قصة قصيرة بعنوان: بيئة عمل غير صحية.

أحمد القاضي
كاتب وقاص وروائي
نشرت:
وقت القراءة: دقائق

أذهب يوميًا للعمل لأصد تجاوزات الزملاء، أكثر من العمل ذاته، وهذا هو الواقع، فالطاقة المهدرة في مقاومة الإساءات، أضعاف العمل، أو الهدف الذاهب لتحقيقه.

  • لا فائدة لجمال المنظر مع فساد المضمون.

أعمل في مكان جميل، مكاتب بُنية ذات رونق بديع، وكراسي متحركة، والإضاءة المناسبة، والأجواء الراقية، لكن ليس هذا كل شئ، فبعض من الأشخاص قد يجعل هذا الوضع المثالي، غاية الفوضى ويقلب الراحة لمتاعب، والبراحة لضيق، هذا النرجسي وآخر سيكوباتي وغيره أتكالي ومتطفل وأنتهازي وهكذا، فماذا تفعل التجهيزات الراقية في الشخصيات الوضيعة، وذات الخلق المتدنية.

  • ضوابط معطلة

ماذا تفعل الضوابط ما لم تجد من يطبقها، وماذا يفعل المُخلِص في أجواء تقاوم كل مسعى، لتحقيق أهدافه، وآدائه لواجباته، فما من وقت يتبقى بعد دفاعه عن نفسه من أعتداء محيطين لا يعرفون حقوق سوى لنفسهم، ولا واجبات سوى واجبات غيرهم.

  • الزميل نادي الأتكالي.

يوم الأحد بداية الأسبوع، حضر الزميل نادي للعمل عادي، ليكمل نومه على مكتبه الجميل، واضعًا رأسه على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، يتصاعد شخيره تارة وينخفض تارة، أمام مديره القابع في نفس المكان، والذي لا يختلف عنه كثيرًا، فلا ضوابط لديه طالمًا تجري الأمور على هواه، ويتجنب من يعلو صوته، ولو بالباطل.يتقلب الزميل يمينًا ويسارًا، ويتمتم بما لا أفهمه، ولا مانع من أصوات آخرى، وقد رفع الله القلم عن النائم حتى يستيقظ وهو مازال في غيابات البيات الشتوى.


اقرأ ايضا

    أنتظر القهوة المضبوط، كما أقنع نفسي حتى استفيق من إيحاء النعاس المنتقل من النائم في مضجعه أمامي، فلدي من العمل المانع لأفتراش رأسي جوار رأسه والاستدفاء بدفئ جسده الحاني.

    أرشف القهوة وأنظر له متعجبًا عن سر لا مبالاته ولا هم يشغله أو واجب يقوم به، فالعمل لديه ليس سوى حضور ببصمة اصبعٍ ، ثم التحايل لإيجاد مخرج من المكان، وإن لم يجد فنوم لعدة ساعات ولكن بعمق ثلاثة أيام بسرعة الضوء في أعماق المنام.يهتز مكتبه بتقلبه وحركاته بجنباته، وتزداد حركته وأنا أنقل عيني من أوراقي له وأعود، يبدو معاليه أقترب أن يعود من غياب النوم المعهود.

    يمدد جسده "يطمطع" فأوشك هذا الجسد أن يفيق، يفتح عينيه بصعوبة، بالقدر الذي يستطيع من خلاله أن يراني، فخسئت الإدارة التي أتاحت قوة الضوء مزعجة لعينيه البائستين من ظلم من يقلق راحته.

    وحين نطق يقول لي: أطلبلي شاي.

    الهاتف بجواري، وهو المفترض له أن لا يتحرك من مكانه، يكفيه معاليه أنه أتى العمل، وعلينا نحن أن نعمل وعلينا أن نُخَدِم عليه، ونحقق رغباته، ونطلب له مشروبه بالهاتف الذي لا يبعد عنه سوى متر ونصف المتر.

