النفاق السياسى والتطبيل للملك- (فن عربي عريق)
قم بتسجيل الدخول للقيام بالتعليق
تسجيل الدخولحديثا فى هذا المقال عن النفاق السياسى فى الماضي أو كما سمى قديماً فن المدح والثناء تأدباً واحتراما لنبوغة.
لاكن لماذا نسمية نفاق؟
أن المنافق له وجهان، ظاهر وباطن، يسخر هذه الازدواجية فى عالم السياسة للإيقاع بمن يستهدفه عبر الغش والتدليس، فإن كان هدفه الحاكم أراد من نفاقه أن يحصد ذهبه، أو يتقى سيفه،أو يعلي مرتبتة بين القوم، غير مهتم بالمصلحة العامة بمثقال ذرة، أو حتى متحيز، لمصلحة الحاكم الذى يتساقط كلام المنافقين على رأسه فيقتله فى بطء وهو لا يدرى،فتجعلة يتخذ قرارات فى غير وعية نتيجة لوصفة بالفروسية والشجاعة والمروءة وغيرها من الصفات.
والذروة فى هذا ربما تكون ما جاء على لسان الشاعر ابن هانئ الأندلسى، الذى أطلق عليه لقب متنبى الغرب ، فى مدح الخليفة الفاطمى المعز لدين الله الفاطمى، الذى كان أتباعه ينظرون إليه على أنه ظل الله على الأرض أو الحاكم باسم السماء.
هيا بنا نعرض لكم صلب موضوعنا وهو التعريف بالشاعر بن هانئ الأندلسي وقصيدتة الشهيرة.
أبو القاسم محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأندلسي الأزدي
اقرأ ايضا
كان كبير شعراء بلاط الخليفة الفاطمي المعز لدين الله،جاءت معظم قصائده التي تم جمعها هي في مدح الفاطميين ضد ادعاءات العباسيين والأمويين في إسبانيا. كما أطلق عليه العديد من معاصريه وكذلك المؤرخين اللاحقين لقب "متنبى الغرب".
قال ابن هانئ في مدح الخليفة الفاطمي الإمام المعز لدين الله العديد من القصائد، منها قصيدتة الشهيرة والتى جاء فى مطلعها...
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
وكأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ
وكأنّما أنصاركَ الانصارُ
أمُعِزَّ دينِ الله إنّ زمانَنا
بكَ فيه بأوٌ جلَّ واستكبار
ها إنّ مِصرَ غداة َ صرْتَ قَطينَها
أحرى لتحسدها بك الأقطار
جاهر بن هانئ الأندلسى بالتطبيل فى هذة الابيات حتى وصل بة آفاقاً لن يستطيع عاقل تخيلها فشبة الخليفة بالنبي وسبغ علية صفات الآلهة، وما يتصور لنا أن الخليفة لم يعترض على هذة الابيات بل فرح بها على الأرجح لتجعل الشاعر الأندلسى يتمادى مجدداً ليمنح الحاكم صفة الإلة الذي يقسم الارزاق ويتحكم فى الأعمار...
شرُفت بك الآفاقُ وانقسمت *** بك الأرزاقُ والآجالُ والأعمار
(وليس لنا من تعليق الا استغفار الله )..
هذة الابيات كانت منبع وأصل المثل المصرى الشهير (أول القصيدة كفر)
لما سمع المصريين القصيدة، والتى بها العديد من المبالغه في مدح المعز، ورفع مرتبته لدرجة الذات الإلهية ؛ قال المصريين فى صورة ساخرة : "أول القصيدة كفر"، وبذلك سارت مثلا نقوله ونتداولة حتى يومنا هذا، دون معرفة حقيقتة، وهذه هي حقيقتة التي تم كشفها.
