قصة "حكيم القرية وابن التاجر": حين يغش الذكاء ويهزم الصدق
قصة "حكيم القرية وابن التاجر": حين يغش الذكاء ويهزم الصدق
الفصل الأول: بداية الحكاية
في قريةٍ صغيرةٍ تحيط بها الجبال من كل جانب، وتخترقها جداول ماء رقراقة، كان يعيش رجل يُعرف بالحكمة والعدل، اسمه الشيخ نعمان. لم يكن غنيًا، لكنه كان أغنى الناس بعقله وتجربته، فكان الناس يأتون إليه من القرى المجاورة ليطلبوا رأيه في مشاكلهم، ويستشيرونه في أمور حياتهم.
في تلك القرية، كان هناك تاجر كبير يُدعى عبد الجليل، له متجر ضخم وثروة لا تُحصى. وكان له ولد وحيد اسمه سليم، ذكي ولكنه مغرور، لا يسمع إلا صوت نفسه، ولا يرى في المرآة إلا الكمال.

وكان عبد الجليل يحلم أن يرث سليم تجارته، لكن الشيخ نعمان كان يرى فيه نُقصان الحكمة، فأخبر والده مرة قائلاً: "ابنك ذكي، لكن الذكاء بلا حكمة مثل السيف في يد طفل."
الفصل الثاني: التحدي الكبير
كبر سليم، وبدأ يعمل في تجارة والده، وراح يختصر الطرق، يبيع بضائع مغشوشة، ويكذب في الأسعار، حتى صار ثريًا بسرعة، لكن أهل القرية بدأوا يشكون منه، وابتعد الناس عن متجره رغم بضاعته الكثيرة.
سمع الشيخ نعمان كل ذلك، فقرر أن يعطيه درسًا دون أن يُهينه، فدعاه لمسابقة قال عنها إنها ستُجرى أمام الناس، وإنها ستحكم من هو الأجدر بلقب "رجل القرية الحكيم".
وافق سليم بسخرية، وقال: "ماذا سأخسر؟ إنني أذكى أهل القرية!" فقال الشيخ: "لك أن تختار وقتها ومكانها، فقط أخبرني قبل أسبوع من الموعد."
الفصل الثالث: الخدعة الذكية
مرّ أسبوع، وجاء سليم إلى الشيخ، يحمل في يده عصفورًا صغيرًا مخبأ بين راحتيه، وقال له: "المسابقة الآن، وسؤالي بسيط: في يدي عصفور، هل هو حي أم ميت؟"
فكر الشيخ لحظات... أدرك أن سليم نصَب له فخًا. فلو قال: "حي"، سيضغط سليم على العصفور فيقتله ويُظهره ميتًا. ولو قال: "ميت"، سيطلقه فيطير.
ابتسم الشيخ، وقال بهدوء: "العصفور… في يدك، وأنت من يختار إن كان حيًا أم ميتًا."
سكت الناس، وعمّ الصمت المكان، بينما احمر وجه سليم، وشعر أنه خسر رغم ذكائه.
الفصل الرابع: الحكمة الغائبة
بعد المسابقة، اقترب سليم من الشيخ وقال: "لقد انتصرت عليّ، لكنك لم تُجب عن سؤالي."
قال الشيخ: "أنا لم أجبك لأني لا أستطيع أن أتحكم فيما هو بين يديك. كنتَ تظن أن الذكاء سيخدع الحكمة، لكن الحكمة تعرف متى تسكت."
ثم أضاف: "الذكاء يحل المسائل، لكن الحكمة تمنع وقوعها."
الفصل الخامس: التغيير
بعد تلك الحادثة، تغيّر سليم، وأصبح يستمع للناس، وبدأ يعامل الزبائن بصدق، وأعاد للناس ثقتهم به. وبعد سنوات، صار من أكثر الناس محبة في قلوب أهل القرية، ولم يكن يمر يوم دون أن يزور الشيخ نعمان ليتعلّم منه شيئًا جديدًا.
أما الشيخ، فقد رحل عن الدنيا وهو مطمئن، لأنه عرف أن الحكمة انتقلت إلى جيلٍ جديد.
العبرة من القصة
- لا يغني الذكاء عن الحكمة.
- الكلمة الصادقة أحيانًا تُغني عن ألف إجابة.
- من ظن أنه يعرف كل شيء، فهو لم يعرف شيئًا بعد.
- الحكيم لا يتباهى بعلمه، بل يستخدمه لخير الناس.

محمد الجنيدى
كاتب مقالات ومواضيع متعددة"أنا كاتب أهوى الغوص في عوالم الحروف، أبحث في كتاباتي عن المعنى خلف الأحداث، وعن الحكمة في تفاصيل الحياة. أكتب بقلب صادق وعقل متأمل، محاولًا أن أزرع بين السطور فكرة تُلهم، أو عبرة تُنير. لا أكتب لمجرد السرد، بل لأُحاكي القارئ، لألمس شيئًا في روحه، وأترك في ذهنه سؤالًا أو ابتسامة."