الذكاء الاصطناعي والمستقبل كيف لا تخسر عملك للآلة؟

zakaria bychlifen
كاتب إبداعي
نشرت:
وقت القراءة: دقائق
صورة تدل على المواجهة بين الإنسان والذكاء الصناعيصورة تدل على المواجهة بين الإنسان والذكاء الصناعي

سوف تخسر عملك، وهذا ليس من وحي الخيال أو الترهيب، حسب صحيفة "The Guardian" مجالات الاقتصاد والقانون والطب وأخرى تشكل 27 في المئة من اقتصادات 35 دولة قد تستبدل بعمّال آليين ذوي ذكاء اصطناعي. و"قد" هنا لا تدل على الشك، بل اليقين الذي حسب قانون مورفي، إن كان لشيء إمكانية الفساد، فسوف يفسد، وإن كان هنالك إمكانية أن تستبدل وظيفتك بسبب الذكاء الاصطناعي فإنها سوف تستبدل.

لكن لكل داء دواء، ودواء الذكاء الاصطناعي هو الاستثمار في الإنسان كإنسان. إليك، دليلك الكامل لكي لا تخسر عملك للذكاء الصناعي.

في 2050، حيث الاستقرار من الماضي.

أصيب الناس بالذهول، في أول عرض لفيلم الإخوة لوميير (Lumière)، حيث أن رؤية شاشة ثابتة، لكنها تحكي عن واقع معاش لم يكن سوى ضرب من خيال أوسع الخيالات. هذا العرض، تسبب في غتيان العديد من المشاهدين. فهل يصيبك الغثيان وانت تعلم أن التقنية تطورت بشكل لم يسبق له نظير في العشرين السنة الأخير؟

في كتابه 21 درس للقرن الواحد والعشرين، يجادل نوح هراري على أن العالم يتجه في منحى تصاعدي، السرعة التي لا تتماشى مع سرعة وعي الإنسان بها. ما يجعل من الاستقرار على مهنة من المهن، أو فن من الفنون أمر من شبه المستحيل.

يجادل كذلك على أن الذكاء الإصطناعي سيحل محل الإنسان في عدّة مهن، خصوصًا المهن التقليدية التي تستدعي التعلم واكتساب الخبرة من قبيل، مهن البرمجة، فنعم، رغم كونها مهنة المستقبل إلا أنها من أولى المهن التي سوف تستبدل بالذكاء الاصطناعي. وغيرها الكثير، حيث أن تقريرًا آخر من صحيفة الدايلي مايل (Daily Mail) يأكد أن 80 من المائة من المهن عرضة للاستبدال.


اقرأ ايضا

    ويجادل في نفس المقال، بين غولتزل (Ben Goertzel)، أن هذه الاستبدال سيتيح للبشر الحصول على مهن أكثر ملائمة لصحتهم العقلية والنفسية ولحسهم الإبداعي و لإنسانيتهم بصفة عامة.

    ما لم يعلمه نوح هو أن هذا التغيير لن يكون بحلول سنة 2050 كما توقع، بل قبل ذلك بكثير، حيث أن الذكاء الإصطناعي قد قام بالفعل باستبدال وتعطيل مهن أزيد من 3900 عامل أمريكي في سنة 2023.

    كما أن الذكاء الإصطناعي جزء من عالمنا الحالي، حيث أن شات جبت (Chatgpt)، أصبحت من المساعدات الضرورية في العمل المكتبي والحساب وكتابة الكود وحتى كتابة المقالات، لكنها لم تكن المسؤولة عن كتابة هذا المقال بكل تأكيد.

    ما يؤكده نوح حراري في كتابه، هو أن القدرة على التكيف أساسية لعالمنا اليوم، وهي ملكة تبنى ولا تولد من العدم. و لإثبات ما سبق أجرت عالِمة النفس ديانا دويتش (Diana Deutsch) تجربة لإثبات قابلية تكيف الخلايا العصبية مع المحيط .

    حيث استمع أفراد إلى جملة "sometimes behave so strangely " مرات متكررة بلا قافية أو إيقاع. بعد نهاية حصة الاستماع قام المشاركون بالإبلاغ عن شعورهم بأن تلك الجملة تحولت إلى أغنية بالنسبة لهم. هذه التجربة تُسلِط الضوء على أن الدماغ قادر على التكيف السريع مع التغييرات. وهي كذلك نظرية تنفي توقف الدماغ عن النمو بعد مرحلة الطفولة.

    لكن التكيف مع المتغيرات بصورة منتجة لا يأتي كذلك من فراغ، بل هو نتيجة لأربع مهارات ضرورية للحياة، كما هي ضرورية كذلك للحصول على وظيفة في العصر الحالي، وفي عصر الذكاء الاصطناعي.

