نعيش في عالم يفيض بالعلاقات السطحية والمجاملات الفارغة، حيث قد نجد أنفسنا أحيانًا مجرد محطات عبور في حياة الآخرين، لا لشيء سوى لأنهم وجدوا فينا وسيلة لملء الفراغ أو لتجاوز الملل. وربما، في لحظة غير متوقعة، تصلك هدية لا تمت لاهتماماتك بصلة، فقط لأنها لم تجد مستقرًا آخر، فآتت إليك كخيار بديل، كصدقة عابرة.
لكن، لماذا نشعر بالخذلان من هذه المواقف؟ هل يكمن الألم في إدراكنا بأننا لسنا ذوي أهمية بحد ذاتنا، بل مجرد تعويض عن شيء آخر لم يتمكنوا من الحصول عليه؟ أم أن الأمر مرتبط بإحساسنا الفطري بالحاجة إلى أن نُقدَّر بصدق، لا أن نُعامل كأدوات تُستهلك حسب الحاجة؟
لطالما كان الاستماع فعلًا راقيًا يدل على الاهتمام والتقدير، لكن ما يحدث في كثير من الأحيان ليس استماعًا نابعًا من اهتمام حقيقي، بل مجرد تصرف عابر من شخص لديه وقت فائض يبحث عمّا يملؤه.
كم مرة وجدت نفسك تتحدث بحماسة لشخص ما، فقط لتدرك بعد فترة أنه لم يكن مهتمًا فعليًا بما تقول؟ ربما كان ينظر إلى هاتفه بين الحين والآخر، أو يهز رأسه بلا مبالاة، أو يغير الموضوع فجأة دون أي تعليق على ما قلته. هذه العلامات تكشف أن وجودك في تلك اللحظة لم يكن إلا لملء الفراغ، وليس لأن كلماتك تحمل قيمة في نظره.
هذا النوع من التفاعل يمكن أن يترك شعورًا داخليًا بالخذلان، لأننا كبشر نبحث دائمًا عن التواصل الحقيقي. نريد أن نكون في دائرة الاهتمام لا لأن الظروف فرضت ذلك، بل لأن شخصياتنا وأحاديثنا تستحق الاهتمام بحد ذاتها.
لكن في المقابل، هل يمكننا أن نلوم الآخرين على تصرفاتهم؟ أليس من الطبيعي أن يستمع بعض الناس لمجرد قتل الوقت دون نية خبيثة؟ أليس الجميع يمارس هذا السلوك بدرجة أو بأخرى؟ هنا يأتي السؤال الحقيقي: هل الخطأ فيهم أم في توقعاتنا نحن؟
ربما لا يوجد تعبير أكثر دقة عن مشاعر الإحباط من تلقي هدية لا تمت لاهتماماتك بصلة، بل قد يبدو الأمر وكأنها كانت مخصصة لشخص آخر لكنه رفضها، فتم تحويلها إليك كخيار احتياطي.
الهدية في جوهرها تعبير عن الحب والاهتمام، لكن حينما تكون مجرد وسيلة للتخلص من شيء غير مرغوب فيه، فإن قيمتها العاطفية تتلاشى. كيف لك أن تفرح بسوار منقوش باسم شخص آخر، أو بكتاب لا يمت لاهتماماتك بأي صلة، أو بعطر لا يتناسب مع ذوقك، فقط لأن المهدي لم يجد من يأخذه؟
في هذه اللحظة، تدرك أن الهدية لم تكن رسالة محبة، بل مجرد وسيلة للتخلص من شيء زائد عن الحاجة. هذا لا يعني بالضرورة أن الشخص كان ينوي الإساءة، لكنه ببساطة لم يبذل جهدًا حقيقيًا ليجعلك تشعر بأنك مهم، بل كنت مجرد محطة أخيرة لشيء لم يعد مرغوبًا فيه.
يكمن الخذلان في إدراكنا أننا لم نكن الخيار الأول، بل مجرد تعويض. هذا الشعور يمس عمق النفس البشرية، لأننا جميعًا نرغب في أن نكون مرغوبين بصدق، لا أن نُعامل كوسيلة لسد الفراغ أو التخلص من الفائض.
لكن هنا يبرز تساؤل آخر: هل المشكلة في تصرفات الآخرين أم في توقعاتنا نحن؟ الواقع أن البشر ليسوا ملائكة، وقد تكون تصرفاتهم غير مقصودة، ولكن توقعاتنا الكبيرة تجعلنا نشعر بالخذلان بسرعة. ربما علينا أن نقلل من توقعاتنا تجاه الآخرين، وألا نبحث عن التقدير في كل موقف، لأن بعض الأشخاص يتصرفون ببساطة دون نية للإيذاء.


بشرى حسن الأحمد
كاتبة مقالات اجتماعيةحاصلة على شهادة سينريست و إخراج كاتبة مقالات اجتماعية و متنوعة ناشطة اجتماعية و محاورة بقضايا المرأة