فقد

ahmed tolba
كاتب مقالات أدبية و متنوعة | مترجم
نشرت:
وقت القراءة: دقائق
فقد

كانت تنظر لي نظرة ما من تلك النظرات التي تدل على شيء، رأيت نظرات الاعجاب، و الحب، و الدهشة، و الحيرة، و الالم، و الحسرة.. هذه المرة كانت نظرة المترقب الذي يقدم على شيء ما و لكن هناك ما يمنعه..

كانت تبتسم بلا سبب..

راح يدعو الله كثيرًا بأشياء لم تكن له، لم تكن تعنيه بالمره، و لن تحدث و لكن ظن انه لعل و عسى الاقدار ربما تنصفه. كان يتحدث الى الله كثيرًا.. طوال الوقت، صار يحكي له عن سرائره التي لاطالما اخفاها في قلبه و لم يبدها لأحد، كان يعامل الله كأنه وكيله حقًا، فوض إليه أحلامه و أمانيه، قال "اللهم اني استودعك احلامي كلها يا من لا يعجزه شيء و انا العاجز إليك بلا حيلة".

قال له صديقه المقرب رؤوف:


اقرأ ايضا

    – "تتسرب إليك هواجس المستقبل، و مرض الحسابات المقلقة.. دعك من كل شيء يا رجل 'فإبن الهبلة يعيش اكثر!'.. ما عليك يا صديقي لكن قل لي لقد استمتعت امس بالحفل الغنائي، أليس ذلك؟! ماذا قالت تلك السيدة الاغريقة في الحفل؟!"

    بعد الخامسة و الثلاثين، ما عاد يحلم بشيء الإ المال، لقد كانت احلامه في الموسيقى، و السفر، و جمع الطوابع، و القراءة و هزيمة يهودي ما في لعبة الشطرنج على الإنترنت، و مشاهدة بعض الأفلام السينمائية في مختلف أنحاء العالم..

    الاحلام درب من دروب الخيال. كان يحلم أن يرى جمال الطبيعة الخلابة مع فاتنته الحسناء، حلم أنه يحتسي فنجان قهوته معها في كافتيريا على النيل. او أن ترتدي ثوبها الأبيض المرقع بالأزهار و أن تسير بقدميها الحافيتين على الصحراء و هي تلف حول شعرها الهائج الطويل ايشارب بعصبة مبطنة تسمح لها بإخفاء حسن وجهها مع إفشاء عينيها اللامعتين..

    لم يجبن يومًا عندما أتاحت له الحياة فرصة ألا يغتنمها، لقد قاتل في المعركة وحيدًا، يكفي أنه حلم يومًا بأشياء لم تكن في خطة الله له.

    لم يعد لديه القدرة على الحلم الآن، لقد فقد الكثير في رحلته، لم يعد يكترث كثيرًا لمن يجذب لياقته، او ينعته بالنذل، او يتهمه احيانًا بالشرف، او بالاحرى كيف صار مظهره مزريًا، او كيف يعامله الناس و يخدعونه و يظل صامتًا كأنه لا يدري شيئًا، او كيف أن الحياة ابرمت عقدًا مع الاقدار على أن طرحه ارضًا نزفًا حتى تخدل قدماه و تهزمه في ابسط الأشياء التي ريثما ظلت في روحه تدفعه الى أن يكمل..

    اسردت قائلًا:

    – "عندما تنصت الى الموسيقى فإنك تعجب بها حقًا و تطير فرحًا، لكن عندما تفهم كلماتها ربما يجتاحك العبوس و يختالك الغم فتحزن و تذرف الدمع عليها"

    و اردفت قبل أن يلقي بالًا بإضافة كلمة:

    – "... لقد كانت تقول برغم شعرك الهائج الشَعِث، كان هناك لمعانه الذي لاطالما جرحني بجماله! و لكنك قلت لابد أن تذهب و تريد تجنب الماضي.. و لكن رجاءًا توقف تعال و لا تنظر خلفك.. انتظر انا اريد ان اخبرك شيئًا قبل أن ترحل.. يا هذا تعال انا احبك حقًا حتى و لم استطع قولها!"

    راح يبكي عندما ادرك اللحن، احيانًا الحياة تكون قاسية علينا اذا تعلمنا، و اذا لم نفهم الدرس تعطيك نفس الاختبار، و ترسب حتى تصير سيدًا في الدرس هذا.. تتقنه إلى آخره. يومًا ما ستكون ما تريد فلا تبتئس، الدروس ليست بالمجان يا هذا..

    كانت تبتسم له بدون سبب..

