قصة الأخ الغني ، و الأخ الفقير ( موعظة في القناعة ، و الطمع ) الجزء الثاني.

الجزء الثاني:-
من بعيد شاهد الأخ الفقير اولاده بالقرب من البيت وهم يجمعون بعض الاعشاب، و لما رأوه القوا ما في ايديهم وركدوا نحوه و هم يتصايحون : قد عاد والدنا قد عاد والدنا، ولما وصلوا اليه قالوا : ( اننا نشعر بالجوع يا ابي ) فاحتضنهم وهو يبكي و قال لهم : ( ستأكلون وتشبعون يا اولادي )، ثم فتح الباب و نادى على زوجته و قال : ( اين انت يا امرأه لقد جلبت لكم طعاما فالدجاج المشوي لا يزال ساخنا والخبز و الفلفل والزيتون ينتظروننا )،

فلما سمعت الزوجة صوته فرحت بعودته ثم مد الجميع ايديهم واكلوا حتى شبعوا، ثم قال الاطفال لأمهم : ( لقد عاد ابي و معه قطيع من الاغنام وهي موجوده ترعى بالقرب من الدار )، نظرت المرأة الى زوجها و هي تتعجب فقال لها : ( لنجلس ونعد برادا من الشاي و سأحكي لكم عن كل شيء حتى عودتي الى البيت ).
و بعدما انتهى الرجل من حكايته وقفت زوجته امام الباب واطلت على الاغنام والحمار ثم قالت : ( ما اعجبها من حكاية و ما اغربها من قصة لكن اخبرني ماذا تنوي ان تفعل بهذه الاغنام؟ )، اجابها زوجها قائلا : ( سنبيع صوفها، و نأخذ حليبها ثم نصنع به جبنا وزبده، و سأنزل الى السوق لأبيعه كل صباح، اما باقي الفضة فسنصلح بها هذه الدار و نشتري لها اثاثا جديدا )، فقالت المرأة متعجبة! : ( لقد كنا قبل ايام لا نملك قوت يومنا والان اصبح لدينا ما يسعدنا ويكفينا ) قال لها زوجها : ( نعم ان الله يرزق من يشاء بغير حساب، و من اليوم لا تذهبي مجددا عند بيت اخي و زوجته فنحن لم نعد بحاجة للعمل عندهم بعد الان ).

و مرت الايام، و اتسعت تجاره الرجل و زوجته، و كبر القطيع و اصبح فيه الابقار والاغنام و الماعز، و اشتري بعد ذلك الارض التي بجوارهما و زرعاها بالقمح و الشعير و تحسنت حالتهما، و حولا الدار الى قصر و في احد الايام قالت امرأه الاخ الغني لزوجها : ( لم يعد اخوك يأتي الى هنا لا هو ولا امرأته، هل تعتقد انهما بخير ) اجابها قائلا : ( ليس يعنيني شيء من أمره فقد كان ابي دائما يفضله علي، لكن في النهاية نجحت انا وبقي هو فقير )، كانت المرأة تعرف طباع زوجها السيئة لكن لم تكن تعرف انه يكره اخيه لهذه الدرجة، فأخذت بعض الخبز وشيء من الخضار وقصدت دار سلفتها، ولما شاهدت القصر قالت في نفسها لابد انني قد أخطأت في العنوان ولما سألت رجلا عن دار سلفتها اشار الرجل الى القصر وهمس لها قائلا : ( يبدو ان زوجها قد عثر على كنز والله اعلم )، فرجعت تجري الى زوجها واخبرته بما رأته وسمعت فتعجب و صاح : ( هذا لا يمكن أن يحدث ولا بد ان اعرف منه سر ثرائه ).
لما اصبح الصباح ذهب اليه محملا بالهدايا و استدعاه الى وليمه كبيره في داره، فرح الاخ الفقير بذلك و اعتقد ان اخاه الكبير قد تاب عن فعل الشر، و لما حل المساء ذهب مع زوجته و اولاده الى بيت اخيه فاكلوا و شربوا و بعد الطعام قال الاخ الغني لاولاد اخيه: ( تعالوا ساريكم شيئا مسليا )، ثم عاد بمفرده و لما سأل ابوهم عنهم قال له اخيه : ( ان شئت رؤيتهم فاخبرني عن المكان الذي و جدت فيه الكنز )، تظاهر الاخ الفقير بانه لا يفهم شيء فغضب اخوه و قال : ( لا تحاول خداعي والا لن ترى اولادك مره اخرى )، فصاحت زوجته و قالت : ( سأخبرك بكل شيء )، وبعد ان حكت له القصة فتح الاخ الغني دهليزا مظلما واطلق الاطفال.
في الصباح تجهز الاخ الغني و لبس ثيابا مرقعه و وضع على حماره كيسين كبيرين و عزم على ملئهما بالفضة؛ ثم ركب عليه و ذهب الى الغابة و لما اقترب الاخ الغني من القصر المسكون شعر بالخوف لكنه قال لنفسه اخي ليس اشجع مني، ثم دفع الباب و دخل فرأى ياقوته ابنه الجنيه واقفه امامه فسالته و قالت : ( ما الذي تفعله هنا و من سمح لك بالدخول )، فبدا يبكي وقال : ( انني رجل فقير ابحث عن عمل ولقد قادتني قدماي الى هذا المكان )؛ فنظرت الى ثيابه الرثة المرقعة فاشفقت عليه، و قالت له : ( هناك في هذا الرواق اربعة غرف اذهب اليها، وعندما تصل الى الرابعة افتحها و املا ما تشاء من الفضة، و اياك ان تحاول فتح الغرف الاخرى فما فيها ليس من شانك ).

