إعلان

الرجل خارج السستم -قصة قصيرة

النور عادل
كاتب.. مؤلف..وروائي
وقت القراءة: دقائق

-سيدي، إسمك غير نازل عندنا بالسستم، رجاءا أن تتفضل وتنتظر قليلاً ريثما نعالج المسألة، لابد أن خطأً ما قد وقع، يستحيل أن يكون هناك شخص خارج السستم بالكلية.

الرجل خارج السستم -قصة قصيرة

غادر مسرعا حتى قبل أن يسمع ردي وكأن لا خيار لي في مجرد الرد. منذ ثلاثة أيام وبطاقتي البنكية لا تعمل، لم ينزل مرتبي لأنه ببساطة لم يعد عندي حساب بأي بنك ونفس الرد، "إسمك غير نازل في السستم" ونفس الهلع الذي يجتاح وجوه الموظفين وهم ينظرونني ويجرون هنا وهناك لحل المسألة دون طائل، فإسمي كما علمت لاحقا من ضابط التحقيقات خارج كل النظام، بدءاً من شهادة ميلادي نهاية بحسابي البنكية وحتى حسابي على نتفليكس معطل.

في أول مرة اكتشفت أن حسابي البنكي محذوف لأنني خارج السستم، اكتشفت أن حياتنا كلها باتت متمحورة حول هذا الهاتف البراق، كنت نتسابق لشراء أفخم نسخة وأغلاها لنكون ضمن باقة أفضل خدمات السستم، صارت حتى اجتماعات العائلة تتم عبر دائرة إلكترونية ببرنامج محادثة عبر السستم. تقريباً لم يتبقى إلا أمعائنا التي لم تدخل السستم، فنحمد الله أننا إلى الان لا نزال نأكل طعاماً آدمياً وليس شرائح بيانات أو معلومات بطعم الخضروات واللحوم والفواكه، قرأت ذات مرة أنهم بصدد صنع طعام في شكل بيانات!

الرجل خارج السستم -قصة قصيرة

والان بات أقل خطأ يخرجك من السستم يعني ببساطة الحكم عليك بالنفي والعزلة والحرمان من المرتب ومشاهدة أفضل الأفلام والمسلسلات وحتى الحرمان من الخدمات المنزلية المرتبطة كلها بالسستم.

دخل الموظف مكتباً على عجل ووجهه ممتقع، خرج معه إثنان بدو أرفع منه أهمية وأشد قلقاً، أشار لهما نحوي بحركة خفية، نظرا إلي بتوتر ثم سارا مسرعين مع الموظف إلى مكتب في آخر صالة الموظفين شبه الخالية الا من حارس أمن يجلس بملل يحدق في شاشة أمامه يراقب الداخلين والخارجين وعموم المكان. نظرت لهاتفي الذي تحول لما يشبه الحجر بدون إنترنت فقد قطع هذا الشيطان أيضاً عني بسبب حذف حسابي على السستم، إذ أنا شخص بلا أي سجل ولو غير محدث على أي سستم رسمي أو غير رسمي.


اقرأ ايضا

    بعد خمس أو سبع دقائق، خرج الموظف ومعه نحو خمسة آخرين، إتجهوا نحوي على وجل كانوا يرمقونني بحذر وريبة واضحين، كانت تبدو عليهم لمحة ذهول وحيرة تكاد تقفز من أعينهم التي تنظر لي باستغراب.

    الرجل خارج السستم -قصة قصيرة

    وقفوا أمامي مباشرة، وقال أوسطهم بهدوء يشوبه التوتر:

    -انت الرجل خارج السستم؟

    الرجل خارج السستم -قصة قصيرة

    -نعم، أنا هو شخصياً، كلي خارج السستم.

    قال الذي يقف خلفهم وبدا شاباً ألمعياً:

    -هل لك أن تخبرنا كيف حدث هذا يا سيدي؟ فانت لا سجلات لك على الإطلاق داخل كل السستم لدينا، وقد علمنا بعد عدة إتصالات أنك بلا أي سجلات في أي دائرة رسمية أو شبه رسمية، حتى أننا سألنا عنك الأمن وأجابوا بأنك غير موجود عندهم مطلقاً، بل ولا حتى أنك حين دخلت لم تلقط صورتك الكاميرا عندنا كما قال موظف الاستقبال قبل قليل والمسكين يكاد يموت من الهلع ويريد ترك العمل لظنه أنه...قاطعه أكبرهم بحسم مسكتاً إياه:

    -سيدي، هل انت خبير تكنولوجي أو ما شابه ذلك؟ فهذا الأمر لا ينبغب أن يكون إلا لشخص خبير على مستوى عالي من الخبرة ليقوم بحذف كل بياناته هكذا دون أي أثر. هذا غير أن مسألة عدم إلتقاط الكاميرا لك لغز لوحدها.

