دق الطبول

نشرت:
وقت القراءة: دقائق

خيم صمت مخيف على مدينة جباليا تلك الأمسية.. رغم هدوء الليل إلا أن قلوب الفلسطينين لم تهدأ.. عائلات عانت من الفقد و لازالت تخشاه.. أطفال لم تشهد طفولتهم سلاما.. نساء مرتديات ملابس الصلاة متأهبات لإخلاء البيوت التي عشن فيها طوال حياتهن في أي لحظة... وسط هذا الهدوء يتمشى ذلك الفتى البشوش عائدا للمنزل يحمل في يده وجبة فلافل كعشاء للعائلة... جلس ينتاول عشائه مع والديه, هو ابنهما الوحيد أنجباه بصعوبة بعد انتظار دام ثلاثة عشر سنة ليصبح نورا لحياتهما

دق الطبول

" ماذا سنتناول على الغداء غدا " كانت هذه مثل عادة على لسان خليل

" ان شاء الله ياولدي ألا يجدر بك ان تنهي عشائك أولا"

" حاضر يابا" قال خليل خاضعا بلهجة فيها شيء من المزاح

ثم أردف قائلا " إذا ماذا فعلتم في شقتي هل هي جاهزة بعد "

تبسم الوالدان, ثم قال الأب معلقا "هل مازلت مصرا على الزواج.. ألا يزال الوقت مبكرا قليلا عليك"


اقرأ ايضا

    " بالطبع مصر يا والدي أريد الزواج, و أريدكما أن تحضيا بالكثير من الأحفاد"

    تسللت ابتسامة كبيرة من فم أم خليل ناجمة عن فرحة لم تستطع إخفائها فلطالما حلمت بعرس ابنها الوحيد و حلمت بأن تحتضن أحفادها في حجرها...

    " لم يبقى شيء يا ابني ان شاء الله سنزوجك.. بالمناسبة يا خليل ما رأيك أن تذهب لتبقى في بيت جدك هذه الفترة إلى أن تمر الأحداث المرة"

    " أذهب هناك لأموت قصدك"

    "يعني هنا أكثر أمانا؟.. على كل كما تريد إن انتهيت من عشائك قم اغسل أطرافك و اذهب للنوم لم تنم جيدا البارحة"

    وصل الليل إلى منتصفه و قد استعدت عائلة خليل للنوم تحاول ان تحضى بقسط من الراحة كأي عائلة فلسطينية أخرى وسط القصف .. لايعلمون ما يخبئه لهم الغد..

    استيقظوا صباحا على صوت تفجير ليس ببعيد عنهم كانت قذيفة ألقتها قوات الإحتلال الإسرائيلي في الحي المجاور للحي الذي تقطن فيه أسرة خليل .. أودى الإنفجار بحياة المزيد من الضحايا الأبرياء من سكان غزة و خلف جرحى معظمهم أطفال...

    ارتدى خليل ملابسه و مشى متوجها لباب منزله بنية الخروج ليلتقي برفيقه أحمد ليطمئنوا على الاوضاع في حيهم و يلقو بنظرة على أهاليهم و يلبوا حاجياتهم.. قفزت والدته أمامه بجزع تحاول منعه من الخروج فقلب تلك الوالدة متعب خائفة من أن تفقد وحيدها بعد معاناتها لإنجابه لكن خليل حاول تهدئتها و خرج لشعوره بالمسؤولية رافقته دعوات والدته التي لا يزال قلبها غير مطمئن و شعور سيء مسيطر عليه لا تعرف مصدره..

    حل منتصف النهار و أم خليل تنتظر عودة ابنها سالما فإذا بها تسمع دويا قويا قريب جدا هذه المرة أحست به كأن القذيفة سقطت وانفجرت في فؤادها سارعت بارتداء ملابس الصلاة و خرجت من بيتها تصرخ و تنادي باسم خليل غير مبالية لا بسلامتها او سلامة البيت تقاوم أهلها الذين يمسكونها يحاولون تهدئتها لكن سرعان ما انهارت الوالدة تماما لحظة رؤيتها لجثمان ابنها محمولا على الأكتاف بعد ان إنتشلوه من تحت الأنقاض.. دموع العالم بأكمله لم تكن كافية لوصف ألم تلك الوالدة التي تحطم حلمها أمامها ان ترى ابنها عريسا فإذا بها تراه جثة هامدة.. منظر يوجع من ينظر إليه, أم خليل تتكئ على صدره وهي تبكي بشهقة تتمنى لو كانت مكانه..

    " ولا عمرك كنت ساقع هالقد.. يا ريتني نمت جنبك ياما"

    أب بدأ بالبحث عن عروس لابنه أغمي عليه عند سماع خبر فقدان سنده.. إبن في عمر الزهور إرتقى شهيدا ليلتحق بجدته ليراها أخيرا التي كانت قد استشهدت قبل ميلاده وهو جنين ..

    اقرأ ايضاّ