حكاية من الزمن القديم: رحلة في قصة تراثية خيالية

قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخول
في هذا المقال سأكتب قصة لم أقرأها من إي كتاب، لكن لطالما سمعتها بصوت جدتي الرقيق وحفرت حروفها في ذاكرتي، ورأيت صورها في مخيلتي منذ أن كنت طفلة إلى الآن. في زمن أجدادنا لم يكن هناك الكتب والروايات، بل أنهم حتى ما كانوا يعرفون فك الحرف والقراءة، لكن كانوا يقومون بتأليف القصص والحكايات بل والأغاني حتى بمنتهى الفن والروعة، كان لديهم خيال واسع ووقت يجتمعون به يسردون القصص والحكايا ويتوارثونها من جيل إلى جيل. هذا أن دل يدل على أهمية سرد القصص والحكايات للأطفال في جميع العصور والأزمان وأنها بالفعل ترسخ بأذهاننا وتحفز الخيال العلمي لدى الأطفال، وتجعله نشاط جميل ورائع نقضي به الوقت مع أحبائنا ويترك أثر وذكر طيب في نفوسنا.
دعوني أقدم لكم أشهر قصة تراثية كانت معروفة ومتداولة في كثير من قرى فلسطين الحبيبة وهي:
جبينه

كان يا ما كان في قديم الزمان كان هناك امرأة لم ترزق بالأطفال كانت تصنع الجبنة البيضاء؛ تقوم بحلب الأبقار و صنع الجبنة بخطواتها المطولة، في ليلة من الليالي كانت تجلس وتشكل الجبنة على شكل أقراص وهي تفكر ومهمومة بوحدتها وعدم إنجابها فأخذت تتأمل في قرص الجبنة وتدعي وتقول يا رب أرزقني بطفل بنت أو ولد أبيض مثل بياض قرص الجبنة هذه؛ فاستجاب لها الله وحقق أمنيتها وأنجبت طفلة رائعة جميلة ذات وجه مربع وناصع البياض، بياضها تماما كبياض الجبنة وسمتها جبينة؛ فرحت بها وحمدت الله كثيرا. مرت الأيام وكبرت الفتاة جبينة وأصبحت من أجمل فتيات القرية؛ في يوم من الأيام حدث عرس كبير في القرية وكانت العروس من بلدة بعيدة عن قريتهم وكانوا قديما يذهبوا أهل القرية لجلب العروس من قريتها إلى قريتهم بما يدعى "الفاردة"، أرادت جبينة الذهاب معهم وقالت لصديقتها أن تطلب لها الأذن من والدتها، فأتت صديقتها وقالت لوالدتها : " يا أم جبينه بحياة جبينة تخلي جبينة تروح معانا الفاردة" قالت والدتها: "أسألوا أبوها"؛ ذهبت إلى أبيها وقالت: "يا أبو جبينه بحياة جبينه تخلي جبينه تروح معانا الفاردة" قال والدها :" إسألوا عمها"؛ ذهبوا إلى عم جبينه : " يا عم جبينه بحياة جبينة تخلي جبينه تروح معانا الفاردة" قال: " اسألو ستها" ذهبوا لجدتها: " يا ست جبينه بحياة جبينه تخلي جبينه تروح معانا الفاردة" قالت: "أسألوا سيدها"؛ ذهبوا لجدها: " يا سيد جبينه بحياة جبينه تخلي جبينه تروح معانا الفاردة" قال لهم: " خليها تروح" فرحت جبينه وصديقتها جدا و تحضروا جيدا للحفل، قبل خروج جبينه مع الفاردة ودعت والدتها وقالت لها: " يا بنتي انتبهي على نفسك جيدا استأجرنا لك هذا الحصان لتركبي عليه مع هذه الخادمة (العبدة) لتقوده؛ وخذي هذه الخرزة الزرقاء إذا حدث لك مكروه اتصلي بي من خلالها"، ودعت جبينه والدتها وخرجت مع الفاردة. خلال الطريق كانت الخادمة التي تقود الحصان تزعجها وتهددها وتقول لها هيا انزلي قودي الحصان أريد أن أجلس مكانك وتقوم جبينه بمناداة والدتها عن طريق الخرزة الزرقاء وتقول لها يا أمي إن الخادمة تريد قتلي وأخذ مكاني على الفرس؛ فتصرخ الأم على الخادمة وتمنعها من ذلك، بعد قطع مسافة طويلة واستمرار الخادمة بتهديد جبينه؛ قامت الخادمة بأخذ الخرزة وإلقائها في النهر وضيعت الطريق عن الفاردة التي كانوا يتبعونها، ونزلت عند نهر وجدت عنده طين أسود ورمل أبيض وقامت بضرب جبينه وتلطيخها بالطين الأسود ودهن نفسها بالرمل الأبيض وأمرت جبينه بقيادة الفرس وهي تجلس عليه. ثم ساروا بعيدا في طريق لا يعرفونه إلى أن وجدوا قصرا كبيرا، طرقوا الباب واستضافهم أهل القصر على أن الخادمة هي السيدة والسيدة جبينه هي الخادمة ورحبوا بهم بعد أن عرفوا منهم أنهم أضلوا الطريق وعاشوا معهم فترة، الخادمة هي السيدة في القصر وجبينه تذهب كل يوم لرعي الأغنام. كانت جبينه تذهب لرعي الأغنام عند النهر تغتسل بماء النهر وتفرد شعرها الجميل وتغني وتقول: " يا طيور طايرة يا مراكب سايرة سلموا ع أمي وأبوي وقولوا جبينه راعية ترعى غنم ترعى سخول تخيل تحت الدالية"، من شدة جمال صوتها وجمال شكلها كانت تشعر الأغنام معها وتستمع إليها بحزن شديد دون أن ترعى وتأكل، وفي نهاية اليوم تقوم جبينة بتلطيخ نفسها بالطين لتعود على هيئة الخادمة وتعود إلى القصر. لاحظ صاحب القصر أن أغنامه نحيلة هزيلة ليست كعادتها فقرر متابعة جبينه في اليوم التالي ليرى ماذا تفعل بأغنامه، وفعلا في اليوم التالي قام بتتبعها بالخفية ورأى ماذا تفعل واكتشف جمالها الحقيقي وسمع صوتها الحزين وتعجب من الأمر. وعند عودته إلى القصر أمر أهل قصره بصب الماء على الفتاتين الخادمة وجبينه وتم كشف الحقيقة. تعجب أهل القصر من هذا المشهد وقامت جبينه بأخبارهم الحقيقة بالكامل ومن هم أهلها وأنها تفتقدهم. قام صاحب القصر بمعاقبة الخادمة أشد عقاب وطردها من القصر؛ ثم قام بالبحث عن قرية جبينه وتمكن من الوصول إلى أهلها وأعادها إليهم وقام بخطبتها وعاشوا بسعادة وهناء وأنجبوا الفتيات والصبيان.
كانت هذه هي قصة جبينه التي أتذكر إلى الآن تفصيلها وكيف كنا نجتمع عند جدتي "رحمها الله" أنا وإخوتي وباقي الأحفاد نطلب منها سرد تلك القصة بصوتها الرائع وأسلوبها الشيق ونستمع إليها وكلنا أذان صاغية كانت تلك أجمل الأوقات بالنسبة لدينا. أتمنى أن تبقى قصص أجدادنا متوارثة من جيل إلى جيل.