    أعتاد هو أثناء استيقاظه أن ينتظر حال حركتي ليطلب مني أفعل ما يريده دون أن يتحرك، وأنت قادم هتلي الدباسة، أنت وقادم أعطيني الآلة الحاسبة، بحيث أن يبرر بذلك طلبه ويستغل حركتي لصالحه، استغلال سئ، فهو لديه القدرة والصحة لذلك، لكنه ضمن أنماط الشخصيات المستغلة والمتبلدة الباردة.

    حاولت التغافل أولاً، ثم أنظرته، ولكن دون جدوى، فإصراره على أفعاله المتكررة، آثارت غضبي وإعتراضي، فمن أكثر ما أتعبني تغافلي في البداية وكتم مشاعري، فالبيئة غير صحية، لا تحتمل أي أعتدائات أخرى، ولا تحتمل كتم إثارة نفسي من إستيائها، فياليتني ما تغافلت، فما فعلت سوى أني أضررت بنفسى، إضافةً لضرر سلوك الشخص المستغل الأتكالي.

    وحينما أعمل وهو نائم، كان ذلك لا يجبني ولكن ليس لدي حق ولا صلحية للأعتراض، حتى ولو ليس لديه عمل حاليًا، فقد أفسد أجواء مكان من المفترض أن يكون مفعمًا بالنشاط والحيوية، ونقل لي أحباطًا ومشاعر سلبية وحينما يستيقظ من نومته الهنية، أول ما يفعله أستغلالي بحجة أنك الأقرب للهاتف منه، رغم قدرته على ذلك وتركي لأعمالي، التي فقدت الشغف لها بسببه.

    • رفض التجاوزات والظلم.
    • رفضت وقلت له، قم وأطلب أنت ما تريد، فكان هذا ليس رفض لهذا الطلب فقط، بل أصبح كل ما يريد حتى لو غير متعلق بي مرفوض.ويعاود هو يعاتب ببجاحة متناهية، وكأن له عليك حق، فقد أشتراني له والده من سوق النخاسة، لألبي مطالبه.
    • ثورة غضب.

    لم أتمالك نفسي وإلا وانا غاضب، فالغضب رد فعل طبيعي للإنسان، مشاعر لا يمكن كتمانها، ومن يكتمها تحدث ضغطًا داخليًا قد تحدث أنفجارًا مدويًا.

    يجب أن تراعى تلك المشاعر ويجب أن تراعى ما يثيرها، ولكن ما حدث كان غير ذلك.ما حدث ما هو إلا قلة تقدير للطبيعة البشرية وعدم أحترام الإرادة وإثارة الغضب بمغالطات منطقية، فلم يرى هو ما فعله يستحق كل هذا الغضب، بل وأنا المخطئ لعدم إستجابتي لطلبه، ولا يُعوّل على رغبتي أو إرادتي، هل تظن أن أنتهى الأمر إلى هنا.

    • انحياز المدير والمعاملة الغير عادلة.

    بالعكس تدخل المدير يحابي له وكانت فرصته لما سبق لي أن تمسكت بحقوقي أتجاهه، ورفض تجاوزات في حقي.

    • الظالم يزعجه طالب الحق.

    فالكثير وخاصةً من لا يعرف واجباته أو يتجاهلها يزعجه بشدة حق الغير ومطالبته بها.

    وهذا كفيل أن يجعل المدير منحازًا له وظالم في معاملتي.

    • الدفاع عن النفس بحسم.

    ومن هنا وجب الدفاع عن نفسي بحسم، وقلتها صريحة: أن لست ملزمًا بطلب أحد، ولا أقوم بما لا أقبل، وأرفض تلك المعاملة السيئة.

    إلى أن جاء موعد الأنصراف، لآتي اليوم التالي، لأجد زميلنا هذا قد سبقني فالحضور، ووضع رأسه في مكانها ونام.

    قصة قصيرة بعنوان: بيئة عمل غير صحية.
    أحمد القاضي

    أحمد القاضي

    كاتب وقاص وروائي

    شارك في ثلاث كتب ورقية كاتب لمقالات متنوعة في العديد من المواقع العربية كاتب قصص قصيرة وراية أهتم بالكتابة في علم النفس والتاريخ وعلم السلوك وعلم الإدارة وعلم النفس الإداري

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