فجرى الاخ الغني الى الغرفة الرابعة وعندما فتحها وجد فيها اكواما من الفضة الخالصة فاخذ كيسا وملاه عن اخره فلم يستطع حمله، و بدا يجره جرا لكنه فجاه توقف و قال : ( قبل ان امشي سأرى ماذا يوجد في بقيه الغرف )؛ ولما فتح الغرفة الثالثة رأى اكواما من الذهب والاواني الذهبية، فافرغ الكيس من الفضة وملاه ذهبا لكنه لم يكتفي بذلك فقال لنفسه سوف افتح الغرفة الثانية ربما كان فيها اغلى و اثمن، و لما فتحها وجد فيها اكواما من اللؤلؤ و الزمرد و الالماس، و كان كل مره يفرغ الكيس و يعيد ملاه بما هو اغلى و اثمن، و لكثره طمعه لم يشعر بان الوقت يمر بسرعة و يقترب من نصف الليل و في النهاية وصل الى الغرفة الاولى و كان بابها مزينا بالزخارف الجميلة فقال في نفسه دون شك ما يوجد هنا هو اثمن و اغلى من كل ما رايته، و عندما فتح الباب رأى اكياسا كبيره فأراد ان يعرف ماذا يوجد بداخلها و عندما ادخل يده في احداها وجدها مملوءة بالقمح فاستغرب، و قال : ( يجب ان اخرج الان )؛ لكنه سمع صوتا من خلفه يقول : ( ادمي في قصري الويل له مني ) ؛ و كانت الجنيه صاحبة القصر قد عادت فترك كل شيء و هرب و هو يلعن حظه و كان كل ما حصل عليه هو حفنه من القمح ذهبت الجنيه خلفه حتى ابتعد تماما فتركته يذهب و عادت الى القصر و كانت الجنيه تريد اخافته فقط حتى لا يعود مره اخرى.

و لما وصل الاخ الغني الى داره كان في حاله يرثى لها فكانت قدميه قد تورمت من الجري، و لم يعد قادرا على الوقوف فاتت زوجته بأجير ليعمل في ارضها و كان قويا صحيح البدن فبدأت تقضي اليوم قربه و يأكلان معا، و لما يجوع زوجها كان يتحامل على نفسه و يبحث في الاواني عن طعام فيجدها فارغه و في المساء تعود زوجته و قد شبعت من الطعام فتدخل فراشها و تنام، فشعر زوجها بالحزن لمعاملتها له و هو مريض، و بدا يبكي على حظه و شده طمعه و قال لنفسه : ( لو لم اطمع واخذت الذهب او الفضة لكنت الان اغنى شخص في البلدة )، و عندما فكر عرف ما تقصده الجنية فلقد كان القمح الذي تحتفظ به في الغرفة الاولى اغلى من كل شيء و قال لنفسه ما فائدة المال حينما لا يجد الانسان ما يأكله، لكنه فهم ذلك فقط عندما شعر بالجوع الشديد.
و في الصباح تحامل على نفسه و ذهب الى دار اخيه ففتحت له زوجة اخيه و لما رأت حالته ادخلته و اطعمته اشهى طعام، ثم قالت له : ( اخبرني ماذا حدث لك؟ و اين زوجتك؟ )؛ فتنهد و قص لها قصته ثم قال لها : ( لقد مرضت بعدما لاحقتني الجنية في الغابة، اما زوجتي فلم تعد تريدني بعدما اصبحت بهذا الشكل و لا استطيع العمل ) فاشفقت عليه، و قالت : ( لا باس عندما تتعافى سوف اطلب من اخيك ان تعمل عندنا، و سأعطيك اجر و مأوى )؛ فقال : ( احقا ما تقوليه هل تفعلي ذلك من اجلي؟ بعد كل الذي قاسيتموه مني )، قالت زوجة اخيه : ( لا نجازي الشر بالشر، لذلك قد اكرمنا الله ورزقنا من حيث لا نحتسب وقبل كل شيء فانت مازلت اخ زوجي ).
و لما رجع اخوه من السوق و سمع ما حدث لأخيه استغفر ربه و قال : ( لقد عاش اخي طول عمره طماع، و اذلني و لم يرحمني و لقد نال جزاءه عندما اختار زوجة جشعة تحب المال فرمته واستغنت عنه لما مرض )؛ ثم نظر الى زوجته و قال : ( يا سبحان الله اليس هذا الذي كنت تلتقطين القمح من ارضه لتطعمي اطفالك؟ و الان هو من يعمل عندنا و لكني اعرف قلبك الطيب فلا تردي له سوء ما فعله بنا هو و زوجته، و احسني اليه كما احسن الله الينا ).

فكانت النهاية السعيدة لمن امتلا قلبه بالخير و القناعة، و الشقاء فكان لمن امتلا قلبه بالشر و الطمع.
النهاية...