    قال في قرارة نفسه لا يعقل أن يحدث شيء ما، هل هي تلك النظرة التي تناولك المعجزة التي تمنيتها؟! هل اخبر احدًا ما؟! لكن انت تدري اكثر مني عن هذا، عندما تخبر الناس اشياءك الجميلة تختفي للأبد، انه مثل قانون مورفي و الإيبجراما و الحكمة الساخرة في الأشياء.. كل شيء يمكن أن يسير في اتجاه خاطيء، سيسير في اتجاة خاطيء فعلًا! لا ادري كيف لكن لا أستطيع أن اجزم أنه أمر حقيقي، يمكنك العودة من الطرق الخاطئة.. يمكنك أن تخرق القانون للعودة.. ممكن أن تخلق طريقًا آخر غير الذي سلكته! لقد آمنت أن التغيير هو الثابت الوحيد في المعادلة.. المتغيرات كثيرة، لذلك قررت أن اجرب حظي التعس..

    قالت أن المكملات الغذائية باهظة هذه الأيام.. و أنها تحرق سعرات حرارية أكثر مما أتخيل.. قالت أن الاستهلاك المحلي اكثر بكثير مقارنة بما هو متوقع.. و أن سعر الذهب ارتفع بنسبة تصل إلى نحو ثلاثة أضعاف ما كان من قبل.. و أن مستواها المعيشي يتدهور بشكل ملحوظ.. هذا المستوى تريد أن تحافظ عليه..

    قالت لي بنبرة حادة و ابتسامة غريبة:

    – "سعر الدولار راح يترنح كثيرًا انت لا تدري يا أخي!"

    لم ينتهي الأمر على هذا التلميح، التلاعب بالكلمات لم يكن مناسبا لعقلية مثلي، اذا قال لي أحدهم (يا ليت الحمار يفهم و ينظر لي)، لقلت له أين ذلك الحمار حقًا لأقول له أن يفهم!

    قالت كلام على غرار: "لن نستطع أن نكمل هذا، انا اراك كصديق لي، لم نكن و لن نكن، دعك لا تحرق روحك"

    (قصاصات قابلة للحرق، فتم حرقها، نعتذر لك عزيزي القاريء)

    قلت لها بصوت يكاد يتهدج:

    – "و لكن هذه ليست مسألة وقت فقط، انها مسألة البعد، لم يكتب الله لي فيكي شيئًا، اختار البعد.."

    قالت لي:

    – "لا تذهب لقد اعتدت عليك! لماذا لا تفهم؟!"

    قلت لها:

    – "لا استطع فإن الطريق الوحيد إلى ذلك أما بالقبول او بالرفض، لا تستطعين أن تختاري الإثنين معًا.. انتِ رحلتي بالفعل فلماذا نتكبد عناء الانتظار في رحلة لم اكن مدعو لها؟!".

    رحت ابكي و أنا اقول لها سأسافر عبر القارات، سأبحر لارى العوالم الأخرى و تعصف الرياح بي هنا و هناك و سأنسى الحب الأبدي الخالد في ذهني منذ الأذل، سأغني سأرقص على الحاني الحزينة بمفردي.. سأظل وحيدًا كما انا، لم يكن لي احد و لم اعتاد على وجود احد، انا البطل الوحيد الذي وقف بجواري، انا الجيش الوحيد لي..

    الحقيقة أنه لا شيء دائم، لحسن الحظ ان كل الاحزان تمر، و لكن لسوء الحظ أن كل السعادة تمر..

    لعن الله فقط الاشياء المتأخرة، و الحزن الذي يطرق بابك دومًا، و الصديق عند الحاجة فقط، و الأمل الزائف الملول الذي يأتي و يرحل، و الناس التي لا دين لها، ارواحهم شريرة تمقط الخير و تعبد الشر عبادة، تلك الروح الغبية المقفلة تنشر الخراب بدون سبب يذكر.. لعن الله الكذب و الخداع و القيل و القال و خيبة الأمل و سوء الفهم و من يعجبنا قوله و هو الد الخصام، يعطيك من طرف اللسان حلاوة و يروغ منك كما يروغ الثعلب..

    لعن الله الفقد البالغ في الأشياء.. الفقد هو اكثر المًا مما جعلك عاجز.. لم يتبقى شيء يفقد، و مع مرور السنوات الشيء الوحيد الذي كوّنته الأيام.. هو انا.

    ahmed tolba

    ahmed tolba

    كاتب مقالات أدبية و متنوعة | مترجم

    مهندس مدني، مراقب جيد للتفاصيل.

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