جوزية مورينيو: المترجم الذي نظر إلى القمة

عبد الله أيمن حسن
مدرس لغة عربية
نشرت:
وقت القراءة: دقائق

المقدمة:

المذياع والشغف:

في الصباح الباكر، وبين نسمات الهواء، تردد صوت المعلق ألبرتو في المذياع. كان المذياع قديمًا، أكبر من عمري حينها. وفي هذا الضجيج المنبعث، انطلق شغفي بكرة القدم. لو كنت معي في تلك اللحظة، لشعرت بحماس ألبرتو وشغفه في تعليقه. أصبحت كرة القدم حينها شغفي الأول وأبديت لها حبًا لا ينتهي: قد يكون انتمائك لناديك جاء نتيجة حبك لاعب معين، أو من خلال مباراة أعجبتك، أو تصرف صدر من النادي. أما أنا دائما كنت مختلفا؛ فانتمائي كان لكرة القدم دون أن أنتمي لنادي في البرتغال لشبونة، بورتو، بنفيكا...

صوت المعلق ألبرتو في المذياع. (صورة من الذكاء الاصطناعي)صوت المعلق ألبرتو في المذياع. (صورة من الذكاء الاصطناعي)

مدينة سيتوبال البرتغالية. (صورة من الذكاء الاصطناعي)مدينة سيتوبال البرتغالية. (صورة من الذكاء الاصطناعي)

أنا جوزية:

إذا كنت من متابعي كرة القدم، فلابد أنك علمت من أكون، أما إن كنت غير ذلك، فدعني أخبركم من أنا:

مورينيو مع بوبي روبسونمورينيو مع بوبي روبسون

فرض الذات:

إن صديقي بطل القصة أوضح في عمله ذاك مثال على الإنسان الذي يتغذى بالنضال الصامت، كان قاسيا على نفسه غير متهاون أبدا في طلباته؛ لقد كان قويا، ومازال، وقد فرض هذا الشعور على جميع من تعاون معه. جعل بعضهم يتساءل، هل يمكن أن يكون لهذا الرجل جوانب أخرى غير قوته في ذاته. كان من هواة الفلسفة... والحياة بالنسبة له هي مجرد نظرية؛ فكانت نظريته في التدريب، هي: 4-2-3-1 التي أصبحت فيما بعد خطة أوروبا الأولى.

خطة 4-2-3-1خطة 4-2-3-1

الطريق إلى الفوضى

إن بدايتي كانت في عام 2003 عندما بدأت كمدرب مع بنفيكا، ثم ليريا، ولعلها ليست بالمحطة المهمة في مسيرتي، ولكنها كانت شرارة البداية لشيء أكبر.

الذهب يعرف بورتو:

الفوضى تخلق نجما راقصا:

الجدل مع الصحافة، والإعلام من الأمور التي كنت أتشوق إليها في كل مرة ذهبت فيها إلى قاعة المؤتمرات... كنت جالسا في مؤتمر بعد إحدى المباريات، وبعد الأسئلة الاعتيادية؛ قام صحفي موجها ذلك السؤال: لماذا أنت مترفع بنفسك عنا؟ ثواني حتى تحول الصخب إلى سكون تام يكاد يقتلك. حتى أنا الذي دائما ما أدخل في صراعات كنت كالشخص التي نسى كيف يتحدث؛ حتى عاد مرة أخرى، وكرر السؤال بصيغة مختلفة: أنتم أيها المشاهير تترفعون بأنفسكم، وتتكبرون علينا. أحيانا لا يجب أن تتمالك أعصابك، ولكن هنا قررت الصمت، فذاك الذي ظن أنه كالأسد الذي أنقض على فريسته، أصبح حينها كالرصاصة الذي أطلقها عل نفسه؛ ليتجنب شر فريسته. إن الصمت سحر عليك أن تتقنه يا صديقي. وفي عام واحد حققت بطولتين: الدوري، والكأس بجانب الكأس الأوروبي؛ حينها بدأ صيتي في الانتشار؛ خاصة عندما توجت باللقب الأوروبي الثاني، ولكن هذه المرة كانت ذات الأذنين- دوري أبطال أوروبا- عام 2003. بداية مثالية للفوضى.

احذر من الثعابين:

التتويج بدوري أبطال أوروبا مع إنتر ميلانالتتويج بدوري أبطال أوروبا مع إنتر ميلان

هوية مختلفة:

ولكن قبل كل ذلك يا صديقي، ذهبت إلى إنجلترا، ولعلي في هذه المرحلة، وبعد تحقيق الأبطال مع بورتو، أتذكر مقولة هنري ديفيد:<<إن ما تحصل عليه من خلال تحقيق أهدافك ليس مهما بقدر ما تصبح عليه من خلال تحقيقها>>.

في عام 2004 أصبحت أحد هؤلاء المنسيين، بعد رحيلي من بورتو، والذهاب إلى تشيلسي، كانت أول كلماتي: رجاء... لا تقولون إنني متغطرس، أنا بطل أوروبا، وواحد من أفضل المدربين في العالم، وهذا يعني أنني رجل خاص.

مسيرة دامت لثلاث سنوات شهدت التتويج بالدوري الإنجليزي مرتين، وكأس الاتحاد، ودرع الاتحاد مرة واحدة، بينما توجت بكأس رابطة الأندية مرتين، وذلك قبل رحيلي في 20 سبتمبر 2007، ولكنني عدت مرة أخر في عام 2013 في مرحلة لم تدم طويلا حينما انتهت عام 2015، ولكنها تخللت بالتتويج مرة واحدة بالدوي الإنجليزي، وكأس الرابطة.

جوزية مورينيو: المترجم الذي نظر إلى القمة

في ظلال الهيمنة:

إن الفوضى التي نخلقها نحن البشر؛ هي ما صنعت تلك الحضارة تارة، وجلبت الدمار تارة أخرى، إذا أردت يوما أن تكون ملكا؛ عليك أن تصبح فوضويا.

إن الفوضى، والصراعات هي التي صنعت، وخلقت كرة القدم، أمس كانت تلك الفوضى تكمن في شغف اللاعبين، ولكن في عصر المال ما هي إلا غصن هش يرقص عليه اللاعبون.

يقول رولان بارت: من خصائص الواقع أن السيطرة عليه غير ممكنة. وفي إسبانيا كان هنالك هيمنة لابد أن تكسر، والسيطرة عليها. في مدريد أخبروني أن لدينا أفضل فريق في العالم على الجانب الأخر، لقد سحقونا، وكان علينا أن نعكس هذا الوضع.

ما تحت الرماد:

يبدو أننا وصلنا إلى المحطة الأخيرة يا صديقي، أنا الآن في إنجلترا مرة أخرى-توتنهام- بعد أن وقف بنا الزمان؛ لأعيد الشغف داخلي من جديد، لا أعلم هل هي حقا المحطة الأخيرة التي تتنازل فيها عن بعض ما صنعته من مجد؟

- الذئاب الإيطالية:

وفي النهاية يا صديقي حان وقت أن نفترق، ولكن دعني أسمعك كلماتي الأخيرة-هي في الحقيقة كلمات كلاريسا بنكولا-: هناك دائما المزيد من الفرص؛ للتصحيح، لصياغة حياتنا بالطرق التي نستحق أن نعيش بها، لا تبدد وقتك تعلن الفشل؛ إن الفشل معلم أعظم من النجاح.

أنصت، تعلم، أنطلق.

النهاية.

اقرأ ايضاّ