بيت النابفة الذبياني
ومقارنة بكل ما قلناه عن بن هانئ الأ ندلسي يظل بيت النابغة الذبيانى الذى مدح به النعمان أبو قابوس ملك الحيرة، عاديا، رغم ما انطوى عليه من مبالغة سياسية، حيث قال له:
ألم تر أن الله أعطاك سورة.. ترى كل ملك دونها متذبذب
فإنك شمس والملوك كواكب.. إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
بيت أمير الشعراء أحمد شوقى للأمير فاروق
قال أمير الشعراء أحمد شوقي للأمير فاروق ( فاروق يا أذكى نبات الوادي ** و لمحة الآباء والأجداد )
فنانون سارو على هذا النهج
(أم كلثوم)
غنت أم كلثوم عام 32 19 للملك فؤاد (ملك الفؤاد فما عسى أن أصنع ** أفديه ان حفظ الهوى أو ضيعو) رحل فؤاد فغنت لفاروق عام 1937 في عيد ميلاده ( طلع السعد عليها يوم ناداها البشير قائلا فاروق هلا ** ونما البشر إليها حين وافاها السرور بهلال قد تجلى ) قبل أن تلاحقه في 1938 بأغنية (أشرقت شمس التهاني) وذلك بمناسبة زواجه ثم داعبته في ليله العيد عام 1944 وسط أغنيتها الشهيرة .. (يعيش فاروق ويتهنا ** ونحييله ليالي العيد) لينعم عليها بلقب صاحبة العصمة ووسام الكمال !!
(عبدالوهاب)
لم يتكاسل عبد الوهاب فى نفس ذات الفترة عن المنافسة فغنى لفاروق 1945 (والفن مين انصفه غير كلمة من مولاه ** والفن مين شرفه غير الفاروق و رعاه ** انت اللي اكرمت الفنان ورعيت فنه ** رديت له عزه بعد ما كان محروم منه ** ورويت فؤاده بالألحان برضاك عنهفلم ينعم عليه الملك بشئ ).. فعاجله في عيد جلوسه بأغنية من أشعار صالح جودت قال فيها (ياللي امال الشباب ترويها ايدك **الليله عيد الشباب ، الليله عيدك ) لكن على عكس أم كلثوم خرج عبد الوهاب خالي الوفاض من لقب أو نيشان !!
رأي الدكتور ياسر ثابت عن النفاق السياسي فى مؤلفة (صناعة الطاغية)
عبر د. ياسر ثابت فى كتابه «صناعة الطاغية» عن هذا الوضع قائلا: «النفاق السياسى فى بلادنا لصاحب السلطة والنفوذ، سواء أكان رئيسا أو وزيرا أو محافظا، قد يأخذ طابعا إعلانيا صاخبا. فهو لا يكتفى بالدعاء له أو بالتصفيق له عند مروره أمامه، بل أنه يدبج له قصائد المديح وربما يكتب المقالات فى الجرائد تأييدا ومباركة للقرار الفريد أو اللفتة التاريخية لهذا المسؤول أو ذاك؛ وإذا توفى لهذا الكبير خال أو عمة، وكان صاحبنا من رجال المال والأعمال، فإنه لا يكتفى بإرسال برقية عزاء أو بالمشاركة فى تشييع الجنازة، بل لا بدّ من نشر صفحة أو ربع صفحة للقراء فى كبرى الصحف».
وفى نهاية مقالنا...
نرجو من المولى عز وجل أن يكون وفقنا فى كتابة هذة السطور، وأن ينفعنى وأياكم بالعلم ،وأن ينير بصيرتنا وأتمنى لكم قراءة سعيدة وممتعة،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتة.
مصادر
مؤلف (صناعة الطاغية ) للدكتور ياسر ثابت.
ديوان الشاعر بن هانئ الأندلسى.
amr abdelwakil
كاتب مقالات متنوعةبين الحين والآخر تخطر فى مخيلتى بعض الأفكار فأقرر الكتابة عنها , فالكتابة كما قال عنها الكاتب يوسف زيدان هى مصيدة الأفكار الهائمة فى سماوات الأذهان...
تصفح صفحة الكاتب