في قديم الزمان، عندما كانت الأرض نقيّة، ولم تكن الكراهية قد غرست جذورها العميقة بعد، كانت الطبيعة تنبض بالحياة، وكانت زهرة الزنبق أجمل ما في الوجود. لم تكن مجرد زهرة، بل كانت رمزًا للنقاء والحب، تُهدى في الأفراح، وتُزرع أمام البيوت لجلب البركة، وكان عبيرها يبعث في القلوب السلام.
في إحدى القرى البعيدة، كان هناك أخوان، إيليا وأرمان، يعيشان في منزل واحد بعد وفاة والديهما. كان إيليا نقيّ القلب، محبًا للحياة، بينما أرمان كان طماعًا، لا يرى في الحياة سوى فرصة لجمع الثروات. بعد وفاة والدهما، ترك لهما الأب قطعة أرض شاسعة، يزرعانها ويعيشان من خيرها. لكن الطمع تسلل إلى قلب أرمان، فقرر أن يستولي على الأرض كلها.
في ليلة مظلمة، قصد أرمان ساحرة عجوزًا تعيش في الغابة، وكانت مشهورة بقدرتها على صنع اللعنات. قال لها: "أريد أن أتخلص من أخي، ولكن لا أريد أن تتلطخ يداي بدمه. اجعليه يختفي من حياتي دون أن يربط أحد بيني وبينه."
ضحكت الساحرة، وأشارت إلى زهرة زنبق بيضاء كانت تنمو بجوار كوخها. قالت: "هذه الزهرة هي أنقى ما خلقته الأرض. لن تؤذي أحدًا، إلا إن أردتها أن تفعل. ولكن الثمن سيكون غاليًا."
سألها أرمان بلهفة: "ما هو الثمن؟"
أجابته بابتسامة غامضة: "دمك… جزء من روحك. عليك أن تروي هذه الزهرة ببضع قطرات من دمك الممزوج بالحقد. عندها، ستصبح هذه الزهرة سامة، وكل من يلمسها سيموت ببطء."
لم يتردد أرمان. شق كفه بسكين، وترك دمه يقطر على بتلات الزنبق. في تلك اللحظة، تغير لون قلب الزهرة، أصبح قاتمًا للحظات، ثم عاد أبيض ناصعًا كما كان. لكن عبيرها أصبح مختلفًا، يخفي خلف جماله سمًا قاتلًا.
عاد أرمان إلى منزله في تلك الليلة، وقطع زهور الزنبق وسلّمها لأخيه كهدية. لم يشك إيليا في شيء، ووضعها بجوار فراشه. وفي الصباح، استيقظ وهو يشعر بضعف شديد. راح جسده يذبل يومًا بعد يوم، ولم يعرف الأطباء سبب مرضه الغامض، حتى مات بين أيديهم بعد أسابيع قليلة.
حقق أرمان مبتغاه، لكنه لم يكن يعلم أن اللعنة لم تتوقف عند أخيه. في الليلة التي دُفن فيها إيليا، هبّت ريح قوية اجتاحت القرية، وانتشرت رائحة الزنبق في كل مكان. بدأ الناس يسقطون واحدًا تلو الآخر، ولم يعرفوا أن أيديهم التي امتدت لقطف الجمال، كانت تحصد الموت.
أما أرمان، فقد عاد إلى الساحرة يطلب النجاة. لكنه وجدها ميتة في كوخها، وقد التفّت حول جسدها أزهار الزنبق. حاول الهروب، لكن اللعنة لم تكن تفرّق بين المذنب والبريء. في النهاية، استنشق أرمان العطر القاتل، وسقط أرضًا، يموت ببطء كما مات أخوه.
ومنذ ذلك اليوم، صارت زهرة الزنبق سامة. لم تعد رمزًا للحب، بل أصبحت لعنة تُذكّر البشر بأن الطمع يمكنه أن يفسد حتى أنقى الأشياء.
النهاية.


بشرى حسن الأحمد
كاتبة مقالات اجتماعيةحاصلة على شهادة سينريست و إخراج كاتبة مقالات اجتماعية و متنوعة ناشطة اجتماعية و محاورة بقضايا المرأة