخلك حتى تعينك على الوفاء بشكل فعال وأقوى.

    الدين في الأساس غالبا ما يكون سدا لحوجة بسبب نقص في الدخل الثابت. والا فليس من الممتع الاستدانة والغرق في المطالبات لا يقول عاقل بلك. فضعف المرتبات سبب للجوء للإقتراض لأكمال النواقص، بوار وكساد السوق وفساد التجارة سبب للاقتراض لتوفيق الاوضاع وتسديد متطلبات التجارة نفسها، الظروف الطارئة التي تقضي على كل مدخرات الشخص وإضطراره حتى للدين لأجل الأكل والسكن والعلاج، كلها أسباب تلجئ الشخص السوي للدين المباح. لكن بإمكانك أن تنوع في مصادر دخلك، فإذا كنت موظفا تعمل براتب، جد لنفسك تجارة جانبية تدر عليك دخلا إضافيا يكفيك مؤنة الإقتراض، ولو كنت تاجرا تجنب قروض البنوك ولو كانت بشروط سهلة ميسورة فلا تلقي بنفسك إلى الشبهات واستغن بالله وارض بما رزقك، وكثير من الناس يقع في الدين الكبير بسبب رغبة التوسع دون تخطيط جيد، ودون إدارك لعواقب التوسع مستقبلا. وإذا كانت وظيفتك لا تكفيك فابحث عن أخرى براتب أفضل، ولو كانت تجارتك كل يوم متراجعة فاحزم أمرك وابحث عن تجارة مزدهرة تنتقل إليها مستقبلا. المهم أن تنوع مصادر دخلك ولا تركنن إلى سهوله الدين مهما بدا لك الامر في المتناول والممكن، فانت لا تدري غدا إلى ماذا تصير الأمور.

    أخيرا: اتخذ قرارا شجاعا بترك الدين من فورك، وصمم على قرارك واستعن بالله ونوع عملك وكسبك، واقنع بالقليل في حياتك، واجتهد في تجنبه ولو كلفك الامر ان تجوع مرة وتشبع أخرى، صمم على الاستغناء عن الخلق تفز بمعية الخالق ومدده، ومن وجد الله فماذا فقد؟

    المصادر والمراجع:

    "كارثة إنمائية": 3.3 مليار شخص في العالم يعانون بسبب الديون | أخبار الأمم المتحدة (un.org)

    الدرر السنية - الموسوعة الحديثية - شروح الأحاديث (dorar.net)

    خطر الدَّين على ذمة المؤمن (saaid.org)

    النور عادل

    النور عادل

    كاتب.. مؤلف..وروائي

    ببساطة أنا شخص محب للكتابة والقراءة الحرة بصورة عامة إذ أجد فيها وعبرها متنفساً لمخاوفي وشكوكي وقلقي المزمن منذ وعيت الحياة. الكتابة بالنسبة لي ليست مصدر رزق أو باب شهرة، بقدر ما هي غرفة وحديقة خلفية أحب الدخول إليها كلما عصفت بنا أعاصير اليومي وانتشرت جحافل التضليل الحديث.

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