سماء غزة الحمراء!
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولوابلٌ من المتفجرات …...وزخاتٌ من القنابل …...والجومُغبرٌ كليًا…. تلك هي النشرة الجوية وأحوال الطقس في سماء غزة الأبيّة والتي تُلقى على أسماعنا يوميًا….تلك السماء المُرعبة ….وأيُّ سماء!
تتوالى الأيام بثقلها ونحن مُتسمرون أمام الشاشات مذهولين ومفجوعين لما نسمعه ونراه من مآسي ودمار وخرابٌ طال كل شيء ولم يرحم أحد. تكادُ لا تصدق أن بشرًا قادرًا على فعل كل تلك الأفاعيل في هذا العصر المدّعي أنّه عصر التّحضر، عصر الشعارات الرنّانة والبرّاقة التي تنادي بحقوق الطفل والانسان والمرأة، حتى الحيوان كان له نصيب من تلك الحقوق المزعومة! فما أعدلها وأروعها من حقوق! لكنها عجبًا تصبح عاطلة عن التطبيق في غزة.
في غزة......تُبهرك قوة الإيمان والمعتقد، فهم يعلمونا أن الحق لا يقوى إلا بالتحدي، وأهل الحق لا يستحقون الجنة إلا بالتضحية؛ وإن كانت شلالات دمٍ منهمرة، وأن كل شِدّة ما هي إلا شَدّة إلى الله وتثبيت إيمان، وأن القوي هو صاحب الحق وليس صاحب السلاح. إنها دروس يعلمها الغزيين إلى العالم، فالذي كان مستحيلًا أصبح ممكنًا والممكن أصبح واقعًا، فها هو أعتى جيش في العالم يَخرُّ أمام فئة من المجاهدين سلاحهم الوحيد اليقين والإيمان بعدالة قضيتهم، وها هي الشجاعة تغلب التكنولوجيا وتقلب كل الموازين.... لله درُّكم فالواحد منكم بألف والألف منّا بأُفٍ.
في غزة ...... التّشبث بالأرض من المُسلمات والبديهيات التي لا يمكن التنازل عنها مهما حدث فوقها من إرهاب، فهم متجذرين ومتأصلين بها إلى درجة لا يمكن الفصل فيها بين الإثنين؛ فحب الأرض لديهم فطري لا إرادي؛ فهناك يلتقي الموت مع الولادة والبداية مع النهاية، هي الحاضنة لأفراحهم وأمنياتهم وذكرياتهم؛ فهي تعرِفهم وهم يعرفوها لونهم كلونها، فكيف يهجرونها؟ فهي الهوية والعنوان، والثبات عليها اكتمال لكرامتهم، وانسلاخهم عنها هدرٌلها.
في غزة.... النعوش مشهد طبيعي ويومي، تسمع هناك زغاريد الأمهات في أعراس جماعية يزفّنّ فلذات أكبادهنّ إلى الآخرة بثبات وصمود أسطوري، لاعويلًا أو نُواحًا! أي قلوب تلك! ويا لكآبة المشهد حين ترى المتعاطفين يصلون صلاة الغائب على الشهداء! من يصلي على من؟ نحنُ على شهداء غزة أم الغزيين علينا !!!!!! من الغائب ومن الحاضر في هذه اللحظات العصيبة؟! ألا يكفينا خجلًا عجزُنا المرير، واكتفائنا بتقديم الدعاء أمام من يقدم الدماء، وتقديم الأموال أمام من يقدم الأرواح!
في غزة.....الأطفال هناك رجال بأجساد أطفال، أطفال بلا طفولة، أطفال بلا أحلام، بلا ألعاب، لا يوجد وقت لديهم للترفيه أوالمزاح... قد تتساءل كيف هم بتلك الشاكلة؟ قلوبٌ لا تعرف الخوف! عقول واعية قبل سن الإدراك! ألسن فصيحة متشربة حب الوطن والعقيدة لا تنفكُ عن سرد الأناشيد الوطنية وتلاوة آيات من الذكر الحكيم! وجوهٌ فيها أنفة وكبرياء لم نرى مثيلها! رسائلهم على الشاشات.... نظراتهم... ملامحم.... أجسادهم الملطخة بالدماء قد أرهقتنا وقزمتنا أمامهم، وأبكت عيون أصحاب الضمائر الحية على وجه البسيطة.
اقرأ ايضا
الغزّاويّون... كأننا نراهم عصيي الكسر.....هؤلاء الذين لا تعني لهم الحياة بقدر ما تعني لهم الشهادة ... لا يكترثوا بالألم، ولا يلقون للمخاسر بالًا! النهوض مجددًا هو نهجهم في الحياة، أيُّ عنفوان ذلك الذي في أعماقهم؟ وأيُّ صمود أسطوري ذاك على الأرض؟ّ أيُّ قلوب تلك التي في صدورهم، وكيف تتسع لكل هذا الوجع؟ أين الضعف ؟ أين الخنوع؟ أين الخوف؟ مشاعر لا تلمحها في أعين الغزيين. إن كانت السماء أرشقتكم بالقنابل يكفينا أنك ترشقونا كل يوم بأروع صور الصمود والتضحية والثبات. تعددت الرؤى والكل ينظر بعين إدراكه.... هناك من يراها أرض الموت وهناك من يراها أرض الأمل والحياة والرجولة والعطاء. فتلك البقعة الصغيرة على خارطة العالم والتي قد لا تراها بالعين المجردة، قد أرت العالم بأسره ما لا يمكن رؤيته!
مهما زيّنا الكلمات تبقى مُقصرة في التعبير عما يحدث ويُرى بأم الأعين، وبالرغم من أنه طوفان قد أغرقنا بالدموع والآهات؛ لكنه أفاقنا من سُبات الغفلة. وأعتقد أننا في حضرة الغزيّين ما علينا إلا أن نُطأطأ الرؤوس ونُنكس الأبصار! فما شهدناه ما هو إلا نياشين بطولة استحقها صغارهم قبل كبارهم، ووصمة عار على جبين الإنسانية أمام خذلان وصمت البعض والذي سيسطره أهل غزة بحبرٍ من دمائهم..... وأيّ عار! وها نحن نغطسُ بالخجل والقهر جرّاء عجزنا وقلة حيلتنا.... وأيُّ خجل .......لكِ الله أيتها الثكلي المكلومة.....إنّه نعم الوليّ ونعم النّصير!