    بحذر اقترب مني وأراني شاشة حاسوبه المتحرك، وهي عبارة عن شاشة للمكان حيث أجلس أنا وهم وبقية الموظفين، ويا لصدمتي لم أكن موجودا في مقعدي!

    مضى شهر كامل وكل أجهزة الدولة العليا والدنيا تحقق في أمري، بت حديث الإعلام المرئي والمكتوب، حاولت عدة فضائيات إستضافتي لكن كل كاميراتهم كانت تفشل ببساطة في إلتقاط صورتي أو صوتي، وكان المذيعين والمذيعات يبدون حمقى وهم يتحدثون مع الكرسي أمامهم.

    الرجل خارج السستم -قصة قصيرة

    بت قلقاً أكثر، فزوجتي باتت تشكو غيابي المتكرر برغم أنني موجود طوال اليوم لا أغادر لأي مكان بسبب عدم امتلاكي ولا فلس لأتحرك به، باتت المسكينة هي من تعطيني مصروفي. لاحقاً خصصت لي الدولة إعاشة شهرية تحت بند الفقراء والمساكين، لكن لم استطع صرفها من ديوان الزكاة لأنني ببساطة غير موجود في السستم الخاص بهم، أضطررت لأذهب بنفسي إلى وزارة المالية وصرفها من مكتب الوزير شخصيا، وهو ما كان يكلفني رؤية الوزير الذي كان يترك أي شئ أو شخص لملاقاتي واعطائي ظرف المال، ويحاول وسعه أن يلتقط معي صورة سيلفي كانت كلها برغم حداثة هاتفه ووضوح الرؤية تبوء بالفشل فيظهر وحده داخل الاطار.

    بعد أشهر، قرر مجلس الوزراء أنني مواطن مبتلى بظاهرة نادرة وقرر أن يتعاطف معي ويقوم ببدء تسجيلي من جديد في السستم، مع زيادة راتبي قليلا حتى أدفع تكاليف الجلسات النفسية التي بت أذهب لها ويا للهول صار الجميع يشكو من إختفائي عدا هذا الطبيب العجوز كان يراني بكل وضوح.

    في يوم انتهاء إجراءات تسجيلي على السستم، تقرر عمل حفل كبير يحضره رئيس الوزراء بنفسه ليقوم بتسليمي بطاقتي الجديدة التي فيها كل تفاصيلي، وكان الحفل محضورا من كل الجهات الرسمية والاعلام الوطني حاضراً، بل حتى المحطات الأجنبية قررت أن توثق الحدث العالمي، للرجل خارج السستم والذي بدأ يضمحل وجوده شيئاً فشيء حتى أمام نظر زوجته وأطفاله. وقد قرر منظمو الحفل أن أحتال على الكاميرات بوضع قناع على وجهي عسى تفلح العدسات في إلتقاطي عبر القناع.

    الرجل خارج السستم -قصة قصيرة

    جئت مبكراً إلى مكان الحفل، كنت قلقاً، أشعر بعرق غزير جدا يسيل من كل أجزائي، لكنني لم أشعر بدقات قلبي الوجلة التي اعتدت سماعها، هل اختفى قلبي أيضا؟ يا للمصيبة.

    رحب الحفل بي وهللوا لانضمامي لعالم البشر الموجودين والمسجلين على السستم، ونادوا علي للصعود إلى المنصة، نهضت ومشيت باعتداد نحو المنصة، والجميع يصفقون بحرارة ويبحثون عني. صعدت إلى المنصة وبدأت الحديث موجها الشكر للجميع على اختلاف مقاماتهم...لكن الحشد كان لا يزال يصفق بنفس الحرارة بانتظاري..ألم أصعد بعد؟!

    الرجل خارج السستم -قصة قصيرة
    النور عادل

    النور عادل

    كاتب.. مؤلف..وروائي

    ببساطة أنا شخص محب للكتابة والقراءة الحرة بصورة عامة إذ أجد فيها وعبرها متنفساً لمخاوفي وشكوكي وقلقي المزمن منذ وعيت الحياة. الكتابة بالنسبة لي ليست مصدر رزق أو باب شهرة، بقدر ما هي غرفة وحديقة خلفية أحب الدخول إليها كلما عصفت بنا أعاصير اليومي وانتشرت جحافل التضليل الحديث.

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