فلسطين تحرر العالم، قصة قصيرة من كتاب "قانون الغاب" تأليف محمد حسين.
يفتح منصة التواصل الاجتماعي الزرقاء، فتظهر له أخبار طوفان الأقصى على الصفحة الرئيسية، يُغلق تطبيق التواصل وهو مندهش، يفتح تطبيق المدونة الشخصية لكي يُدوِّن ذكرى مُهمة مُرتبطة بفلسطين.
يُدوِّن: فلسطين ستتحرَّر ونحن مَن سيُحرِّرها تحت هذا الشعار، شاركت في الزحف المُقدس إلى فلسطين، في ذكرى النكبة في عام ٢٠١١، لقد تحركنا قبالة المليون من ميدان التحرير، وتحرَّك الملايين من كل العواصم العربية، نحو الحدود مع فلسطين، أو العواصم العربية الكبرى.
لقد كان السحاب في السماء، والهواء سعداء بهذا المسير، لن أنسى ذلك ما حييت، قد امتلأ الهواء برائحة فلسطين، كم هو ساحر عطرك يا فلسطين؟ لكِ في القلب اشتياق يا حبيبتي، كأنكِ وطني الأم، قد طردت منكِ رغم عني، لكن اطمئني أنا راجع يا بلادي، راجع.
في مصر، هذا المليون الذي تحرَّك من التحرير، تم تفريقه عبر خطة مُمنهجة إلى أن وصل قبالة ٤٥٠ شخصًا على بوابة القنطرة شرق.
ولقد تعاملت القوات المسلحة في هذا الموقف الصعب بأقصى درجات ضبط النفس، وكانوا فخورين جدًّا بنا إلى أن أعادونا سالمين محملين في أتوبيسات زرقاء صغيرة إلى مدينة السلام، لم أنتمي ولن أنتمي إلى أي حزب سياسي، كنت بمفردي، ولا أعرف أحدًا ولا أحد يعرفني، استقبلتني الدكتورة شيماء في ميدان التحرير، تعرَّفتُ عليها عبر الفيس بوك في جروب فلسطين ستتحرَّر ونحن مُن يُحرِّرها وألحقتني بالركب المُتحرك ولم أرها مجددًا منذ ذلك الحين.
اقرأ ايضا
كنتُ أنظر من بعيد وأحلل مدى المصداقية ومدى الانتفاع، وأدركتُ جيدًا أنَّ النوايا لا زالت بعافية، والمنتفعين والمتاجرين بالقضية أضعاف أضعاف المُناضلين.
تبيَّنت لي حقيقة وضيعة، هي أنَّ هذه القضية "فاتحة بيوت ناس كتير"، أول ما رجعنا في أتوبيس من السلام إلى رمسيس، استقبلنا الباعة في ساحة مسجد النور، وهم يتنمرون علينا، أتمنى لو كانت قدراتي الأدبية تسمح لي بوصف ملامحهم ونظراتهم لنا، تحرَّك باتجاهي رجل منهم، يستعيض عن إحدى ساقيه بعكاز وسألني: - كنتوا فين يا كابتن؟ وباستهزاء أكمل قائلًا: - إنتوا بتوع فلسطين؟! عيناه كانتا تحملان من الكلام القبيح الكثير، فأجبته: - آه إحنا بتوع فلسطين.
قال لي: - كنتوا رايحين تحرروا فلسطين على كدا؟ نظرت له ولم أجبه، فقال: - مش لما نلاقي ناكل الممم الأول. مُشيرًا إلى فمه بالإشارة المُصاحبة لكلمة "مم"، كاتمًا شكرة عميقة تنفجر من عينيه، ثم أردف قائلًا: - وبعدين نروح نحارب إسرائيل وأمريكا، قولت، محدش عايز يحارب، دي كانت وقفة سلمية، "واخدين معانا كام شوال دقيق، وشوية دوا". ثم وجَّه كلامه لأم إسراء بتاعة الشاي، وقال لها: - كانوا رايحين يحرروا فلسطين يا أم أسراء. فأطلقت أم أحمد الشكرة، ولم تكتمها، كانت ابنتها إسراء بجانبها، الهالات السوداء في عينيها، مع حطة السيجارة بين أصابعها، كلوحة سيريالية لليأس والضياع وللأبتريل.
شكرة أم إسراء، سُمعت في أرجاء أم الرشراش، اطلقت ام اسراء بعض الشتائم بصوت منخفض، لكنني سمعت، فنظرت لها شزرًا، فاجأتني بدعاء: - روح يا ابني ربنا يحافظ على عمرك، ويمتعك بشبابك، إنت واللي زيك ويفرح أمك بيك.
بنبرة صوت فيها مزيج غريب من الحنان، ومن امشي من هنا لأبطحك بالكوباية اللي في إيدي. تجاهلتها، وأخذت ألتفت حولي على مَن كنت معهم، لأعلم ماذا سيجري لاحقًا، وإلى أين سنذهب، نحن عائدون من رحلة طويلة، عبرنا القناة "كبري السلام" حرفيًّا سيرًا على الأقدام، وافترشنا الشارع للنوم، وواجهنا البلطجية، الذين أُطلقوا علينا ونحن نيام لكي يُهددونا، وتم تهديد الكثير، وقاموا بالعودة فعلًا، كل ذلك ولم أشعر بالإرهاق من الرحلة، مثلما شعرت بالإرهاق من النقاش مع وائل وأم إسراء. همت على وجهي ووجدتني راكبًا في ميكروباص متجهًا لسفارة الكيان الذي هو علي وشك الزوال.
نبذة عن الكاتب
محمد حسين كاتب ورائد أعمال شاب، كوتش معتمد من الاتحاد الدولي للكوتشنج ICF، شارك في العديد من مبادرات النشر الجماعي، من أبرز هذه المبادرات كتاب "ضجيج مايو" وكتاب "زحام مشاعر"، وسيصدر له قريباً كتابه الأول "قانون الغاب" علي أن يكون متاحاً في معرض القاهرة الدولي للكتاب من يوم ٢٤ يناير الي ٦ فبراير، صالة ١ جناح A50
نبذة عن كتاب قانون الغاب
ينسج محمد حسين في "مجموعته القصصية" "قانون الغاب"، مستوي الوعي الذي وصل له نتيجة عشر سنوات مليئة بالتحديات والتطوير الذاتي والنمو.. محاولا تقديم حلول لبعض المشاكل الاجتماعية والفكرية.