    4 مهارات تكتسبها اليوم من أجل الغد.

    يشدد نوح حراري، على أن العصر الحالي والقادم، له ما له من معطيات يجب احترامها وعلينا ما علينا من مهارات يجب اتقانها، لكي نستطيع أخذ المعطيات وتحويلها سواءً على شكل مدخول مادي أو معرفي، يحافظ على كرامة وجه الإنسان وذكائه أمام الذكاء الصناعي.

    تتركز هذه المهارات أساسًا على الإنسان كغاية في حد ذاته، وهي مهارات التواصل، والتفكير النقدي، والتعاون، والإبداع. قد تتسائل لماذا هذه المهارات مهمة؟ وكيف يمكن بناؤها؟

    قبل الجواب عن ما سبق يجب إعطاء تعريف محدد لها. التواصل هو القدرة على الاستماع والفهم والإجابة عن السؤال دون الخروج عن الموضوع. وهو كذلك القدرة على تبسيط الأفكار والتواصل الفعال.

    أما التفكير النقدي، فهو بكل بساطة بيان الحق من الباطل، عن طريق الانفتاح التام والكامل على الأفكار، قبل الحكم على صحتها. كما أن التفكير النقدي لا يستمر دون القدرة على مواجه التغيير وكون عضو فعال فيه.

    أما التعاون، فهو القدرة على العمل في فريق من أجل هدف معين. كما النمل، فإن الإنسان ضعيف جسديًا، ونفسيًا كذلك، لكن ما يميز إنجازاته الضخمة هي القدرة على العمل في فريق من البشر من أجل الوصول لهدف محدد. ولا يتم هذا التعاون دون قدرة الفرد على التواصل الفعّال.

    وأخيرًا، الإبداع، وهو حسب مقال منشور في فرانس راديو، القدرة على تجميع عدد من الأفكار وخلق صلات بينها. والإبداع لا يخص الرسم والفن فقط، بل يحيط جميع مناحي الحياة.

    ولبناء هذه المهارات، يجب على المرء أن يكون ذو عزم وإرادة، حيث أنها كما المنازل والقصور تحتاج وقتً لتشيّد. لكن الطريق نحوها بيّن. فهي تحتاج كلها، المطالعة، كأساس لتنمية الروح والفكر. الكتابة، لبناء بنية طرح الأفكار ونمط التفكير. والمناقشة، فهي طريقة لوضع الأفكار في محاكم عقلية، تساعد على بناء التفكير النقدي، بجانب ملكة الاقناع والتواصل. وأن أصل كلمة (Debate)، والتي تعني النقاش، هو التواصل من أجل تجنب النزاع.

    وتلي هذه العادات الثلاثة الأساسية، عادات أربعة أخرى، هي: العمل في فريق. المسرح، كونه هواية في الأصل، إلا أن للمسرح جانب في تطوير الإنسان سواء تقافيًا لما يقدمه من أفكار، أو في وقفته ولغة جسديه، فهذه الأخير تشكل 55 في المئة من التواصل، بينما تشكل الكلمات المسموعة 7 في المئة فقط.

    كما أن محو الأمية الإلكتروني ضروري، فهو كذلك جزء من التواصل. وأخيرًا فإن العالم الحالي، خصوصًا إن كنت متحدثا باللغة العربية كلغة أم، يستدعي منك إتقان 3 لغات على الأقل. لا خضوعًا للعالم الخارجي، بل مجابهةً له، فكيف يمكن أن تهزم عدوًا لا تتقن لغته؟

    أما أهمية هذه المهارات، فيتجلى ببساطة في معرفة النفس أولًا، والعالم تانيًا، تم مكانك فيه، والمكان الذي تود أن تصل إليه. وهي المهارات التي تتيح لك الصمود أمام غزو الذكاء الصناعي. حيث أن هذا الأخير، يتميز لحد اللحظة بذكاء مخصص ومحدود، لكن الإنسان له ذكاء عام، ومن واجب الإنسان أن يطوره لأقصى درجة ممكنة. حيث أن حين يصل الذكاء الصناعي مرحلة بلوغ ذكاء عام، دون أن يجب أمامه ذكاء انساني مشابه لدى العامة، يكون الجنس البشري حينها، قد دخل عالم الماتريكس. فأيها تختار، الحبة الحمراء نحو الحقيقة، أم الزرقاء نحو عالم يعدك بشهادة تغنيك عن تعلّم ما يستحق التعلّم؟

    zakaria bychlifen

    zakaria bychlifen

    كاتب إبداعي

    فائز بالجائزة الأولى للقصة القصيرة في المغرب. مهتم بمواضيع تجعل القارئ يفكر.

    تصفح صفحة الكاتب

    اقرأ ايضاّ